< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محسن الفقیهی

45/06/09

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: مباحث الالفاظ/ الوضع/ الإجزاء

الفصل الثالث: في الإجزاء

قبل الخوض في تفصیل المقام نقدّم أموراً‌:

الأمر الأوّل: في عنوان المسألة

تحریر محلّ النزاع

إختلف الأصوليّون في عنوان المسألة، فذهب بعض إلی أنّه هل الأمر يقتضي الإجزاء أو لا؟ و ذهب بعض آخر إلی أنّ إتيان المأمور به على وجهه هل يقتضي الإجزاء أو لا؟ و ذهب بعض إلی أنّه هل الإتيان بالمأمور به يقتضي الإجزاء أو لا؟ و ذهب بعض آخر إلی أنّه هل الإتيان بالمأمور به بجميع حدوده و قيوده يجزي في مقام امتثال الأمر المتعلّق به عن إعادته‌؟ و ذهب بعض إلی أنّ الإتيان بالمأمور به هل مجزٍ أم لا؟ إذا ورد ذكر من الأمر و تحقّق امتثال من المأمور به_ كما قرّره و جعله الآمر_ فهل يجزئ‌ أم لا؟

هنا أقوال:

القول الأوّل: أنّ عنوان البحث هل الأمر يقتضي الإجزاء أو لا؟ [1] [2] [3] [4] [5] [6] [7] [8] [9]

قال العلامّة الحلّيّ(رحمه الله): «المبحث الثالث‌: في أنّ الأمر يقتضي الإجزاء». [10]

قال المحقّق الداماد(رحمه الله): «ظاهر العنوان المذكور[11] و إن كان يفيد نسبته إلى الإتيان إلّا أنّه لا بدّ من التأويل و تقدير الأمر ليكون النزاع في دلالته. و لذا ترى عنونوا البحث بطريق آخر. و هو أنّ الأمر هل يقتضى الإجزاء أو لا؟ فاسند الاقتضاء إلى الأمر. و بالجملة الأولى أن ينعقد البحث في الأمر فيقال إنّ الأمر هل يقتضى الإجزاء أو لا؟»، (التصرّف). [12]

إشکال في کلام المحقّق الداماد

إنّ جعل النزاع في مدلول الأمر و إن كان مناسباً لمباحث الألفاظ، إلّا أنّه بعد التحقيق الدقيق و الكامل لا يكون قابلاً للقبول، فإنّ كلمة «يقتضي» تكون على هذا التقدير بمعنى الدلالة و الدلالات منحصرة بالمطابقة و التضمّن و الالتزام و كلّ ذلك ممنوع هاهنا.[13]

إشکالان في القول الأوّل

الإشکال الأوّل

إنّ التعبير بذلك فيه مسامحة واضحة_ بداهة أنّ الإجزاء لا يستند إلى الأمر و ليس من مقتضياته، بل يستند إلى فعل المكلّف و ما هو الصادر عنه.[14]

الإشکال الثاني

إنّ الأمر يكون علّةً لتحريك المأمور و انبعاثه نحو المأمور به و لم يكن علّةً للسقوط و الإجزاء، بل الإتيان بالمأمور به يكون مقتضياً لهذا. [15]

دفع الإشکال الثاني

لا يخفى أنّ کون المراد من الاقتضاء هو العلّيّة ليس في محلّه؛ لأنّ الإتيان ليس بعلّة، بل يكون إتيان المأمور به مسقطاً للأمر بمعنى أنّ الأمر بعد إتيان المأمور به أثّر أثره، فبعد الإتيان حصل الأثر.[16]

دلیلان علی القول الأوّل

الدلیل الأوّل

إنّ البحث منعقد لبيان إجزاء الأوامر الاضطراريّة و الظاهريّة عن الأوامر الاختياريّة و الواقعيّة، فالكلام يقع في أنّ الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراريّ و الظاهريّ هل يقتضي الإجزاء عن المأمور به بالأمر الأوّليّ و الواقعيّ أو لا؟ و هذا لا محالة يرجع إلى النزاع في مفاد الأمرين و دلالتهما هل يكون تبدّل المأمور به و تغيّره عند عروض الاضطرار و الجهل بمتعلّقهما أو هل يكون مدلولهما كون المتعلّق حائزاً لجميع مصلحة المأمور به الواقعي أو لا؟ و ليس هذا إلّا النزاع في دلالة الأمرين فيكون صغرويّاً في مرحلة الإثبات لا محالة و يكون الاقتضاء علی هذا التقدير منسوباً في الحقيقة إلى الأمر، لا الى الإتيان. [17]

أقول: هذا البحث یرجع إلی البحث في أنّ مسألة الإجزاء لفظيّة أو عقليّة، فإن قلنا بأنّ البحث لفظيّة، فلا بدّ من عنوان البحث بأنّ الأمر هل یوجب الإجزاء و إن قلنا إنّ البحث عقليّة، فلا بدّ من عنوان البحث بأنّ الإتیان بالمأمور به هل یوجب الإجزاء و إن قلنا إنّ البحث قد یکون لفظیّاً و قد یکون عقليّاً_کما هو المختار_ فلا بدّ من عنوان البحث یؤخذ فیه الأمر و الإتیان معاً و سیأتي تحقیق الکلام في محلّه.

الدلیل الثاني

لا نزاع على الظاهر في أنّ الإتيان بالمأمور به يجزي عن أمر نفسه و إنّما‌ النزاع في إجزائه عن أمر غيره؛ مضافاً إلى أنّ التعبير بالإجزاء يعطي فرض المغايرة و لو في الجملة و لو كان المراد هو الإجزاء عن أمر نفسه، لكان التعبير بالإسقاط أنسب. [18]

القول الثاني‌: أنّ إتيان المأمور به على وجهه هل يقتضي الإجزاء أو لا ؟ [19] [20] [21] [22] [23] [24] [25] [26] [27] [28] [29] [30] [31]

قال المحقّق النراقيّ(رحمه الله): «إنّ الإتيان بالمأمور به على وجهه_ أي كما أمر به الشارع_ يوجب حصول الامتثال». [32]

قال المحقّق البجنورديّ(رحمه الله): «إنّ النزاع في أنّ الإتيان هل يكون علّةً للإجزاء و عدم لزوم الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي بعد رفع الاضطرار أو رفع الجهل و كشف الخلاف، أم لا؟ و لو كان منشأ الحكم بالإجزاء أو بعدمه هي أدلّة تلك الأحكام الواقعيّة الثانويّة أو الظاهريّة».[33]

قال الإمام الخمینيّ(رحمه الله): «الظاهر أنّ عنوان البحث هو أنّ الإتيان بالمأمور به‌ على وجهه هل يقتضي الإجزاء أو لا؟ غاية الأمر أنّ بعض الأدلّة عليها عقلي و بعضها لفظي و لا يحتاج إلى عنوان جامع بين العقليّ و اللفظي»، (إنتهی ملخّصاً).[34]

أقول: إن کان الدلیل علی الإجزاء عقلیّاً، فإنّ الإتیان یوجب الإجزاء و إن کان الدلیل لفظیّاً، فالأمر یقتضي الإجزاء، فلا بدّ من أخذ عنوان جامع بینهما بأن یقال هل الأمر و الإتیان به یوجب الإجزاء أو لا؟ لأنّ بعض الأدلّة عقليّ و بعضها نقلي، کما سیأتي تفصیل ذلك.

دلیلان علی القول الثاني

الدلیل الأوّل

إنّ الإتيان بالمأمور به هو الذي يصلح لأن ينازع فيه أنّه يقتضي الإجزاء أو لا، دون الأمر؛ إذ لا شكّ في أنّ مجرّد الأمر لا يقتضي ذلك. و مع ذلك كلّه، فالأقوى أنّ النزاع إنّما‌ هو في الاقتضاء العقلي، كما يظهر من الرجوع إلى الأدلّة. [35]

أقول: هذا صحیح في بعض صور المسألة دون بعض، کما سیأتي التفصیل.

الدلیل الثاني

إنّ الاقتضاء للإِجزاء من مقتضيات إتيان المأمور به و شئونه، لا من مقتضيات الأمر و لواحقه، بداهة أنّ مصلحة المأمور به المقتضية للأمر إنّما‌ تقوم بالمأتيّ به فتوجب سقوط الأمر إمّا نفساً أو بدلاً، فاقتضاء سقوط الأمر قائم بالمأتيّ به لا بالأمر و مجرّد دخالة الأمر كي يكون المأتيّ به على طبق المأمور به لا يوجب جعل الأمر موضوعاً للبحث. [36] [37]

أقول: هذا صحیح في بعض صور المسألة دون بعض، کما سیأتي التفصیل، مع أنّ المصلحة قد تکون في الجعل، لا في المجعول و في الأمر دون المأمور به، کما في الأوامر الاختیاريّة.

تذنیب: في الفرق بین العنوانین (بين القول الأوّل و الثاني)

الفرق بين العنوانين واضح، فالنزاع على الأوّل لفظي، منصبّ على دلالة لفظ الأمر على الإجزاء، كما أنّه على الثاني عقليّ منصبّ على وجود الملازمة بين الإتيان بالشي‌ء على وجهه و الإجزاء. [38]


[11] ‌ إتيان المأمور به علی وجهه يقتضي الإجزاء؟.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo