< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

30/10/07

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: دلالة النَّهْي/البحوث اللُّغَوِيَّة الاكتشافية/دلالة الدليل/الدليل الشرعي اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأصول

البحث السَّابِعَ عَشَرَ

دلالة النَّهْي

 جهات البحث:

مادّة النَّهْي

 وتندرج تحت هذا البحث جهات عديدة:

الجهة الأولى: في البحث عن دلالة مادّة النَّهْي ومفادها.

الجهة الثَّانية: في البحث عن دلالة هيئة النَّهْي ومفادها.

الجهة الثَّالثة:في البحث عن كون النَّهْي اِنْحِلاَلِيّاً يَنْحَلُّ إلى نواهٍ عديدة بخلاف الأمر الَّذي لا يَنْحَلُّ إلى أوامر عديدة.

الجهة الرَّابعة: البحث عن كون النَّهْي شُمُولِيّاً وَنَهْياً عن الطَّبيعة.

الجهة الخامسة: في التَّنبيه على أَمْرَيْنِ يَتَعَلَّقَانِ بالجهة الثَّالثة والرابعة.

الجهة السَّادسة: في البحث عن دلالة النَّهْي في مورد الأمر أو تَوَهُّمِهِ، كَالنَّهْيِ عن صوم عاشوراء مثلاً.

الجهة السَّابعة: في البحث عن دلالة الجملة الخبريّة النافية المستعملة في مقام النَّهْي كقوله: «لا يرتمس الصَّائِم فِي الماء ولا المحرم».

الجهة الثَّامنة: في البحث عن دلالة النَّهْي على المولويَّة أو الإرشاديّة.

الجهة التَّاسعة: في البحث عن دلالة النَّهْي على النَّفْسِيَّة أو الغَيْرِيَّة.

 فلندرس هذه الجهات تباعاً:

فأمَّا الجهة الأولى: ففي دلالة مادّة النَّهْي (أعني كلمة «نهي» وسائر مشتقاتها مثل: «نهى» و«ينهى» و«ناهي» و«منهيّ عنه» وغيرها، كقوله تعالى: ﴿لا ينهاكم الله عن الَّذين لم يقاتلوكم فِي الدين...﴾([1] ) وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا ينهاكم الله عن الَّذين قاتلوكم فِي الدين...﴾([2] ) وقوله تعالى: ﴿ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر... ([3] ) وقوله: «نَهَىٰ النَّبِيّ صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عن كذا..»، وهي تدلّ على الزَّجْر عن الشَّيْء وَالرَّدْع عنه؛ فَإِنَّ هذا هو المتبادر منها عرفاً ولغةً. فتكون موضوعةً لذلك؛ لأَنَّ التَّبَادُر علامة الوضع والحقيقة، وظاهرها لدى العرف ولدى الفقهاء الحرمة إلاَّ مع وجود قرينة على خلاف ذلك.

 ونقصد بالحرمة الزَّجْر النّاشِئ من ملاك لُزُومِيّ، فمادة النَّهْي إذن موضوعة للحرمة بدليل التَّبَادُر وعدم وجود تفسير آخر لهذا التَّبَادُر والانسباق إلى الذِّهْن غير الوضع. وبما أَنَّهُ لا فرق بينها وبين هيئة النَّهْي سوى أن الْمَادَّة تدلّ على الزَّجْر بنحو المعنى الاِسْمِيّ، بينما الهيئة تدلّ على الزَّجْر بنحو المعنى الْحَرْفِيّ، أي: النِّسبة الزَّجْرِيَّة، لذا فلا نطيل البحث حول مادّة النَّهْي؛ إذ لا يوجد بحث مهم فيها بالخصوص، بل تقاس بصيغة النَّهْي وهيئته في غالب البحوث الآتية، فلننتقل إذن إلى الجهة الثَّانية.

وأمَّا الجهة الثانية: ففي البحث عن دلالة صيغة النَّهْي ومفادها.

 المشهور بين القدماء مِنَ الأُصُولِيِّينَ هو القول بأنّ صيغة النَّهْي مُتَّحِدَة مع صيغة الأمر في المعنى؛ لأنَّ معنى كلٍّ منهما هو «الطّلب»، ولكنهما تختلفان في متعلّق الطّلب، حيث أن متعلّق الطّلب في صيغة الأمر عبارة عن الفعل، وَمُتَعَلّق الطّلب في صيغة النَّهْي عبارة عن ترك الفعل، فمفاد صيغة النَّهْي عندهم عبارة عن طلب ترك الفعل، بينما مفاد صيغة الأمر عبارة عن طلب الفعل.

 أما الْمُحَقِّقُونَ الْمُتِأَخِّرُونَ مِنْ عُلَمَاءِ الأُصُولِ فالمشهور بينهم هو رفض هذا الرأي القديم، والاعتراض عليه بأن مدلول كلٍّ من الصيغتين يختلف عن مدلول الأخرى ذاتاً ويغايره. فمعنى صيغة الأمر مباين لمعنى صيغة النَّهْي، فبينما كان الرَّأْي القديم يقول: إن المعنى فيهما واحد (وهو الطّلب) وإنَّما الاختلاف بينهما في متعلّق الطّلب، ويقول الرَّأْي الحديث: إن المعنى مختلف، ولكن المتعلَّق واحد، وهو عبارة عن «الفعل»، فمفاد كلٍّ من الصِّيغَتَيْنِ يتعلّق بـ«الفعل». واختلف أصحاب الرَّأْي الحديث بعضهم مع بعض حول معنى الصِّيغَتَيْنِ ومفادهما الَّذي يتعلّق بـ«الفعل»، فهناك الرَّأْي المشهور من أصحاب التَّيَّار الحديث، وهو الرَّأْي القائل بأن مفاد صيغة الأمر عبارة عن النِّسبة الَّتي تناسب البعث والتَّحريك والإرسال نحو الفعل، وهي النِّسْبَة الإِرْسَالِيَّة (كما تقدّم ذلك في بحث دلالة صيغة الأمر)، ومفاد صيغة النَّهْي عبارة عن النِّسْبَة الَّتي تناسب الزَّجْر وَالرَّدْع عن الفعل، وهي النِّسْبَة الزَّجْرِيَّة.

 وهناك الرَّأْي الَّذي أبداه السَّيِّد الأُسْتَاذ الْخُوئِيّ رَحِمَهُ اللَهُ، وهو الرَّأْي القائل بأن مفاد صيغة الأمر عبارة عن اعتبار الفعل في ذمّة المُكَلَّف وعهدته وإبرازه خارجاً من خلال مبرِزٍ كصيغة الأمر وما شابهها (كما تقدّم نقل ذَلِكَ عنه في بحث دلالة صيغة الأمر). ومفاد صيغة النَّهْي عبارة عن اعتبار حرمان المُكَلَّف من الفعل وإبرازه خارجاً بمُبرِزٍ كصيغة النَّهْي وما شابهها.

 إذن، إنَّ السَّيِّد الأُسْتَاذ الْخُوئِيّ رَحِمَهُ اللَهُ بِالرَّغْمِ من أَنَّهُ يشارك سائر أصحاب التَّيَّار الحديث في رفض الرَّأْي القديم القائل باختلاف الأمر والنهي من حيث الْمُتَعَلَّقِ، ويرى أن الأمر وَالنَّهْي مُتَّحِدَانِ من حيث الْمُتَعَلَّق، فَمُتَعَلَّق كليهما هو الفعل، لٰكِنَّهُ رَحِمَهُ اللَهُ في نفس الوقت يرفض الرَّأْي السائد والمشهور بين أصحاب التَّيَّار الحديث وهو الرَّأْي القائل بأن الأمر معناه البعث نحو الفعل، وَالنَّهْي معناه الزَّجْر عن الفعل([4] ).

والاعتراض الفنّيّ الَّذي يتحصّل من مجموع كلماته رَحِمَهُ اللَهُ وَالَّذِي يُوَجِّههُ إلى الرَّأْي المشهور بين أصحاب التَّيَّار الجديد هو أن المقصود بقولهم: «إنَّ الأمر موضوع للبعث نحو الفعل، وَالنَّهْي موضوع لِلزَّجْر عن الفعل، إن كان عبارة عن البعث وَالزَّجْر التكوينيين، بحيث يكون الأمر دالاًّ على البعث التَّكوينيّ نحو الفعل (كما في دفع الإنسان شَخْصاً آخر بيده نحو شرب الماء مثلاً وجرّه إليه) ويكون النَّهْي دالاًّ على الزَّجْر وَالرَّدْع التَّكوينيّ عن الفعل (كما في دفع الإنسان شَخْصاً آخر بيده عن شرب الماء مثلاً وإبعاده عنه)، فهو كلام باطل يخالف الوجدان والواقع الخارجيّ؛ فَإِنَّ البعث وَالزَّجْر التَّكْوِينِيَّيْنِ إنّما يَتَحَقَّقَانِ بإعمال القوّة خارجاً، لا بالألفاظ وَالتَّعَابِير، بينما نرى المولى كَثِيراً مَّا يأمر بفعلٍ ومع ذلك يُعصى خارجاً، ولا يتحقّق انبعاث تَكْوِينِيّ نحوه، وينهى عن فعلٍ، ومع ذلك يُعصى خارجاً، ولا يتحقّق انزجار وارتداع تَكْوِينِيّ عنه.

 وأمّا إن كان المقصود عبارة عن البعث وَالزَّجْر التَّشْرِيعِيَّيْنِ، فهو أيضاً غير صحيح ولا معنى له؛ لأَنَّ الأمر بنفسه بعث تشريعي، لا أَنَّهُ دالّ عليه، وَالنَّهْي بنفسه زجر تشريعي، لا أَنَّهُ دالّ عليه، فالأمر وَالنَّهْي بوجوديهما الْوَاقِعِيَّيْنِ (لا بمدلوليهما) مصداقان للبعث وَالزَّجْر التَّشْرِيعِيَّيْنِ؛ فَإِنَّ البعث التّشريعيّ يحصل بنفس الأمر، وَالزَّجْر التّشريعيّ يحصل بنفس النَّهْي، فكما لا معنى للقول بأن كلمة «ماء» مثلاً تدلّ على الصَّوْت؛ لأَنَّهَا بنفسها صوت، لا أنَّها تدلّ على الصَّوْت، بل تدلّ على معنى آخر.

 كذلك لا معنى للقول بأن الأمر يدلّ على البعث التّشريعيّ، وأن النَّهْي يدلّ على الزَّجْر التّشريعيّ؛ وذلك لأَنَّ الأمر بنفسه بعث تَشْرِيعِيّ، وَالنَّهْي بنفسه ردع تَشْرِيعِيّ؛ لا أنهما يدلاَّن على البعث وَالزَّجْر التَّشْرِيعِيَّيْنِ، فلا بُدَّ من أن يكون مدلولهما ومعناهما أمراً آخر غير البعث وَالزَّجْر، كما أن معنى الماء شيء آخر غير الصَّوْت([5] ).

[1] - سورة الممتحنة (60): الآية 8.

[2] - سورة الممتحنة (60): الآية 9.

[3] - سورة آل عمران (3): الآية 104.

[4] - محاضرات في أصول الفقه: ج4، ص85-86.

[5] - راجع محاضرات في أصول الفقه: ج4، ص 84-85.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo