درس خارج اصول استاد سیدمحمود مددی

موضوع: الجواب عنها /المناقشة فی التفصیل /التفصیل بین الشبهات الحکمیة و الموضوعیة /الأقوال /الإستصحاب /اصول العملیة /علم الأصول

جریان الإستصحاب فی الحکم الشرعی الثابت بحکم الشرع و عدم جریانها فی الحکم الشرعی الثابت بحکم العقل/التفصیل الثانی/الأقوال /الإستصحاب /اصول العملیة /علم الأصول

خلاصه مباحث گذشته:

تقدم التفصیل فی جریان الإستصحاب فی الشبهة الموضوعیة و عدم جریانها فی الشبهة الحکمیة و قد ناقش فیه المحقق السید الصدر و سبق نکات فی تحقیق المسألة، و قلنا یکون بعض النکات جواباً لمناقشته قدس سره و وقع البحث الآن فی النکتة السادسة.

1النکتة السادسة: تعویض عنوان مصنوع بعنوان آخر

قال المحقّق السید الصدر: «یُنظر إلی نجاسة الماء المتغیر بنظرین، احدهما النظر إلی ذات النجاسة و حقیقتها و الأخری النظر إلی [مفهوم النجاسة الذی هو مرآة إلی] مصادیق النجاسة و أفرادها. إن نُظر إلی ذات النجاسة، فالمنظور إلیها هی الجعل و إن نُظر إلی الأفراد و المصادیق فالمنظور الیها هو المجعول الکلی. و یجری الإستصحاب بلحاظ احد من النظرین و یجب أن یکون جریان الإستصحاب بالنظر العرفی، و النظر العرفی هو النظر إلی افراد النجاسة الخارجیة، [فیستصحب بقاء المجعول]».

سُلّم کلّ مقالته قدس سره و یقال له: قدصعنتَ عنواناً و هو عنوان «نجاسة الماء المتغیر» و نظرتَ إلیه بنظرین، نظر دقّیّ و نظر عرفیّ و استصحبتَ بقاء المجعول الکلی بالنظر العرفی لکن یُعوِّض ذاک العنوان المصنوع بعنوان آخر مصنوع أیضاً أو تؤتی بعنوان آخر مع ذاک العنوان و هو «جعل النجاسة للماء الذی زال عنه التغیر» و نُظر إلی بنظر عرفیّ فشُکّ فی حدوثه فیُستصحب عدم ذلک الجعل و یعارض استصحابَ بقاء المجعول.

و من المغالطات و من سرّاق الطریق أن یُصنع عنوان أولاً ثم تُصنع قضیة بناء علیه ثانیاً ثم یُستدّل بناءً علیها

2النکتة السابعة: توضیح مصطلح الحمل الشایع و الحمل الأولی عند المحقق السید الصدر

إن للمصطلحین «الحمل الأولی و الحمل الشایع» معنی فی علم المنطق و معنی فی علم أصول الفقه و ماأرادهما المحقق السید الصدر بل اصطلحهما علی معنیین و هما لایلائمان اصطلاح القوم و لایلائمان مراده قدس سره أیضاً.

2.1المصطلحان عند المنطقیون

و هما یستعملان بدایة فی المنطق؛ و «الحمل الأولی و الحمل الشایع» فی ذاک العلم وصفان للقضیة و یقال هذه القضیة حمل أولی و تلک القضیة حمل شایع. و تتصف القضیة بالحمل الأولی و بالحمل الشایع بلحاظ موضوعها أی یُنظر فی الموضوع تارة إلی المفهوم و أخری إلی المصادیق. و لاتفکیک و لافرق عند المناطقة بین المفهوم و المعنا و هذا التوضیح مبنیّ علی ما هو عندهم من معنی المفهوم.

و القضیة عندهم ثلاث، القضیة الملفوظة و القضیة المسموعة و القضیة المعقولة، و موطن القضیة الملفوظة فی الخارج و موطن القضیة المسموعة قوة السامعة و موطن القضیة المعقولة قوة العاقلة. و نظرهم فی اصطلاح الحمل الشایع و الحمل الأولی إلی القضیة المعقولة.

و حینما یبحث عن القضیة فیریدون منها القضیة المعقولة و یریدون من الحمل «القضیة» أیضاً، و یقولون إن القضیة المعقولة یتشکل من ثلاثة اجزاء، اثنان مفهومان ـ و هما الموضوع و المحمول ـ و الثالث هو النسبة بینهما. و إذا یقال «الإنسان جسمٌ» کان لهذه القضیة ثلاثة اجزاء، هی مفهوم الإنسان و مفهوم الجسم و النسبة بین هذین المفهومین.

و الموضوع فی القضیة المعقولة هو المفهوم دائماً و اذا وقع المفهوم موضوعاً فی هذه القضیة فتارة ینظر منه إلی نفس المفهوم و أخری ینظر منه إلی المصادیق؛ إن کان النظر إلی المصادیق فالقضیة الحملیة شایع صناعی و إن کان النظر إلی المفهوم فالقضیة الحملیة أولیٌّ.

و یسمی القضیة شایعاً لأن النظر فی أکثر قضایا المحاورة و الصناعة أو جلّها إلی المصادیق و یسمی القضیة أولیاً لأنه لاواسطة بین الموضوع و المحمول، و المحمول نفس الموضوع أی أن الحمل هو هو.

کذا یقال فی المنطق و إن کان التقسیم غیر جامع لکل القضایا.

2.2المصطلحان عند الأصولیین

ثم اصطلح علماء الأصول هذین المصطلحین و جعلوهما وصفا للعنوان ـ و لیس من البعید أن یستبق الحکماءُ إلی هذا الإصطلاح ـ و علی أی حال یقال: الإنسان بالحمل الأولی و الإنسان بالحمل الشایع، الشجر بالحمل الأولی و الشجر بالحمل الشایع، الحجر بالحمل الأولی و الحجر بالحمل الشایع.

الإنسان بالحمل الشایع أی مصداق الإنسان و الإنسان بالحمل الأولی أی مفهوم الإنسان.

هم یریدون من وصف الحمل الأولی مفهوم العنوان و یریدون من وصف الحمل الشایع مصداق العنوان. الإنسان بالحمل الأولی موجود مجرد غیر مادی، أی مفهوم الإنسان هو مجرد غیر مادی. الإنسان بالحمل الشایع جسم أی مصداق الإنسان جسم. و هذا الإصطلاح قد کان اصطلاحاً جیّدا و خیراً لأنه یراد من العناوین تارة مصادیقها و أخری مفاهیما.

و هذان المصطلحان مصطلحان عند المنطقیین و الأصولیین و لکن مارعَیهما المحقق السید الصدر.

2.3المصطلحان عند المحقق السید الصدر

قال المحقق السید الصدر: إنه تلحظ «نجاسة الماء المتغیر» علی نحوین تارة تلحظ علی نحو الفانی فی حقیقة النجاسة، و عنوان النجاسة هو مفهوم مقوم بالذهن و موجود من موجودات عالَم الجعل و الإعتبار ـ و هذا الکلام لیس کلام دقیق لکنه لیس محل بحث الآن ـ و أخری تلحظ علی نحو ینظر منه إلی الأفراد.

اراد المحقق السید الصدر من مصطلح «نجاسة الدم بالحمل الشایع» أو «نجاسة الماء المتغیر بالحمل الشایع» حقیقة النجاسة لامفهومها و حقیقتها امر جعلیٌّ اعتباریٌّ[1] یعنی هی أمر مجعول کلی فی عالَم الجعل.

و اراد من مصطلح «نجاسة الدم بالحمل الأولی» أو «نجاسة الماء المتغیر بالحمل الأولی» مفهوم النجاسة فی الذهن الذی ینظر الیه دائماً بنظر مرآتی فیری منه مصادیقه، و مصادیق نجاسة هذا الدم و نجاسة ذاک الدم و نجاسة ذلک الدم.

بیان المناقشة فی مصطلحه

اصطلح قدس سره وقال «لایجری استصحاب عدم الجعل الزائد بالنظر إلی نجاسة الماء المتغیر بالحمل الشایع».

إن نظر فی ضمن عنوان «نجاسة الماء المتغیر» إلی حقیقة النجاسة ـ و هی امر ذهنی مجعول فی عالم الجعل و الإعتبار ـ فیناقش فی مصطلحه بأن هذا الحمل لیس بحمل شایع و لیس بحمل أولی، و اما لیس بحمل شایع لأنه لاینظر منها إلی المصادیق و اما لیس بحمل أولی لأنه لاینظر منه إلی المفهوم.

و إن نظر فی ضمن ذاک العنوان إلی مفهوم «نجاسة الماء المتغیر» علی نحو ینظر منه إلی الأفراد فاصطلح نجاسة الماء التغیر بالحمل الأولی، فیناقش فی کلامه قدس سره بأن ذلک الحمل لیس بحمل أولی، لأنه لاینظر فی الموضوع إلی المفهوم، و إن کنا اردنا ان نتکلم علی اصطلاح اصولی فلنقل ذاک حمل شایع لأنه یراد من النجاسة مصادیقها أی هذه النجاسة و تاک النجاسة و تلک النجاسة.

و إن کان مرداه قدس سره واضح لکن اصطلاحه لایلائم اصطلاحَ القوم و لایلائم لفظُ الإصطلاح مرادَه فلایناسب المقام.

3النکتة الثامنة: المناقشة الأخری مع توجیه کلامه

قال المحقق السید الصدر قدس سره : «ینظر إلی نجاسة الماء المتغیر علی نحوین، نحو ینظر إلی أفرادها بنظر عرفی و نحو ینظر إلی ذاتها. یستصحب بقاء المجعول بالنظر إلی أفرادها و یستصحب عدم الجعل الزاد بالنظر إلی ذاتها لکن یجری الإستصحاب علی احد من هذین النحوین، لا کلاهما لأن فی لحاظ کلیهما تهافت، و لوجود التهافت فی لحاظ کلا النحوین یتواجد التعارض الداخلی فی دلیل الإستصحاب و کلما یوجد تعارض داخلی فی دلیلٍ فقدصار الدلیل مجملاً و لایشملهما و لذا لایجری استصحاب بقاء المجعول و لا استصحاب عدم الجعل الزائد. أی إن التعارض الداخلی لایوجب أن یطرح احد من النظرین و یرفع الید منه بل یوجب أن یکون الدلیل مجملاً».

إن المحقق السید الصدر قد تحکّم بحفظ اللحاظ العرفی و ترک اللحاظ الدقیّ و یمکن توضیح کلامه و توجیهه ببیان لم یقله و هو أنه إذا کان دلیل و یتصور فیه لحاظین ـ و لایمکن حفظ اللحاظین و تطبیق الدلیل وفقاً لهما لأنه یوجب التعارض الداخلی و الإجمال ـ فإن کان کِلا اللحاظین دقّیّـین أو کان کلاهما عرفِیَّـین فالعقلاء فی سیرتهم یحفظون کلا اللحاظین و یعاملون مع الدلیل معاملة الخطاب المجمل؛ فإن کان أحد اللحاظین عرفیاً و الآخر دقّیـاً فـلم‌یحفظ العقلاء کلا للحاظین فی سیرتهم بل یأخذون اللحاظ العرفی و یذرون الآخر لکی لایصیر الدلیل مجملاً.[2]

و دلیل «لاتنقض الیقین بالشک» یشمل استصحاب بقاء المجعول الذی یکون الحاظ فیه عرفیّاً و لایشمل استصحاب عدم الجعل الذی یکون اللحاظ فیه دقـیّاً.[3]

إن المحقق السید الصدر قد تحکّم بحفظ اللحاظ العرفی و ترک اللحاظ الدقیّ و یمکن توجهه بهذا البیان و إن کان هذا التوجیه مراداً له قدس سره فیناقش فیه بأنه لایمکن التصدیق بوجود هذه السیرة العقلائیة العرفیة فی المحاورات أو التصدیق بعدمها، مضافاً بالنکتة السادسة بأن عنوان «نجاسة الماء المتغیر» عنوان مصنوع و یمکن تعویضه بعنوان «جعل النجاسة للماء المتغیر»، فیتعارضان استصحاب بقاء المجعول و استصحاب عدم الجعل.

4النکتة التاسعة: المراد من «الجعل» فی استصحاب عدم الجعل

إنه یعبّر عن عملیة الجعل بالتشریع، و یعبر عن الحکم الکلی بالجعل، و تعبّر عن الحکم الجزئی بالمجعول، و هو المراد من هذه العناوین؟

ما هی عملیة الجعل أو الجعل بمعنی التشریع؟

و ما هو الجعل بمعنی الحکم الکلی؟ هل هو مفهوم؟

و ما هی حقیقة المجعول؟

إنه قد بحث عن حقیقة هذ العناوین فی محلها، و لکنه تنبغی الدقة إلی نکتة و هی أنه قد یعبّر عن الجعل یعنی الحکم الکلی بالقضیة الکلیة.

قال المولا فی عملیة الجعل «الدم نجس» أی تلفظ هذه القضیةِ انشاء و جعل و تشریع.

فإنا انشأ المولی الحکمَ قد انتزع منه قضیة کلیة و هی «کل دم نجس فی الشریعة» و یعبر عن هذا الإنتزاع بالجعل فی تجاة المجعول، و «الجعل» فی هذا التعبیر لیس بمعنی عملیة الجعل و لابمعنی التشریع.

فالمجعول هو «نجاسة هذا الدم».

فیسأل حینئذ ما المراد من «الجعل» فی استصحاب عدم الجعل، حین یعارضه استصحاب بقاء المجعول أو یحکم هو علی استصحاب بقاء المجعول؟

فنحن مجیبون بأن المراد منه لیس القضیة الکلیة المنتزعة من التشریع بل المراد منه نفس التشریع و عملیة الجعل. حینما یشک فی أن الشارع هل جعل الحرمة علی شرب التتن فیستصحب عدم الجعل، أی یستصحب عدم تشریع الحرمة و عدم عملیة التشریع.

و نحن نقول ذلک لأنا نقّحنا فی محله أن التشریع و عملیة الجعل أمر حادث، و القضیة المنتزعة منه قضیة واقعیة ازلیة صادقة.

قضیة «کل دم نجس فی الشریعة الإسلامیة» صادقة قبل بعث النبی صلی الله علیه و آله کما أن قضیة «زید یموت یوم الجمعة» قضیة صادقة قبل اتیان یوم الجمعة بل قبل تولده بل قبل تولده بآلاف سنة. و القضیة المتزعة ازلیة لایتحمل الکذب و الصدق.

فجری استصحاب عدم التشریع بلامعارض، أو یجری و یحکم علی استصحاب بقاء المجعول علی اختلاف فی المسألة المشار إلیه سابقاً.

و المختار فی المسألة عدم جریان استصحاب بقاء المجعول إما للمعارضة و إما للحکومة.[4]