< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي اکبر الحائري

بحث الأصول

40/06/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الاُصول العملية/ البراءة العقلية/ تاريخ البراءة العقلية.

تعرض اُستاذنا الشهيد رحمه الله لتاريخ البراءة العقلية وتابع في ذلك كلمات علمائنا الأبرار وقد رتبت ما ذكره على شكل نقاط:

1ـ صرح الشيخ الصدوق بأن الأصل هو الإباحة. لكنّ كلامه قابل للإنطباق على البراءة الشرعية الثابتة بالنصوص والروايات.

2ـ أما الشيخ المفيد والطوسي فقد قالا في مسألة (الحظر والإباحة): إذا لم يدرك العقل وجود مصلحةٍ ولا مفسدةٍ ولم يتبين له شيء يقتضي حسنه ولا قبحه فلابدّ من التوقف بمعنى أن العقل لا يحكم بالثبوت ولا بالنفي.

وحكم العقل بالحظر والإباحة هذا حاصل بقطع النظر عن التشريع وهو غير ما نبحث عنه من حكم العقل بالبراءة العقلية أو الاحتياط فإنهما في طول التشريع.

3ـ وفرّع الشيخ الطوسي في (العدّة) على حكم التوقّف وجوب الاحتياط بحكم العقل لأنّ الإقدام على ما لا يؤمن المحذور والمفسدة فيه قبيح.

4ـ ثم قال رحمه الله : وهذه القاعدة ـ أي قاعدة وجوب الاحتياط بحكم العقل ـ لا نرفع اليد عنها إلّا بما ثبت في الشرع من النص القائل عنهم عليهم السلام ( إنّ كلّ شيء حلال حتّى يأتي فيه النهي) وهذا على عكس قاعدة قبح العقاب بلا بيان تماماً.

5ـ وجاء ابن زهرة بعد الشيخ الطوسي بمائة سنة ليحكم بالبراءة العقلية لا من باب قبح العقاب بلا بيان، بل من باب قبح التكليف بما لا يطاق.

6ـ ثم جاء المحقق ـ وهو تلميذ تلميذ ابن ادريس المعاصر لابن زهرة ـ فقرّب البراءة ببيانين:

البيان الأوّل: ما جاء في أحد كتابيه (المعارج والمعتبر) من أن البراءة عبارة عن استصحاب حال العقل. وذلك بلحاظ كاشفية الحالة السابقة عندهم لا بلحاظ الحسن والقبح، فهذا أيضاً لا يرتبط بقبح العقاب بلا بيان.

7ـ والبيان الثاني: ما ذكره المحقق في كتابه الآخر من أنّ الفقيه بعد أن يحصر الأدلّة التي يعتمد عليها الشارع لإيصال الأحكام ولا يجد فيها ما دل على الحكم المشكوك، يقول هذا التكليف غير موجود، لأنّ التكليف بما لا دلالة عليه من قبل المولى تكليف بما لا يطاق. وبناءً على هذا إذا احتملنا وجود دلالة اُخرى من قبل المولى فلا قبح في التكليف، وهذا هو الفرق بين هذا البيان وبين ما نقلناه عن ابن زهرة.

8ـ وبعد زمان المحقق شاع إدراج البراءة في الاستصحاب، وبما أنّهم كانوا يعتبرون الاستصحاب من الأدلّة الظنية أصبحت البراءة عندهم من الأدلّة الظنية، كما صرح به صاحب المعالم والشيخ البهائي في (الزبدة). وذكر الشيخ الأنصاري أنّ ظاهر كلمات صاحب المعالم والشيخ البهائي أنّ اعتبار (أصالة البراءة) يكون من باب الظن.

9ـ ثم جاء الوحيد البهبهاني رحمه الله وطرح قاعدة قبح العقاب بلا بيان، وسار على نهجه الشيخ محمد تقي في حاشيته على المعالم، وشريف العلماء على ما في تقرير بحثه، وبعدهما نابغة العصر الثالث من عصور علم الاُصول، وهو الشيخ الأنصاري رحمه الله.

ثم إنّ قاعدة (قبح العقاب بلا بيان) بعد أن طرحت في الأوساط العلمية كانت مبتلاة بالتشويش وعدم الوضوح:

1ـ فوقع الإشكال من قبل جملة من الاُصوليين في شمول هذه القاعدة للشبهات المفهومية كالشبهة في شمول الغناء لحداء الإبل.

2ـ وقال بعضهم: إنّ البيان في الشبهة المفهومية غير موجود لأنّ المراد بالبيان ما يكون مفهوماً للسامع لا ما يكون مجملاً.

3ـ ثم جاء آخرون وقالوا: إنّ هذه القاعدة لا تجري في الشبهات الموضوعيّة، إذ ليس من وظيفة المولى أن يقول: هذا خمرٌ، وهذا خمرٌ.

4ـ ثم جاء من تعمّق في القاعدة أكثر فقال: إنّ المراد بالبيان العلم والوصول، فمرجع القاعدة إلى قاعدة قبح العقاب بلا علم وبلا وصول ولا فرق في ذلك بين الشبهة الموضوعية أو الشبهة الحكمية.

فإذا عرفنا أنّ قاعدة (قبح العقاب بلا بيان) لم تكن لها عين ولا أثر قبل الوحيد البهبهاني، وأمّا بعد الوحيد فكانت مبتلاة بهذه التشويشات، يظهر بذلك عدم صحة ما قاله المحقق العراقي رحمه الله بأنّ هذه القاعدة لا يتوهّم إنكارها ممن له أدنى مسكة.

إذاً فهذه القاعدة من شؤون نفس تطوّر الفكر الاُصولي لا من الأحكام البديهيّة الأوّلية.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo