< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌اکبر الحائري

بحث الأصول

45/03/29

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الأصول العملية / العلم الإجمالي / اشتراك علمين إجماليّين في طرف من أطرافهما

قلنا إنّ من جملة تطبيقات منجّزّية العلم الإجماليّ حالة ما إذا اشترك علمان إجماليّان في أحد الأطراف، وذلك كما إذا كانت لدينا أواني ثلاثة باسم إناء ألف وإناء باء وإناء تاء، فوقعت قطرتان من البول من عين النجاسة باتّجاه هذه الأواني، فإحدى القطرتين وقعت في أحد الإناءين ألف وباء، وإحدى القطرتين وقعت في أحد الإناءين باء وتاء. فهذان علمان إجماليّان أحدهما بين ألف وباء والآخر بين باء وتاء. فهما مشتركان في باء.

وهنا نفترض تارةً أنّ العلمين الإجماليّين اقترنا في الزمان بأن وقعت هاتان القطرتان دفعة واحدة في زمان واحد، وتارة أنّ أحدهما متأخّر عن الآخر زماناً.

0.1- الفرض الأوّل في اشتراك علمين إجماليّين في طرف

ففي الفرض الأوّل قلنا إنّه لا شكّ في أنّ كلّ هذه الأطراف الثلاثة تتنجّز علينا ويجب علينا الاجتناب منها جميعا؛ لأنّه يحصل لنا العلم الإجماليّ بأنّه بعد وقوع هاتين القطرتين إمّا ألف نجس أو باء أو تاء ولكن على فرض كون باء متنجّساً فهو متنجّس بسببين وهذا لا يمنع عن كون هذا العلم الإجمالي منجّزاً. وعليه فهذان العلمان الإجماليّان قد نجّزا الأطراف الثلاثة على صعيد واحد فيجب الاجتناب عن كلّها.

0.2- الفرض الثاني في اشتراك علمين إجماليّين في طرف

وأمّا إن كان أحد العلمين الإجماليّين متأخراً زماناً على الآخر، بأن وقعت أوّلاً قطرة من عين النجاسة في ألف أو باء، ثمّ وقعت القطرة الثانية إمّا في باء أو تاء في طول تلك القطرة زماناً، فهنا جملة من المحقّقين رضوان الله تعالى عليهم (ويبدو أنّ الميرزا النائيني منهم، لأنّه خرّج المصدر من أجود التقريرات الذي تقريره بقلم السيد الخوئيّ) قالوا بعدم تنجّز العلم الإجماليّ الثاني؛ لأنّ العلم الإجماليّ الأوّل يمنع عن تنجيزه، وبالتالي ينجو طرف تاء عن وجوب الاجتناب والاحتياط.

0.3- وجه عدم تنجّز العلم الإجماليّ الثاني في الفرض الثاني

وكان السبب في ذلك بحسب رأيهم أنّ الركن الثالث مختلّ في هذا العلم الإجماليّ الثاني، سواء بصيغة المحقّق النائيني أو بصيغة المحقّق العراقي. (وسبق ما قلنا من أنّ للركن الثالث صيغتين: صيغة تناسب القول بالاقتضاء وهو قول النائيني، وصيغة وضعها المحقّق العراقي وفقاً لمذهبه وهو العلّيّة لا الاقتضاء)

فالركن الثالث بحسب رأيهم مختلّ على كلتا الصيغتين فيسقط العلم الإجماليّ الثاني عن التنجي

لكنّه كيف يختل الركن الثالث؟ فلا بدّ من توضيح اختلال الركن الثالث على كل من هذه المبنيين.

أمّا على مبنى المحقّق النائيني رضوان الله تعالى عليه: فكانت صيغته عنده عبارة عن أن يكون الأصل المؤمّن في طرفي العلم الإجماليّ صالحين للتعارض والتساقط بينهما بالعلم الإجماليّ، بأن يكون الأصل المؤمّن في هذا الطرف بطبعه يجري والأصل المؤمّن في ذاك الطرف بطبعه يجري أيضاً فالعلم الإجماليّ هو الذي يسبّب التعارض والتساقط بينهما.

وبناءً على هذه الصياغة يقال فيما نحن فيه: إنّ الأصل المؤمّن في طرف تاء (أي الطرف الثالث) وهي أصالة الطهارة مثلاً لا معارض له حتّى يقال بأنّ هذا صالح للأصل المؤمّن وذاك أيضاً صالح للأصل المؤمّن والعلم الإجماليّ يوقِع التعارض بينهما. فإنّ الأصل المؤمّن في تاء لا معارض له؛ لأنّ معارضه – وهو الأصل المؤمّن في باء – قد سقط بالعلم الإجماليّ الأوّل.

فبهذه التوضيح يقال: إنّ الركن الثالث مختلّ وفق صياغة المحقق النائيني.

وأمّا وفق صياغة المحقّق العراقي رضوان الله تعالى عليه: فهي كانت عبارة عن أن يكون العلم الإجماليّ صالحاً لتنجيز معلومه الواقعيّ عند الله على كلّ تقدير، سواء كان معلومه بالإجمال عند الله في هذا الطرف أو في ذاك الطرف، ولكي يتمّ تنجيز العلم الإجماليّ لا بدّ من أن يكون العلم الإجماليّ صالحاً لتنجيز معلومه على كلّ تقدير.

أمّا إذا كان على أحد التقديرين غير صالح للتنجيز فهذا العلم الإجماليّ يسقط نهائيّاً.

فيقول فيما نحن فيه: إنّ هذا العلم الإجماليّ الثاني غير صالح لتنجيز معلومه على كلّ تقدير؛ لأنّه إن كان معلومه بالإجمال في طرف باء – المشترك بين العلمين الإجماليّين – فقد تنجّز هذا الطرف بمنجّز سابق وهو العلم الإجماليّ الأوّل، إذن فالعلم الإجماليّ الثاني غير صالح لتنجيز معلومه على تقدير كون هذا المعلوم في طرف باء المشترك. فليس صالحاً لتنجيز معلومه الإجماليّ على كلّ تقدير، فهو ساقط عن التنجي

فـ[بحسب رأيهم] الركن الثالث مختلّ على كلتا الصيغتين.

0.4- رأي الشهيد الصدر رضوان الله تعالى عليه في المسألة

ولكن أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه يقول بأنّ كلا التقريبين باطل وقابل للمناقشة، وبالتالي يقول: إنّ العلم الإجماليّ الثاني منجّز والركن الثالث ليس مختلّاً، لا بصيغة المحقّق النائيني ولا بصيغة المحقّق العراقيّ.

توضيح ذلك: أنّ أستاذنا الشهيد يقول إنّ العلم الإجماليّ في كلّ لحظة زمانيّة غيرُه في اللحظة الزمانيّة الأخرى، كما أنّ الأصل المؤمّن في كلّ لحظة زمانيّة غير الأصل المؤمّن في اللحظة الزمانيّة الأخرى.

ويقول بأنّ العلم الإجماليّ الأوّل بدأ عندما رأينا سقوط قطرة النجاسة وما ندري أنّه سقط في الإناء الأوّل (ألف) أو في الإناء الثاني (باء). وهذا العلم الإجماليّ الأوّل يعمل عمله وتنجيزه لكلّ لحظة زمانيّة بحسبها، إلى أن يصل إلى الزمان الذي رأينا القطرة الثانية، فإنّ العلم الإجماليّ الأوّل حينئذ ليس هو نفس العلم الإجماليّ الذي كان في بداية رؤيتنا، بل هو في كلّ لحظة بحسبها، فعليه أنّه في اللحظة التي سقطت القطرة الثانية، عندنا علمان إجماليّان في لحظة زمانيّة واحدة، ولا يكون أسبق، وذاك الأسبق كان لزمانه، والآن لا يوجد عندنا علم إجماليّ سابق.

وعندما يجيء اللحظة التي اشترك فيها علمان إجماليان فهما علمان إجماليّان متعاصران؛ لأنّ العلم الإجماليّ السابق كان لزمانه وعندما بدأ العلم الإجماليّ الثاني صار معاصراً لعلم إجماليّ جديد، لا نفس العلم الإجماليّ السابق، فالعلم الإجماليّ الأوّل والثاني تعاصرا، فلا يصحّ أن يقال إنّ أحدهما قد أسقط هذا الطرف المشترك قبل أن يأتي الثاني، ولا نستطيع أن نقول إنّ هذا الطرف المشترك قد تنجّز سابقاً بعلم إجماليّ سابق.

فإنّما هذا الطرف المشترك (باء) في اللحظات الزمانية السابقة كان قد تنجّز بعلم إجماليّ واحد، ثمّ من هذه اللحظة فصاعداً صار يتنجّز بعلمين إجماليّين متعاصرين، لأنّ العلم الإجماليّ في كلّ لحظة ينجّز الطرفين في تلك اللحظة، فمتى جاء العلم الإجماليّ الثاني اجتمع علمان إجماليّان جديدان متعاصران، وقد قلنا: عند تعاصر العلمين الإجماليّين تتنجّز كلّ الأطراف الثلاثة.

هذا بلحاظ صيغة المحقّق النائيني، وكذلك نفس الجواب يأتي على صيغة المحقق العراقيّ. فبلحاظ رأي المحقّق العراقيّ في الركن الثالث بأنّه «يشترط في منجّزية العلم الإجماليّ ألّا يكون المعلوم بالإجمال منجَّزاً بمنجّز آخر» نقول أيضاً بأنّ العلمان الإجماليّان صارا متعاصرين؛ فإنّه في هذه اللحظة يوجد منجّزان في لحظة واحدة وليس أحدهما منجّزاً سابقاً.

وعليه يحصل علم إجمالي واحد بأنّه إمّا هذا متنجّس أو ذاك أو ذلك.

فيقول أستاذنا الشهيد: إنّ سبب التوهّم الحاصل لجملة من المحقّقين في هذا البحث هو تخيّل أنّ العلم الإجماليّ علم إجماليّ واحد مستمرّ، وتعاصر بعد ذلك مع علم إجماليّ آخر، وما أخذوا بعين الاعتبار أنّه لكلّ لحظة زمانيّة علم إجماليّ. وعليه قالوا: إنّ هذا العلم الإجماليّ الأوّل قد نجّز الطرف المشترك فلا يتنجّز بتنجيز ثان بعده، ويأتي العلم الإجماليّ الثاني وقد تنجّز أحد طرفيه بمنجّز سابق. هكذا حسبوا الحساب وهذا اشتباه.

هذه من جملة تحقيقات وابداعات أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه، ويبدوا أنّ هذا التوهّم هو التوهّم الشائ وما أفاده أستاذنا الشهيد رحمه الله إمّا إنّه لم يصدر من أحد غيره أو كان نادراً جدّاً ونحن غير مطّلعين عليه.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo