< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

33/10/28

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: الشهرة/ وسائل اليقين الْمَوْضُوعِيّ الاستقرائي/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول
 
 3- الشهرة
 
 وهذه الكلمة في اللغة تُعطي معنى الوضوح والشيوع والذيوع، أمّا في علم الأصول ومصطلح الأصوليين فقد تضاف إلى الحديث والرواية وتسمّى بـ>الشُّهْرَة الروائيَّة<، ويُقصد بها تعدّد رواة الحدّيث بدرجة دون التواتر، وقد تضاف إلى الفتوى وتسمّى بـ>الشُّهْرَة الفتوائيَّة< ويُقصد بها انتشار الفتوى المعيّنة بين الفقهاء وشيوعها بدرجة دون الإجماع.
 ويوجد في كل من >الشُّهْرَة الروائيَّة< و>الشُّهْرَة الفتوائيَّة< بحث، وهو أنَّها هل هي من المرجّحات لإحدى الروايتين المتعارضتين على الأخرى أم لا؟ وهذا خارج عن محلّ الكلام ويأتي البحث عنه إن شاء الله تعالى في باب التعارض والترجيح.
 ويوجد في باب >الشُّهْرَة الفتوائيَّة< بحثان آخران:
 أحدهما: أنَّها تجبر ضعف السند في خبر الواحد أم لا؟ بمعنى أنَّ الخبر إذا كان ضعيفاً في نفسه، لكن عمل به الرأي المشهور بين الفقهاء وجاءت الفتوى المشهورة على طبقه، فهل أنَّ عمل الفقهاء حينئذٍ يجبر ضعف سنده ويوجب انطباق دليل حجيّة خبر الواحد عليه أم لا؟ وهذا أيضاً خارج عن محلِّ الكلام ويأتي البحث عنه إن شاء الله في باب حجيّة خبر الواحد.
 ثانيهما: أنَّها هي حجّة في إثبات الفتوى المشهورة، بحيث تكون كل فتوى مشهورة حجّةً أم لا؟ بمعنى أنه إذا استقرَّ في مسألةٍ رأي جلِّ العلماء المعتّد بآرائهم على فتوى معيّنة، فهل تثبت لنا من خلال هذه الشهرة تلك الفتوى وذاك الحكم الشرعي الذي أفتوا به أم لا؟ وهذا السؤال ينحل إلى سؤالين:
 أحدهما: أنَّ الشهرة الفتوائية هل تُثبت الحكم الشرعي إثباتاً وجدانياً وتكشف كشفاً قطعياً عنه كما كان الإجماع كاشفاً قطعاً عن الحكم الشرعي أم لا؟
 ثانيهما: أنَّ الشهرة الفتوائيّة هل تُثبت الحكم الشرعي إثباتاً تعبدّياً، فتكون حجّة شرعية تعبديّة على الحكم، كما أنَّ خبر الواحد حجّة تعبديّة شرعية على الدليل الشرعيّ الدال على الحكم، وكما أنَّ الإجماع حجّة تعبديّة شرعيّة على الحكم بناءً على المبنى الثاني المتقدّم في بحث الإجماع، أم لا تثبته تعبدّاً؟
 فإذا كان الجواب على السؤال الأول بالإيجاب، فهذا معناه أنَّ الشهرة الفتوائيّة تعتبر من وسائل الإثبات الوجداني على حدّ >الإجماع<، وتكون كاشفة كشفاً عقلياً قطعياً:
 إمّا عن الحكم الشرعي ابتداءً على أساس الملازمة بينها وبينه، كما كان يُقال في الإجماع أنَّه حجّة وكاشف عن الحكم الشرعي كشفاً عقلياً قطعياً على أساس الملازمة التي يحكم بها العقل النظري بين الإجماع وبين الحكم الشرعي.
 وإمّا عن الدليل الشرعي (أَيْ: عن السنّة) على أساس حساب الاحتمالات وذلك بتوسّط كشفها عن الارتكاز الموجود لدى المعاصرين للمعصوم ×، كما كنّا نقول في الإجماع: إِنَّه حجّةٌ وكاشفٌ عن الدليل الشرعي على الحكم الشرعي (أيْ: أنَّ الشهرة الفتوائية تكشف عن أنَّ هذا الحكم المشهور كان هو المرتكز لدى الرواة وأصحاب الأئمّة ^ والمعاصرين لهم، وذاك الارتكاز يكشف عن كونهم قد تلقّوا هذا الحكم من الأئمّة ^.
 وعليه فالشهرة تكشف عن الارتكاز، والارتكاز يكشف عن السنّة التي هي عبارة عن قول المعصوم× وفعله وتقريره، وذلك كلَّه على أساس حساب الاحتمالات بنفس البيان الذي تقدّم في >الإجماع<.
 وعليه فتدخل >الشُّهْرَةُ< ضمن وسائل الإثبات الوجداني للدليل الشرعي، وهذا هو كلّ الكلام؛ لأنَّ الكلام إنمّا هو عن وسائل إثبات الدليل الشرعي.
 وإذا كان الجواب على السؤال الثاني بالإيجاب، فهذا معناه أنَّ الشهرة الفتوائية دليل تعبّدي على الحكم الشرعي، فتخرج عن محلّ الكلام، لأنَّها حينئذٍ تكون دليلاً غير شرعي على الحكم الشرعي، نظير >العقل< الذي هو دليل غير شرعي على الحكم الشرعي، ونظير >الإجماع< بناءً على المبنى الثاني من تلك المباني المتقدمّة في بحث الإجماع، الذي كان يقول: إِنَّ الإجماع يكشف تعبدّاً عن الحكم الشرعي للحديث المروي >لا تجتمع أمتّي على ضلالة<، فيكون >الإجماع< دليلاً غير شرعي على الحكم الشرعي، ونقصد بالدليل غير الشرعي ما ليس صادراً من الشارع (أَيْ: ليس من قوله ولا فعله ولا تقرير) وله دلالة على الحكم الشرعي.
 لكنَّنا تتميماً للفائدة سوف نحاول الإجابة على كلا السؤالين رغم أنَّ الإجابة على السؤال ثاني خارجة عن محلّ الكلام كما قلنا. إذن، فالكلام يقع في مقامين:
 
 المقام الأول:
 في الاعتماد على الشهرة الفتوائية على أساس حصول العلم والاطمئنان من خلالها بالدليل الشرعي.
 المقام الثاني: في الاعتماد على الشهرة الفتوائية على أساس التعبدّ الشرعي.
 أمّا المقام الأول: فالكلام فيه هو الكلام المتقدّم في >الإجماع< على المبنى الصحيح الذي ذكرناه هناك والقائل بأنّ حصول القطع والاطمئنان من خلاله بالدليل الشرعي الصادر من الشارع إنمّا هو قائم على أساس حساب الاحتمالات الذي كان أساساً منطقياً لكاشفيّة الإجماع عن قول المعصوم أو فعله أو تقريره ×، فيجري حساب الاحتمالات هنا في >الشهرة الفتوائية< أيضاً بنحوٍ من الأنحاء فيقال:
 إنَّ تطابق الجزء الأكبر من مجموعة الفقهاء الأقدمين على فتوى معينّة مع عدم وجود فكرة عن فتاوى الآخرين أو مع الظن بموافقتهم، قد يوجب إحراز الدليل الشرعي بحسب حساب الاحتمال خصوصاً إذا كان فيهم أمثال الشيخ المفيد والشيخ الطوسي (رحمهم الله). وعليه فتكون روح كاشفيّة الشهرة هي نفس روح كاشفية الإجماع وكاشفيّة التواتر، فهي كاشفيّة قائمة على أساس حساب الاحتمالات.
 وكما قلنا في >الإجماع< أنَّ تضاؤل احتمال الخطأ والاشتباه فيه أبطأ منه في التواتر؛ لاختلاف باب الحدس عن باب الحسّ في نقاط عديدة ذكرناها هناك كانت تشكّل نقاط الضعف في الإجماع في مقابل التواتر كانت تعوق عن حصول العلم واليقين من خلال الإجماع على أساس حساب الاحتمالات، فكذلك نقول هنا في >الشهرة الفتوائية< بأنَّ تضاؤل احتمال الخطأ والاشتباه وبالتالي حصول العلم والاطمئنان من خلال الشهرة أبطأ بكثير منه في التواتر، لنفس الفروق بين الإجماع والتواتر.
 وتختلف >الشهرة< حتّى عن >الإجماع< بأنَّ جريان حساب الاحتمالات فيها أضعف منه في >الإجماع< لسببين:
 الأول: الضعف الكمّي باعتبار أقليّة عدد الفقهاء هنا عن عددهم في الإجماع؛ فإنَّنا قد افترضنا هنا أنَّ المفتين بهذه الفتوى هم الأكثر لا الكل.
 إذن، فتطبيقات حساب الاحتمالات هنا تواجه عدداً أقل من العدد الذي تواجهه هناك، ومن الواضح أنَّ زيادة العدد توجب زيادة توجب أقوائيّة حساب الاحتمالات.
 الثاني: الضعف الكيفي، وذلك فيما إذا أحرزنا وجود رأي مخالف لرأي المشهور؛ فإنَّ احراز مخالفة البعض يزاحم الحساب المتحصِّل من آراء الموافقين ويعيق عن الكشف القطعي للشهرة بدرجة تختلف من مورد إلى آخر تبعاً لاختلاف نوعيّة ذاك البعض المخالف وموقعه الفقهي.
 إذن، ففي فرض وجود المخالف وإحرازه سوف يكون لذاك المخالف حساب احتمالات مخالف ومعاكس للحساب الذي هو في صالح الرأي المشهور بحيث يقع التزاحم والكسر والانكسار بمقدارٍ، بينما تطبيق حساب الاحتمالات على الإجماع الذي لا يفرض فيه وجود المخالف خالٍ من المزاحم من هذه الناحية، فيكون حساب الاحتمالات هنا في باب الشهرة أبطأ إنتاجاً لليقين منه هناك في باب الإجماع.
 إِلاَّ أنَّه ليس هناك قاعدة كليّة لعقم حساب الاحتمالات مطلقاً أو لإنتاجه مطلقاً، وإن كان الأغلب ضعفه أو عدم إنتاجه في باب الشهرة، فلا تكون الشهرة حجّة غالباً.
 هذا مضافاً إلى أنَّ ما نجده أحياناً من إفتاء المشهور بما نقطع بخطئه يوجب أيضاً ضعف قيمة الشهرة عندنا، كما أنَّ خطأ المشهور هذا يوجب أيضاً ضعف قيمة الإجماع عندنا.
 هذا تمام الكلام في المقام الأول.
 
 وأمّا المقام الثاني
 وهو الاعتماد على الشهرة الفتوائيّة وحجيّتها على أساس التعبّد الشرعي والأدلّة والروايات الخاصّة، فقد ذُكر في مقام الاستدلال على حجيّتها وجوه أربعة من الروايات والأدلّة:
 
 الوجه الأول:
 التمسّك بمقبولة عمر بن حنظلة التي ورد فيها في فرض تساوي الراويين (الَّذَيْنِ روَيا الخبرين المتعارضين) في العدالة قوله:
 >يُنْظَرُ إِلَى مَا كَانَ مِنْ رِّوَايَتِهِمَا عَنَّا فِي ذَلِكَ الَّذِي حَكَمَا بِهِ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَصْحَابِكَ، فَيُؤْخَذُ بِهِ مِنْ حُكْمِنَا، وَيُتْرَكُ الشَّاذُّ الَّذِي لَيْسَ بِمَشْهُورٍ عِنْدَ أَصْحَابِكَ؛ فَإِنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ لاَ رَيْبَ فِيهِ<( [1] ).


[1] - انظر: العاملي، وسائل الشيعة: ج27، ص 106، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 1، من طبعة آل البيت، وج18، ص 75 و76 من طبعة الإسلامية. والرواية في المصدر على هذا النحو: محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة، قال: سألت أبا عبدالله × عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما - إلى أن قال: - فإن كان كل واحد اختار رجلاً من أصحابنا، فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما، واختلف فيهما حكماً، وكلاهما اختلفا في حديثكم؟ فقال: >الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يُلتفت إلى ما يحكم به الآخر<، قال: فقلت: فإنّهما عدلان مرضيّان عند أصحابنا، لا يفضل واحد منهما على صاحبه، قال: فقال: >يُنظر إلى ما كان من رواياتهما عنا في ذلك الذي حكما به، المجمع عليه عند أصحابك، فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك؛ فإِنَّ المجمع عليه لا ريب فيه< - إلى أن قال: - فإن كان الخبران عنكم مشهورين، قد رواهما الثقات عنكم؟ قال: >ينظر، فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به، ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة<. قلت: جعلت فداك، أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة، ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة، والآخر مخالفا لهم، بأي الخبرين يؤخذ؟ فقال: >ما خالف العامة ففيه الرشاد<. فقلت: جعلت فداك! فإن وافقهما الخبران جميعا؟ قال: >ينظر إلى ما هم إليه أميل حكّامهم وقضاتهم، فيترك ويؤخذ بالآخر<. قلت: فإن وافق حكامهم الخبرين جميعاً؟ قال: >إذا كان ذلك فارجئه حتى تلقى إمامك؛ فإِنَّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات<. ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن عيسى نحوه. ورواه الصدوق بإسناده عن داود بن الحصين، إلا أنه قال: وخالف العامة فيؤخذ به، قلت: جعلت فداك! وجدنا أحد الخبرين. ورواه الطبرسي في >الاحتجاج< عن عمر بن حنظلة نحوه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo