« فهرست دروس
الأستاذ السيد علي‌اکبر الحائري
بحث الأصول

47/03/23

بسم الله الرحمن الرحيم

 دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الشرائط/ دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر /الأصول العملية

 

الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر / دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الشرائط

 

1- دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الشرائط

كان الكلامُ في دوران الأمر بين الأقلِّ والأكثر في الشرائط. فوقعَ الكلام في أنَّ طرفَي هذا الدَّوران: هل هما متباينان فلا تجري البراءة، أو هما أقلُّ وأكثرُ فتجري البراءة عن الأكثر؟

وقلنا: إنَّ الشرطَ المحتمل تارةً يكونُ في المتعلَّق المباشر للتكليف، وتارةً يكونُ في متعلَّقِ المتعلَّق.

فمثالُ الأوَّل: شرطُ الطَّهارة. ومثالُ الثاني: شرطُ الإيمان في الرَّقبة.

وهنا وقع الكلام في متعلَّق المتعلَّق. أصلُ الفكرةِ الّتي رفضنا بها المحاولةَ القائلة بعدم جريانِ البراءة، هي أنَّ طرفَي الترديد متباينان. وهذه المحاولة كانت تقول: إنَّ دورانَ الأمر بين الأقلِّ والأكثر، سواء في الأجزاء أو في الشرائط، يرجع إلى التباين. ونحنُ رددنا على ذلك ورفضنا كونَ الترديد بين متباينَين.

وبيانُ الرَّد: أنّه في عالم الوجود (أو كما يعبِّر السيّد الشهيد: عالم التكوين) يوجدُ أمران متباينان، لكن بشرط ملاحظة الحدود.
فمثلاً: «كونُ هذا جزءاً» حدٌّ وليس هو ذاتُ المتعلَّق. المتعلَّق هو ذاتُ الجزء إن كان التكليف متعلِّقاً به. أمّا كونُه جزءًا فحدٌّ لا يدخل في العهدة، فلا يُحسب له حساب.

إذن، فذاتُ الجزء هو المردَّد بين دخالته وعدم دخالته. وهذا يرجع إلى أقلِّ وأكثر، لا إلى متباينين. فالتباين جاء من ملاحظة الحدود، والحدودُ لا تدخل في العهدة، فتسقط عن الحساب. فإذا سقطت لم يبقَ إلا الأقلُّ والأكثر، فتجري البراءة.

هذا ما ذكرناه في باب الأجزاء. وطبَّقناه على باب الشرائط أيضاً.

وتطبيقه على المتعلَّق المباشر واضح، كما شرحناه. لكنّ الإشكال يظهر في متعلَّق المتعلَّق.

فمثلاً: إذا وجب عتقُ رقبةٍ. هنا عنصران: العتق والرَّقبة. بينهما نسبةٌ على نحو المعنى الحرفيّ. لكن يقع الترديد: هل النسبة تكون بين العتق والرقبة مطلقةً، أو أنّها بين العتق والرَّقبة المؤمنة (مع شرط الإيمان)؟

فإذا كانت النسبتان متباينتَين فلا تجري البراءة، وإن كانتا أقلَّ وأكثرَ فتجري البراءة.

أستاذُنا الشهيد (رضوانُ اللَّه تعالى عليه) يُذكِّر هنا بما بحثه في المعاني الحرفيّة: أنَّ التباينَ بين المعاني الحرفيّة يكون بتباين طرفَيها. فإذا اختلف طرفُ إحدى النسبتين عن طرف الأخرى حصلَ التباين.

فنُرجِع الأمرَ إلى الطرفين:

     في النسبة الأولى: العتق ↔ الرقبة المطلقة.

     في النسبة الثانية: العتق ↔ الرقبة المؤمنة (المقيَّدة بشرط الإيمان).

فهل بين هاتين النسبتين تباينٌ أو أقل وأكثر؟

الجواب: إن لاحظنا الحدود في الحساب، فهما متباينتان. ولكن هذا الحدّ لا يدخل في العهدة، فلا يُحسب. فإذا أخرجنا الحدّ عن الحساب، بقيت الرَّقبة بما هي هي، إمّا مطلقة أو مقيَّدة، فهي أقلّ وأكثر وليست متباينتين.

وبهذا يجري نفس الردّ الذي قلناه في الأجزاء: الترديد ليس بين متباينين، بل بين أقلّ وأكثر، فتجري البراءة.

 

logo