الموضوع: الاُصول العملية/البرائة الشرعية /حديث الرفع

الناحية الثانية: هل يثبت بحديث الرفع نفي الآثار المترتبة على الفعل المضطر إليه فحسب أو يثبت بالإضافة إلى ذلك الآثار المترتبة على نقيضه؟ فلو كان لفعل ما أحكام ولنقيضه أيضاً أحكام كشرب الخمر مثلاً: فإنّ لشرب الخمر أحكاماً كالحرمة وثبوت الحد ولنقيضه أي ترك شرب الخمر أيضاً له أحكام كصحة الائتمام به في الصلاة، بناءً على أن من ترك جميع المحرمات ومنها شرب الخمر يترتب عليها صحة الصلاة خلفه. فهل حديث الرفع ينفي الأحكام المترتبة على شرب الخمر المضطر إليه ويثبت في نفس الوقت الأحكام المترتبة على تركه؟

إذا بنينا على الاحتمال الثاني، وقلنا أنّ الرفع عنائي والمرفوع هو الوجود الحقيقي فسوف يترتب عليه كلا الأمرين لأنّ شرب الخمر المضطر إليه أُعتبر أو نزل منزلة العدم وهذا يعني ترتب جميع آثار عدم شرب الخمر و عندها يجوز الائتمام به.

أما لو بنينا على الاحتمال الثالث، وقلنا أنّ الرفع حقيقي والمرفوع عنائي، فأنّه لا يثبت بحديث الرفع آثار نقيض المرفوع لأنّ المرفوع عبارة عن الوجود التشريعي للخمر ورفعه لا يدل على ثبوت الأحكام المترتبة على نقيض شرب الخمر.

وقد التزم بذلك اُستاذنا الشهيد رحمه الله، وينبه إلى وجود أثر مهم لهذا الفرق في باب العبادات، وذلك فيما لو اضطر إلى ترك قراءة الفاتحة في الصلاة مثلاً فأنّه وفق حديث الرفع سوف ترتفع عنه الحرمة التكليفية لترك قراءة الفاتحة في الصلاة، ولكن هل يثبت وجوب الأجزاء الاُخرى للصلاة فيؤدي الصلاة بدون الفاتحة، أو لا يمكن إثبات ذلك؟ فإننا إذا بنينا على الاحتمال الثالث فإن الحديث يرفع آثار ترك الصلاة وهي الحرمة ولا يثبت وجوب الصلاة بدون الفاتحة لأنه من الأحكام المترتبة على نقيض الشيء المضطر إليه وهو ترك الفاتحة إلا إذا دل عليه دليل خاص. وأما إذا بنينا على الاحتمال الثاني فإن حديث الرفع كما يرفع آثار فعل الفاتحة فهو يدل على وجوب أداء الصلاة بدون الفاتحة.

ولا يصح أن يُقال: بأن حديث الرفع إنما يدل على رفع وجوب قراءة الفاتحة الضمني عندما يضطر إلى تركها أما الأجزاء الواجبة الضمنية الاُخرى تبقى على حالها واجبة ولا يزول عنها.

لأن الوجوبات الضمنية مترابطة إذا زال بعضها وهو وجوب قراءة الفاتحة فإنه يكشف عن زوال الأجزاء الأخرى أيضاً لأن الوجوب الضمني وجوب منتزع من وجوب واحد متعلق بالمجموع.