< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محسن الفقیهی

45/07/01

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: مباحث الالفاظ/ الوضع/ الإجزاء

الأمر الخامس: ما هو المراد من الاقتضاء؟ (معنى الاقتضاء)

تحریر محلّ النزاع

إختلف الأصولیّون في معنى الاقتضاء الوارد في العنوان؛ فذهب بعض إلی أنّ الإقتضاء بنحو العلّیّة و التأثیر و ذهب بعض آخر إلی أنّ المراد منه تعيين الامتثال جانب سقوط الأمر. و ذهب بعض إلی أنّ المراد منه هو الثبوتي دون الإثباتي. و ذهب بعض آخر إلی أنّ المراد منه مقدار الاقتضاء أو العلّیّة. و ذهب بعض إلی أنّ المراد منه هو الکشف و الدلالة.

هنا أقوال:

القول الأوّل‌: المراد من الإقتضاء العلّیّة و التأثیر [1] [2] [3] [4] [5] [6] [7] [8] [9]

قال المحقّق الخراسانيّ(رحمه الله): «الظاهر أن المراد من الاقتضاء هاهنا الاقتضاء بنحو العلّيّة و التأثير لا بنحو الكشف و الدلالة».[10]

و قال المحقّق العراقيّ(رحمه الله): «الظاهر ان المراد منها أيضاً هو الاقتضاء بنحو العلّيّة و التأثير بحسب مقام الثبوت لا الاقتضاء بنحو الكشف و الدلالة بحسب مقام الإثبات و من ذلك أيضاً نسب الإجزاء في عنوان البحث إلى الإتيان دون مدلول الصيغة». [11]

و قال الشیخ المظفّر(رحمه الله): «المراد من «الاقتضاء» في كلامه: الاقتضاء بمعنى العلّيّة و التأثير، أي أنّه هل يلزم_ عقلاً_ من الإتيان بالمأمور به سقوط التكليف شرعاً أداءً و قضاءً؟». [12]

و قال المحقّق الخوئيّ(رحمه الله): «إنّ المراد من الاقتضاء في المقام هو الاقتضاء بنحو العلّيّة و التأثير، بمعنى أنّ الإتيان بالمأمور به علّة لحصول الغرض و بحصوله يسقط الأمر لا محالة، لا بمعنى الكشف و الدلالة».[13]

إشکالات في القول الأوّل

الإشکال الأوّل

إنّما‌ يكون كذلك بالنسبة إلى أمره و أمّا بالنسبة إلى أمر آخر كالإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري أو الظاهري بالنسبة إلى الأمر الواقعي، فالنزاع في الحقيقة في دلالة دليلهما على اعتباره بنحو يفيد الإجزاء أو بنحو آخر لا يفيده. [14]

دفع الإشکال الأوّل

نعم، لكنّه لا ينافي كون النزاع فيهما كان في الاقتضاء بالمعنى المتقدّم؛ غايته أنّ العمدة في سبب الاختلاف فيهما إنّما‌ هو الخلاف في دلالة دليلهما هل إنه على نحو يستقل العقل بأنّ الإتيان به موجب للإجزاء و يؤثّر فيه و عدم دلالته و يكون النزاع فيه صغرويّاً أيضاً بخلافه في الإجزاء بالإضافة إلى أمره، فإنّه لا يكون إلّا كبرويّاً لو كان هناك نزاع.[15]

الإشکال الثاني

إنّ الاقتضاء بمعنى التأثير لا مناسبة له مع المقام؛ لأنّ الإتيان بالمأمور به ليس علّةً لسقوط الأمر بل الأمر علّة للإتيان و هو ينفد بحصول متعلّقه‌. [16]

الإشکال الثالث

إنّ التعبير بالاقتضاء و تفسيره بالعلّيّة و التأثير، مسامحة في التعبير و التفسير؛ إذ سقوط الأمر بملاحظة عدم بقاء الغرض على غرضيّته و دعوته و المعلول ينعدم بانعدام علّته، لا أنّ القائم به الغرض علّةً لسقوط الأمر ؛ لأنّ الأمر علّةً لوجود الفعل في الخارج فلو كان الفعل علّةً لسقوط الأمر لزم علّية الشي‌ء لعدم نفسه بل سقوط الأمر لتماميّة اقتضائه و انتهاء أمده فافهم جيّداً.

كما أنّ عدم الأمر بالقضاء بملاحظة أنّ التدارك لا يعقل إلّا مع الخلل في المتدارك و المفروض حصول المأمور به بحدّه أو بملاكه فلا مجال للتدارك و إلّا لزم الخلف فحيث لا خلل في المأتيّ به لا مجال لعنوان القضاء كي يؤمر به، لا أنّ إتيان المأمور به علّة لعدم الأمر بالقضاء فتدبّر جيّداً.[17]

الإشکال الرابع

لا يخفى أنّ ما قال المحقّق الخراسانيّ_ طاب ثراه_ من‌ أنّ المراد من الاقتضاء هو العلّيّة ليس في محلّه؛ لأنّ الإتيان ليس بعلّة، بل يكون إتيان المأمور به مسقطاً للأمر بمعنى أنّ الأمر بعد إتيان المأمور به أثّر أثره، فبعد الإتيان حصل الأثر؛ مثلاً: إذا كانت النار موجبةً لإحداث الحرارة، فإذا فقدت النار لم يكن فقدانها علّةً لعدم الحرارة، بل يكون مقتضاه عامّاً، ففي كلّ الموارد إذا كان ايجاد الشي‌ء معلول لعلّة فبفقد العلّة يفقد المعلول و لم يكن فقدان المعلول مستنداً لعلّة.[18]

الإشکال الخامس

ليس المراد بالاقتضاء في العنوان بمعنى العلّيّة التامّة أو أصل العلّيّة؛ إذ لا تأثير و تأثّر في المقام. إذا أراد شخص إيجاد شي‌ء، كشرب الماء لرفع العطش، فأوجده و شرب، فعدم‌ الإتيان به ثانياً لأجل أنّه لا داعي له إلى ذلك؛ لرفع العطش بالأوّل، لا لأنّ فعل الشرب علّة لعدم فعله ثانياً؛ لأنّ علّيّة الشي‌ء الوجوديّ للأمر العدميّ غير معقول و الإرادة التشريعيّة أيضاً كذلك، فالإجزاء و عدم وجوب فعله ثانياً في المقام، إنّما‌ هو لانتفاء أمد الإرادة، لا لأنّ فعله أوّلاً علّة لعدم طلبه و إرادته ثانياً، (إنتهی ملخّصاً).[19]

أدلّة القول الأوّل

الدلیل الأوّل

إنّه نسب الإجزاء إلى الإتيان، لا إلى الصيغة [أي: لكون الاقتضاء بمعنى العلّيّة لا الدلالة أسند الإجزاء إلى الإتيان دون الصيغة]، (التصرّف). [20]

الدلیل الثاني

السبب في ذلك واضح و هو أنّ غرض المولى متعلّق بإتيان المأمور به بكافّة أجزائه و شرائطه، فإذا أتى المكلّف بالمأمور به، كذلك حصل الغرض منه لا محالة و سقط الأمر؛ ضرورة أنّه لا يعقل بقائه مع حصوله، كيف حيث إنّ أمده بحصوله، فإذا حصل انتهى الأمر بانتهاء أمده و إلّا لزم الخلف أو عدم إمكان الامتثال أبداً. و هذا هو المراد من الاقتضاء في عنوان المسألة.[21]

الدلیل الثالث

إنّ الإتيان علّة لمنشأ الإجزاء (إذا كان [الإجزاء] بمعنى الكفاية).[22]

الدلیل الرابع

إنّه موجب لانعدام موضوع الأمر أو الإرادة (إذا كان [الإجزاء] بمعنى سقوط الأمر أو سقوط الإرادة). [23]

أقول: الحقّ أنّ الإجزاء لو کان بحسب دلیل العقل فیناسب کون الاقتضاء بمعنی العلّيّة و التأثیر و أمّا لو کان بحسب الدلیل اللفظي_ کما في بعض الصور_ فالإقتضاء بمعنی الکشف و الدلالة، فالمراد من الاقتضاء هو التأثیر؛ أي الأمر و الإتیان به یؤثّران في الإجزاء، سواء کان التأثیر بنحو العلّيّة أو بنحو الکشف. و الأولی أن یعبّر بأنّ الأمر و الإتیان به یوجبان الإجزاء و حذف الاقتضاء.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo