< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

33/10/30

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: الشهرة/ وسائل اليقين الْمَوْضُوعِيّ الاستقرائي/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول
 الاحتمال الثاني:
 أن يكون المراد به نفي الريب الحقيقي (وهو الشك) تعبدّاً من قبل الشارع لا حقيقة، بمعنى أنَّ الشارع يُعَبِّدُنَا بإلغاء الشك، وهذا معناه جعل الحجيّة.
 وبناء على هذا الاحتمال قد يقال بعموم التعليل لكل شهرةٍ حينئذٍ؛ باعتبار أنَّ الشارع يمكن أن يجعل الحجيّة لكل شهرة، فكأنَّه قال: >خذ بالمجمع عليه<؛ لأنَّ كل مجمع عليه حجّة عندي وألغيتُ الشك فيه، فيشمل المجمع عليه في الرواية والمجمع عليه في الفتوى، وبعد حمل >الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ< على المشهور (طبقاً للمقدمّة الأولى حسب الفرض) يكون المعنى أنَّ: >كلَّ مشهورٍ حجّة عندي<، فتثبت حجيّة الشهرة الفتوائية.
 إلا أنَّ الصحيح هو أنَّ هذا الاحتمال حتّى لو فُرِضَ أنَّه يُثبت المقصود وغُضَّ النظر عمّا قد يُناقَش ويقال في المقام بأن >اللاّم< في >الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ< يحتمل أن تكون للعهد (أيْ: هذا المجمع عليه المعهود وبين الامام × والسائل) وهو عبارة عن الرواية المشهورة؛ لأنَّ مورد المقبولة هو الرواية المشهورة كما قلنا سابقاً، فكأنه قال: خُذ بالرواية المجمع عليها (المشهورة)؛ لأنَّ هذا المجمع عليه حجة عندي, فيختص أيضاً بالشهرة الروائية.
 ولا نافي لهذا الاحتمال غير ظهور التعليل في كونه تعليلاً بأمر عامٍ, ومن الواضح أن ظهور التعليل إنَّما ينفي هذا الاحتمال فيما إذا كان التعليل بأمرٍ عرفي ارتكازي, لا بأمرٍ غيبي تعبدي؛ فإنَّهُ ليس له ظهور حينئذ في كونه تعليلاً بأمرٍ عام.
 أقول: حتى لو غضضنا النظر عن هذا وفرضنا أن هذا الاحتمال يثبت المقصودَ, لكن نقول: إن هذا الاحتمال لا يوافق ظاهر المقبولة؛ فهو خلاف الظاهر في نفسه, وذلك:
 أولاً: لأنَّ هذا الاحتمال متوقف إِمّا على التصرف في القضية التي هي بطبعها جملة خبرية على الإنشاء وهو خلاف الظاهر، وإمّا على التصرف في المخبر به بجملة على النفي التعبدي للريب لا النفي الحقيقي، وهو أيضاً خلاف الظاهر.
 إذن، فقوله: >فَإِنَّ الْمُجْمِعَ عَلَيْهِ لاَ رَيْبَ فِيهِ< إمّا أنه جملة انشائية تُنشئ نفي الريب والشك؛ لأنها جملة خبرية تُخبر عن الريب والشك، وهذا خلاف الظاهر؛ لأنَّ ظاهر الجملة الخبرية هو أنها خبرية.
 وإِمَّا أنه جملة خبرية يخبر فيها عن عدم الريب تعبداً من قبل الشارع لا عن عدم الريب حقيقةً وتكويناً، وهذا أيضاً خلاف الظاهر كما هو واضح.
 وثانياً: لأنَّ هذا الاحتمال ينافي ما يُترقب من طبيعة التعليل، وهو أن يكون التعليل تعليلاً بشيء مرتكز عند العقلاء كي يكون هذا التعليل تقريباً للحكم إلى الذهن، فلو فرضنا أن المعلَّل به أمر تعبديّ عيني يفرضه الإمام × الآن، لم تكن للتعليل هذه الخاصية والطبيعة؛ فظاهر كل تعليل هو أنه تقريب للمطلب إلى الذهن بذكر نكته ارتكازية عرفية له، أمّا ذكر نكتة تعبدية صرفة غير مفهومة لدى العرف وغير مرتكزة عنده فلا يوجب تقريباً للمطلب إلى الذهن، فيكون خلاف ظاهر التعليل.
 إذن، الاحتمال الثاني ساقط.
 
 الاحتمال الثالث:
 أن يكون المراد به نفي الريب العقلائي (لا العقلي والحقيقي) حقيقةً؛ فهو إخبار عن انتقاء الريب والشك عند العقلاء عن >الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ<، بمعنى أن من تمسك به وسار على ما هو المشهور فقد تمسك في نظر العقلاء بالعروة الوثقى، ومن خالفه فقد سلك طريقاً خطراً.
 ومرجع ذلك إلى بيان أن الشهرة وكون المطلب من المشهورات حجة عند العقلاء. فكأنَّه يُعَلِّلُ بالحجة العقلائية، ويقول: إن اتباع المشهور هو الطريقة العقلائية لا اتباع الشاذّ، وبهذا تكون المقبولةُ بصدد إمضاء حجية عقلائية للشهرة، فتثبت حجية الشهرة الفتوائية.
 وهذا الاحتمال يمتاز على الاحتمال السابق بتحفّظه على ما يتطلّبه ظاهر التعليل، ويترّقب من طبيعته من كونه تعليلاً بشيء مرتكز عند العقلاء كي يقرّب المطلب إلى الذهن، ولكنَّه لا هو يوافق ظاهر المقبولة، ولا هو يوافق المقصود.
 وتوضيحه هو: أنَّ هذا الاحتمال:
 أولاً: خلاف الظاهر من ناحية حمل الريب على غير معناه الحقيقي الذي هو عبارة عن الريب والشك التكويني الوجداني وتأويله وحمله على الريب العقلائي المقابل للحجيّة، مع أنَّ ظاهر >الريب< هو الشك الوجداني ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك.
 إذن، فهذا الاحتمال:
 أولاً: غير صحيح في نفسه وخلاف ظاهر المقبولة.
 وثانياً: أنَّه حتى على فرض كونه ظاهراً في نفسه وموافقاً لظاهر المقبولة لا يفيد المقبولة، ولا ينفع الاستدلال بالمقبولة على المدّعى الذي هو عبارة عن حجيّة الشهرة الفتوائية؛ وذلك لأنَّ التعليل إذا كان مسوقاً لإمضاء قضيّة عقلائية فسوف ينحصّر بحدود تلك القضيّة العقلائية، ومن الواضح أنَّ العقلاء لا يتبعون الشهرة الفتوائية في الأمور الاجتهادية الحدسية.
 فهذا الاحتمال حتّى لو صّح وتمَّ فإنمّا يقتصر فيه على ما يساعد عليه ارتكاز العقلاء، ولا يثبت الحكم في ما نحن فيه (أيْ: في الشهرة الفتوائية التي من الواضح فيها عدم وجود بناء عقلائي على حجيتها)، فيختص النفي (بناءً على هذا الاحتمال) بخصوص الرواية المجمع عليها والمشهورة؛ لأنَّها التي لا يرتاب العقلاء فيها، ولا يشمل الفتوى المشهورة والمجمع عليها لعدم جريان التعليل فيها؛ لأنَّ العقلاء ليس من بناءاتهم وموازينهم أن يكون تطابق أهل النظر في صناعة واشتهار رأيٍ فيما بينهم دليلاً على صحّة ذاك المطلب عند العقلاء.
 وبعبارة أخرى: ليست حجيّة الشهرة الاجتهاديّة والفتوائية من القضايا العقلائية، فإطلاق التعليل قاصر على إثبات ذلك.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo