< فهرست دروس

الأستاذ السید حسین الحکیم

بحث الأصول

38/05/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : مراتب الحكم (المنجزية) نقد نظرية السيد الشهيد الصدر قدس سره

قد تبين أن السيد الشهيد الصدر يرى أن مركز الخلاف بينه وبين الاتجاه السائد عند الاصوليين هو أنه فكك بين المولوية العقلائية التي هي مولوية جعلية وبين المولوية الالهية التي هي مولوية تكوينية مطلقة وأن الخلاف بينه وبينهم في الاصل العملي العقلي الأولي حيث بنى هو على الاحتياط وبنوا هم على البراءة فهو يرى أن المولوية التكوينية المطلقة تقتضي الطاعة مطلقا حتى في حال احتمال التكليف احتمالا ضعيفا ويحمل كلامهم على أن انهم يتعاملون مع المولوية الالهية كما يتعاملون مع المولوية العقلائية الجعلية ولكن ذلك قد لا يكون صحيحا بشكل تام ففهمنا لما ذكره الأصوليون في كثير من عباراتهم بل ومذاكرتنا المباشرة مع بعض أعلام عصرنا انهم يرون مولوية المولى الحقيقي مطلقة وليست محدودة ولكنهم يرون ان العقل يحكم بقبح العقاب بلا بيان وأن هذا الأمر لا يرجع الى انتقاص من المولوية ولا الى كونها جعلية ولا الى كونها عقلائية بل الى كون العقل يرى الجهل معذرا دون اختلال بمرتبة المولوية ولا بإطلاقها كما أن العقل يرى العجز معذرا وهو رحمه الله يراه معذرا دون أن يفكر أحد أن معذرية العجز تكشف عن جعل واعتبار في حقيقة المولوية, ولا انتقاص في اطلاقها, ولا قياس لها على المولوية العقلائية .

وأهم من ذلك أن الاصوليين أو على الأقل بعض المحققين منهم يبنون على قبح العقاب بلا بيان وليس قبح العقاب بلا علم ولا وصول كما استفاد هو من كلماتهم وقال:( ذكروا أن التكليف يتنجز بالوصول والقطع ولا يتنجز بلا وصول ولهذا حكموا بقاعدة قبح العقاب بلا بيان )[1] .كما مر آنفا مفصلا .

فانهم لا يقصدون من عدم البيان عدم العلم والوصول مطلقا ولك أن تنظر في كلماتهم التالية لتعرف الأمر ويتضح الحال :

1_ قال الشيخ الأعظم قدس سره _بعد كلام طويل في بيان الأدلة على وجوب الفحص في الشبهات الحكمية _ ما لفظه : (.وكيف كان : فالأولى ما ذكر في الوجه الرابع ، من أن العقل لا يعذر الجاهل القادر على الفحص ، كما لا يعذر الجاهل بالمكلف به العالم به إجمالا . ومناط عدم المعذورية في المقامين هو : عدم قبح مؤاخذة الجاهل فيهما ، فاحتمال الضرر بارتكاب الشبهة غير مندفع بما يأمن معه من ترتب الضرر )[2] .

2_قال المحقق الآخوند الخراساني ره :( قد عرفت انّه لا استقلال للعقل بالبراءة قبل الفحص في الشّبهات الموضوعيّة مطلقا ، كما في الحكميّة سيّما بملاحظة تبعيّة الأحكام للمصالح والمفاسد ، ولا عسر في الفحص في الوجوبيّة منها لقلَّة الابتلاء بها ، ولا اتّفاق على عدمه لما وقع من الخلاف بينهم فيما ذكر من الفروع ، ولا إطلاق للنّقل الدّالّ على البراءة فيها لقوّة احتمال سوقه مساق حكم العقل ... )[3] .

3_وقال أيضا : (... بل من باب استقلال العقل بتنجز الاحكام على الأنام بمجرد قيام احتمالها ، إلا مع الفحص واليأس عن الظفر بالدليل على التكليف ، فيستقل بعده بالبراءة ، وإن العقوبة على المخالفة بلا حجة وبيان ، والمؤاخذة عليها بلا برهان ، فافهم .) [4]

4_وقال أيضا : (. وأما البراءة العقلية : فلا يجوز إجراؤها إلا بعد الفحص واليأس عن الظفر بالحجة على التكليف ، لما مرت الإشارة إليه من عدم استقلال العقل بها إلا بعدهما )[5] .

5_ وتابعهما المحقق النائيني ره في ذلك فقال :( الأمر الثاني : أن المبحوث عنه في المقام انما هو الحكم بالبراءة أو الاحتياط بعد الفحص واما قبله فلا اشكال في عدم جواز الرجوع إلى البراءة عند الأصوليين والاخباريين ولكنه لا يخفى ان ذلك لا يستلزم أن يكون المجتهد هو المكلف بإقامة الدليل على البراءة بعد الفحص بل الاخباري لا بد له من إقامة الدليل على الاحتياط بعد الفحص أيضا لان ملاك حكم العقل بعدم جواز الرجوع إلى البراءة قبل الفحص يستحيل بقاؤه إلى ما بعد الفحص ( وتوضيح ) ذلك ان حكم العقل بعدم جواز الرجوع إلى البراءة قبل الفحص له منشئان ( أحدهما ) حكمه بوجوب الفحص عن احكام المولى بمجرد احتمال حكم من قبله فإن العقل يستقل بأن وظيفة المولى هو ايصال احكامه إلى عبده بجعل طرق إليها يتمكن العبد من الوصول إليها عادة والعقاب على مخالفتها من دون ذلك عقاب لا بيان وبأن وظيفة العبد هو الفحص عن احكام مولاه حتى لا يقع في مخالفتها وحكمه هذا من فروع حكمه بوجوب النظر إلى المعجزة ولولا حكمه بذلك يلزم افحام الأنبياء عليهم السلام في دعواهم وقد سبق توضيح ذلك في بعض المباحث السابقة وسيأتي بيانه في محله إن شاء الله تعالى وموضوع حكمه بذلك انما هو مجرد احتمال البيان حتى يكون هذا الحكم العقلي بيانا لما هو بيان الحكم الواقعي فيكون الحكم الواقعي واصلا بطريقه الواصل بالطريق أيضا ومن البديهي ان موضوع هذا الحكم يرتفع بعد الفحص فلو لم يجز الرجوع بعده إلى البراءة فلا بد وأن يكون بملاك آخر غير وجوب الفحص... )[6] .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo