< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الاصول

32/04/30

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: العامّ /دلالة الدليل/الدليل الشرعي اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأصول

 كان الكلام في تعريف العموم وذكرنا أن المُحَقِّق الخراساني عَرَّفَ العمومَ بقوله: «إن العموم هو شمول المفهوم لجميع ما يصلح للانطباق عليه». فقلنا إن لنا حول هذا التَّعريف ملاحظتان:

الملاحظة الأولى: ما تقدّم بالأمس من أن هذا التَّعريف ليس مانعاً.

والملاحظة الثَّانية: هي أن هذا التَّعريف على أحسن التقديرين ليس جامعاً، وعلى أسوأ التقديرين ليس معقولاً؛ وذلك لأَنَّ قوله: «إن العموم هو شمول المفهوم لجميع أفراده» فيه احتمالان:

الاحتمال الأوّل: ما تقدّم بالأمس أيضاً وهو أن يكون مقصوده من شمول المفهوم لجميع أفراده (لجميع ما يصلح للانطباق عليه) كون المفهوم مرآة لأفراد نفسه. وهو احتمال غير معقول أساساً؛ فإن شمول أيِّ مفهوم من المفاهيم لأفراد نفسه بحيث يكون مرآة يُري الأفرادَ بما هي أفراد غير معقول؛ لما قلنا بالأمس من أن المفهوم العامَّ إنّما يُنتزع من العامِّ بعد إلغاء خصوصيات الأفراد، فهذا شرط أساسي وركن أساسي في انتزاع المفهوم من الكلي، ولا يمكن انتزاع جامع كلي مع إبقاء الأفراد على ما هي عليه من الخصوصيّات الفردية، وإنَّما يمكن انتزاع الجامع الكلّي بعد تجريد الأفراد وتعريتها عن الخصوصيّات الفردية. إعداد وتقرير: الشيخ محسن الطهراني عفي عنه ومعنى إبقاء الجامع المشترك هو إلغاء ما به الامتياز وإبقاء ما به الاشتراك. فكل مفهوم من المفاهيم لا يمكن أن يكون مرآة يُري الأفرادَ بما هي أفراد، أي: بما لها من مميزات، وإنَّما المفهوم يُري ما به الاشتراك. وإنَّما المفهوم دائماً يمكن أن يكون مرآة لأفراد مفهوم آخر، بما هي أفراد، وليس لأفراد نفسه.

 فمثلاً يوجد في قولنا: «أكرم كل عالم» مفهومان: المفهوم الأوّل هو مفهوم كلمة «كل»، فإنها اسم في اللُّغَة ولها مفهوم. المفهوم الثَّاني هو مدخول «كل» وهو كلمة «العالم». فكلمة «كل» تدلّ على الاستيعاب والكثرة، وكلمة «العالم» تدلّ على مفهوم وهو عبارة عن طبيعة العالم. فلا يمكن أن يكون كل من المفهومين مرآة لأفراد نفسه بحيث يُري أفرادَ نفسِها بما هي أفراد. وإنَّما أحد هذين المفهومين مرآة لأفراد مفهوم آخر. فمفهوم «كل» مرآة تحكي أفرادَ «العالم»، فقوله: «أكرم كل عالم» يدلّ على استيعاب أفراد العالم. فالاستيعاب يُفهم من كلمة «كل» ونفهم «أفراد العالم» من المدخول. فكلمة «كل» تدلّ على استيعاب أفراد مفهوم آخر. ولذا كان هذا أحد نحوي الاستيعاب اللَّذَيْن ذكرناهما بالأمس، فقد قلنا إِنَّه على قسمين:

الاحتمال الأوّل: يكون استيعاباً يدلّ عليه الكلامُ بنحو المعنى الاسمي كما هو الحال في «الكل»، باعتبار أن الكل من الأسماء فتجري عليها أحكامُ الأسماء. إذن فكلام المُحَقِّق الخراساني القائل بأن العموم عبارة عن شمول المفهوم لجميع أفراده إن قصد بالشمول المرآتية (أي: أن يكون المفهوم مرآة لأفراد نفسه) غير معقول، وهذا أسوأ التقديرين.

الاحتمال الثَّاني: أو التقدير الثَّاني الَّذي هو أحسن التقديرين في كلامه هو أن يكون مقصوده من شمول المفهوم لأفراده وجود نسبة قائمة بين المفهوم وبين الأفراد (ولنُسَمِّ هذه النِّسبةَ بالنِّسبة الاستيعابية)، وهذه النِّسبة الاستيعابية قائمة بنحو المعنى الحرفي بين المفهوم وبين الأفراد. وقد دلَّ الكلام على النِّسبة بدالٍّ مستقلّ. فالكلام يشتمل على دوالٍّ ثلاثة:

 1- دالّ يدلّ على المفهوم.

 2- دالّ يدلّ على الأفراد.

 3- دالّ يدلّ على هذه النِّسبة الاستيعابية بين هذا المفهوم وبين الأفراد، كما هو الحال في كل موارد الحروف، ففي مثل كلمة «في» توجد لدينا ثلاثة دوالّ: 1- دالّ على الظرف. 2- دالّ على المظروف. 3- دالّ على النِّسبة الظرفية الَّتي يدلّ عليها الحرف.

 فيقال هنا أيضاً بأن المقصود من شمول المفهوم لأفراد نفسه هو أن تكون هناك نسبة استيعابيّة قائمة بين المفهوم وبين الأفراد وهذه النِّسبة نفهمها من دالّ ثالث غير الدَّالّ على المفهوم وغير الدَّالّ على الأفراد. وهذا هو أحد تصويرات وضع الجمع المعرف باللام، كما سوف يأتي في الجهة الثَّالثة عند ما نتحدث عن ألفاظ العموم وأدواتها، فإن من جملة تلك الألفاظ الجمع المحلى باللام، ففيه كلام بأَنَّهُ هل هو يدلّ على الاستيعاب بالإطلاق أو بالعموم. فبناءًا على القول بأن الجمع المعرف باللام وُضع لإفادة العموم يَتُمّ الكلام من خلال ما قلناه من وجود دوال ومداليل ثلاثة. والدَّالّ الَّذي يدلّ على المفهوم هو مادّة الجمع المعرف باللام (مادّة العالم)، أي: نفهم طبيعي العالم من مادّة «العالم» وهذا هو المفهوم الَّذي يُراد استيعاب أفراده. إعداد وتقرير: الشيخ محسن الطهراني عفي عنه والأفراد نفهمها من هيئة الجمع (= العلماء) فقد وضعت هذه الهيئة وضعت في اللُّغَة للدِّلالة على مرتبة من العدد لا تقلّ عن ثلاثة.

 فدال على المفهوم المستوعِب ودالّ على الأفراد المستوعَبة ودالّ ثالث على النِّسبة الاستيعابية القائمة بين هذا المستوعِب وهذه الأفراد المستوعَبة وهذه النِّسبة دلَّ عليها الحرف وهو اللام (بناءًا على أن يكون الجمع المحلى باللام وضع للعموم). أي: تدلّ اللام على استيعاب هذا المفهوم (مفهوم العالم) لتمام أفراد نفسه.

وبعبارة أخرى: اللام تدلّ على أن هذه المرتبة من العدد، الَّتي لا تقل عن ثلاثة، والتي كانت تدلّ عليها هيئة الجمع، مستوعبة لكل أفراد المادّة. فإذا كان أفراد العالم في الخارج مائة شخص فاللام تدلّ على استيعاب جميع هذه الأفراد للمادّة.

 إذن الحاصل أن كلام المُحَقِّق الخراساني إن كان يقصد به المعنى الأوّل فقلنا بأَنَّهُ غير معقول، وإن كان يقصد به هذا المعنى الثَّاني فهو معقول، وقلنا بأَنَّهُ أحد تصويرات دلالة الجمع المحلى باللام، ولكن بناءًا على هذا التقدير الثَّاني (الَّذي هو أحسن التقديرين) فسوف يكون كلامه خاصّاً بقسم (وهو العموم الَّذي يستفاد من الكلام بنحو المعنى الحرفي؛ لأنَّ اللام حرف في الجمع المحلى باللام) من أقسام العموم ولا يكون جامعاً لكل أفراد العموم (أي: سوف لا يشمل العمومَ المستفاد من اللَّفظ بنحو المعنى الاسمي في قولنا: «أكرم كل عالم» حيث لا توجد دوالّ ثلاثة بل يوجد دالّ يدلّ على المستوعِب وهو «كل» ودالّ يدلّ المستوعَب وهو «عالم» ولا يوجد دالّ ثالث يدلّ على النِّسبة الاستيعابية. فإِنَّه إن كان هناك خلاف في الجمع المحلى باللام بأَنَّهُ يدلّ على العموم أو لا، فهنا في «كل» لا خلاف بأَنَّهُ يدلّ على العموم قطعاً).

 فتعريف الخراساني لا يشمل المقام لأَنَّ هذا الاستيعاب (استيعاب مفهوم «كل» لأفراد مفهوم العالم) استيعاب ذاتيّ وليس استيعاباً من خلال واسطة، أي: ذاتاً كلمة الكل وضعت لكي تستوعب أفرادَ مدخولها، فالاستيعاب ذاتيّ ولا نحتاج إلى أكثر من دالّين.

 فتعريف صاحب الكفاية للعموم على أحسن التقديرين (وهو الفرض الثَّاني) تعريفٌ غير جامع وعلى أسوء التقديرين تعريفه غير معقول.

 إذن الصحيح في تعريف المفهوم هو أن نقول: المفهوم عبارة أن يكون مفهوم مستوعباً وضعاً لمفهوم آخر إما استيعاباً ذاتيّاً بحيث يكون المفهوم المستوعِب ذاتاً مستوعِباً للمفهوم المستوعَب (وهذا هو القسم الأوّل من قسمي العموم والاستيعاب المستفاد من اللَّفظ بنحو المعنى الاسمي، كما في قولنا: «أكرم كل عالم»، فإن المفهوم المستوعب ذاتاً يستوعب مفهوماً آخر، فإن كلمة «كل» ذاتاً تستوعب أفراد العالم، لا من خلال دالّ ثالث)، أو أن يكون المفهوم مستوعِباً لمفهوم آخر من خلال دالّ ثالث (كما في «العلماء» حيث أن هيئة الجمع يستوعب مدلول مادّة الجمع، لكن هذا الاستيعاب استيعاب غير ذاتيّ؛ فإن مدلول الهيئة لا يستوعب ذاتاً مدلولَ المادّة وإنَّما من خلال دالّ ثالث وهو اللام). إعداد وتقرير: الشيخ محسن الطهراني عفي عنه وهذا هو قسم آخر من العموم.

 والخلاصة: «العموم هو استيعاب مفهوم لمفهومٍ آخر وضعاً إما ذاتاً أو بدالٍّ آخر».

 وبهذا تَمَّ الكلام في الجهة الأولى والتي هي عبارة عن تعريف العموم. بعد ذلك ندخل في الجهة الثَّانية.

الجهة الثَّانية: في أقسام العموم. فقد قسموا العموم إلى ثلاثة أقسام:

العموم الاستغراقي ويقصد به استغراق العموم لجميع الأفراد في عَرْض واحدٍ وبنظرةٍ تعدّديّة، كما في قولنا: «أكرم كل عالم». العموم البدلي ويقصد به استيعاب العموم لجميع الأفراد ولكن على نحو البدل وليس في عَرْض واحد، كالاستيعاب المستَفَاد من قولنا: «أكرم أحد العلماء». العموم المجموعي ويقصد به استيعاب العموم لجميع الأفراد في عَرْض واحد ولكن ليس بنظرة تعدّديّة بل بنظرة وحدويّة، كالاستيعاب المستفاد من قولنا «أكرم مجموع العلماء».

 فهذه أقسام ثلاثة من العموم أو قل أقسام ثلاثة من الاستيعاب.

وإن شئتَ فعبّر: بأنّنا بعد أن عرفنا أن العموم هو عبارة عن الاستيعاب لكل أفراد المفهوم، هذا الاستيعاب يعني مجموعة تطبيقات المفهوم على أفراده، وهذه التطبيقات:

 تارةً تُلحظ في عَرض واحد، بحيث يُلحظ تطبيقُ هذا المفهوم على هذا الفرض في عَرض تطبيقه على فرد ثالث.

 وأخرى تُلحظ هذه التطبيقات تبادليّةً، أي: يُلحظ تطبيق المفهوم على هذا الفرد بدلاً من تطبيقه على ذاك الفرد.

 فإن كان الثَّاني فهو العموم البدلي، وإن كان الأوّل (العَرضِيَّة):

 فتارة تُلحظ في هذه التطبيقات العَرضِيَّة عنايةٌ أخرى وهي عناية وحدة تلك التطبيقات، أي: تلحظ بنظرة وحدوية أنَّها بمثابة تطبيق واحد فهو العموم المجموعي.

 وأخرى لا تلحظ فيها هذه العناية الزائدة، أي: بنظرة تعدّديّة، فهذا هو العموم الاستغراقي الشمولي.

 على كل حال هذه أقسام ذكرت للعموم وهناك عدّة نظريات في تفسير هذا التَّقسيم إلى هذه الأقسام الثلاثة (أي: في تحقيق أن هذه الأقسام الثلاثة هل هي أقسام لنفس العموم). أي: هل أن هذه الأقسام للعموم بما هو عموم أم أنَّها كيفية للاستيعاب والعموم، وأنها ليست لنفس العموم؛ فإن العموم ليس له إلا معنى واحد، بل المائز بين هذه الأقسام الثلاثة وهذا التَّقسيم لأجل أمر خارج عن حقيقة العموم نفسه. أي: هل الفرق بين هذه الأقسام الثلاثة ناشئ من خصوصيّة في نفس العموم والاستيعاب أو ناشئ من خصوصيّة في شيء آخر.

 فهناك نظريات عديدة في هذا المجال نحن نستعرض هنا ثلاث نظريات تباعاً:

 النظرية الأولى: ما ذكره الخراساني في الكفاية وقد تقدّمت الإشارة إليها بالأمس حينما ذكرنا تعريفه للعموم، فقلنا: إِنَّه ذكر تعريفه حينما أصبح بصدد ذكر أقسام العموم. فقد قال بأن العامّ ليس له أقسام، وإنَّما هو شيء واحد وهو الَّذي تقدّم تعريفه. أما هذه الخصوصيّات الثلاث فهي خارجة عن حقيقة العموم، بل هي حالات لكيفية الحكم بموضوعه (وهو العامّ). وهذا المعنى موجود في جميع الأقسام الثلاثة، في العامّ الاستغراقي وفي العامّ البدلي، وفي العامّ المجموعي؛ فإننا نجد في جميع هذه الأقسام الثلاثة شمول المفهوم لجميع ما يصدق الانطباق عليه.

 غاية الأمر إن تعلّق الحكم الشرعي بالعام:

تارةً يكون بنحو يكون كل فرد من أفراد العامّ موضوعاً على حده ومستقلاًّ كما في قولنا: «أكرم كل عالم»، بحيث لا يرتبط هذا الفرد بالفرد الآخر، أي: الفرد الثَّاني موضوع ثانٍ لوجوب إكرام ثانٍ، والفرد الثَّالث موضوع ثالث لوجوب إكرام ثالث. فكل فرد موضوع مستقلّ لوجوب إكرام مستقلّ. وكذلك في مقام الامتثال إذا كان هناك مائة عالم وأكرمَ المُكَلَّف واحداً منهم فقد يكون ممتثلاً لواحد وعاصياً في عدم إكرامه لتسعةٍ وتسعين عالماً. وهذا القسم ما نسمّيه بالعام الاستغراقي أو الشمولي. فالعصيان يكون بترك ما عصى والامتثال يكون بما امتثله.

وأخرى يكون تعلّق الحكم الشرعي بالعام بنحو يكون مجموع الأفراد موضوعاً واحداً لحكم واحد، أي: يصبح مجموع «مائة عالم» موضوعاً واحداً لوجوب واحد. أي: هناك حكم واحد جعله المولى وهو الوجوب (وليس هناك وجوبات عديدة كما في الفرض السابق) وقد جعل هذا الوجوب على موضوع واحد (وهو العلماء)، بحيث يكون كل واحد من العلماء جزءاً من هذا الموضوع. فإذا أكرم تسعةً وتسعينَ عالماً ولم يكرم عالماً واحداً لا يكون ممتثلاً أبداً؛ لأَنَّ الحكم كان عبارة عن وجوب إكرام مجموع العلماء، وهو لم يأت بهذا المجموع والمركَّب. فالعصيان يكون حتى بترك واحد.

وثالثة يكون تعلّق الحكم الشرعي بالعامّ بحيث يكون أحد الأفراد على نحو البدل موضوعاً للحكم، كما في قولنا: «أكرم أحد العلماء». أي: كل واحد من الأفراد يكون موضوعاً للحكم ولكن بشرط أن يكون بديلاً عن الفرد الآخر. فلو قال «أكرم أحد العلماء» والمكلَّف أكرم عالماً واحداً يكون قد امتثل التَّكليفَ برمّته. أما لو ترك إكرام الجميع فيكون عاصياً. فالعصيان لا يكون إلا بترك إكرام الجميع.

 هذا ما أفاده الخراساني[1]

[1] - كفاية الأصول: ج1، ص 332.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo