< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محسن الفقیهی

45/03/16

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: مباحث الالفاظ/ الوضع/الواجب التوصلی و التعبدی

قال المحقّق الخوئيّ (رحمه الله): «حيث إنّ المقام من صغريات كبرى كلّيّة و هي أنّه إذا شكّ في كون الوجوب مشروطاً بشي‌ء وجوديّ أو عدمي، فهل الأصل العمليّ يقتضي البراءة أو الاشتغال، فلا بدّ من البحث في تلك الكبرى، فنقول:

إنّ هذا الشكّ يتصوّر على وجهين:

أن يشكّ في كون الوجوب مشروطاً بشي‌ء مع كون هذا الشي‌ء مفقوداً في أوّل الأمر، كما إذا شكّ في وجوب الجهاد على العبيد (مثلاً)، لاحتمال كونه مشروطاً بالحرّيّة المفقودة في حقّ العبيد.

أن يشكّ في كون الوجوب مشروطاً بشي‌ء مع وجود هذا الشي‌ء في أوّل الأمر ثمّ طرأ فقدانه، كما إذا شكّ في كون وجوب ردّ السلام مشروطاً بعدم ردّ الغير.

أمّا الوجه الأوّل، فمقتضى الأصل فيه البراءة، لكون الشكّ فيه شكّاً في ثبوت التكليف.

و أمّا الوجه الثاني، فمقتضى الأصل فيه الاشتغال؛ لكون التكليف فيه ثابتاً إنّما الشكّ في سقوطه، فإنّه بمجرّد تحقّق السلام من أحد على شخص يتوجّه إليه التكليف الفعليّ بالردّ و لم يكن الردّ من الغير متحقّقاً، بل تحقّق بعد فعليّة التكليف على المسلّم عليه، فيكون الشكّ شكّاً في سقوط التكليف الفعليّ بعد ثبوته. و مقتضى الاستصحاب بقاؤه. و لو منع من جريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة- كما هو المختار- تصل النوبة إلى قاعدة الاشتغال و مقتضاها بقاء التكليف أيضاً‌؛ فإنّ شغل الذمّة اليقينيّ يقتضي البراءة اليقينيّة.

و المقام من هذا القسم الثاني، فإنّ الولد الأكبر (مثلاً) يعلم باشتغال ذمّته بقضاء الفوائت عن الميّت و يشكّ في فراغها بفعل الغير، تبرّعاً أو استنابة و قد عرفت أنّ المرجع في مثله استصحاب بقاء التكليف أو قاعدة الاشتغال و النتيجة واحدة.

فتحصّل أنّ مقتضى الأصل العمليّ في هذه المسألة هو عدم سقوط التكليف بفعل الغير، (إنتهی ملخّصاً). [1]

القول الثاني: السقوط و عدم وجوب المباشرة (البراءة) [2] [3] [4] [5]

قال الشهید الصدر(رحمه الله): «إنّ الشكّ تارةً يكون شكّاً في السقوط بفعل الغير بمعنى احتمال كونه مصداقاً للواجب، بناءً على ما تقدّم من معقوليّة تعلّق التكليف بالجامع بين فعله و فعل غيره خصوصاً التسبّبيّ منه، فيكون مرجع الشكّ في المقام إلى الشكّ في سعة و ضيق دائرة الواجب و متعلّق الوجوب و أنّه الحصّة‌ المباشرة أو الأعمّ منها و من فعل الغير. و أخرى يكون الشكّ في تقييد الوجوب- الذي هو مفاد الهيئة- بما إذا لم يأت به الغير مع العلم بأنّ الواجب- الذي هو مفاد المادّة- خصوص الفعل المباشري.

أمّا في الفرض الأوّل من الشكّ الذي يكون الشكّ فيه في الواجب، لا في الوجوب‌، فمقتضى الأصل العملي هو البراءة على ما هو المقرّر في بحث الدوران بين الأقلّ و الأكثر؛ لأنّ أصل الفعل الجامع بين المباشريّ و فعل الغير معلوم الوجوب و خصوصيّة المباشرة مشكوكة فتجري أصالة البراءة عن وجوبها و لا مجال لأصالة الاشتغال و لا الاستصحاب.

و أمّا في الفرض الثاني الذي يكون الشكّ في سقوط الوجوب بفعل الغير، فلا بدّ من ملاحظة منشأ احتمال سقوط الوجوب بفعل الغير. ذلك أنّ الشكّ في السقوط تارةً يكون من جهة احتمال اشتراط الوجوب بعدم فعل الغير بحيث يكون فعله رافعاً للوجوب من أوّل الأمر بنحو الشرط المتأخّر. و أخرى يكون مسقطاً و رافعاً للوجوب بقاءً بنحو الشرط المقارن.

أمّا في الحالة الأولى، فمقتضى الأصل العمليّ هو البراءة، لا الاشتغال و لا الاستصحاب؛ لكون الشكّ في ارتفاع الوجوب من أوّل الأمر.

و أمّا الحالة الثانية، فينبغي أن يعلم بأنّ سقوط الوجوب بقاءً بفعل الغير لا يمكن أن يكون من جهة تحقّق الغرض و الملاك به؛ لأنّ هذا يؤدّي إمّا إلى جعل الوجوب على الجامع، أو تقييده بعدم فعل الغير بنحو الشرط المتأخّر. بل لا بدّ أن يكون إمّا من جهة احتمال زوال المحبوبيّة و ارتفاعها بفعل الغير أو من جهة أنّ فعل الغير سبب فوات الملاك بنحو لا يمكن تحصيله بعد ذلك، فاحتمال السقوط بفعل الغير في هذه الحالة لا بدّ أن يكون لاحتمال أحد هذين المنشأين.

و مقتضى الأصل فيهما معاً جريان الاستصحاب دون أصالة الاشتغال. أمّا الأوّل، فلتماميّة أركانه و جريانه في الشبهات الحكميّة عندنا. و أمّا الثاني، فلأنّ الشكّ في الفرض الأوّل- و الذي هو غير وارد في الشرعيّات عادةً- في أصل الملاك و المحبوبيّة و هو من الشكّ في أصل التكليف. و في الفرض الثاني و إن كان الشكّ في العجز عن استيفاء الغرض و هو من الشكّ في القدرة الذي يكون مجرى لأصالة الاشتغال، إلّا أنّه في الفروض الفقهيّة المتعارفة و التي لا يجب فيها البدار قبل فعل الغير، أو منع الغير عن إتيان الفعل، يكون هذا الوجوب بحسب الفرض ممّا يعذر المكلّف في تفويته بدليل أنّ المولى لم يوجب البدار و الإسراع إليه قبل أن يفعله الغير؛ فهذا التفويت على تقدير وجوده تفويت مأذون فيه من قبل المولى، إذن‌ فحينما صدر الفعل من الغير يشكّ المكلّف في أنّه لو ترك الفعل هل يكون عمله تفويتاً للملاك غير مأذون فيه و ذلك لعدم فوت الملاك بفعل الغير، أو لم يصدر منه إلّا تفويت مأذون فيه؛ لأنّه قد فات الملاك بتأخيره إلى أن فعل الغير و كان تأخيره مأذوناً فيه. و هذا شكّ في أصل الإذن و مورد للبراءة. نعم لو فرضنا الالتزام فقهيّاً بأنّه على تقدير مفوّتيّة فعل الغير يجب عليه البدار جرت أصالة الاشتغال؛ إذ يعلم المكلّف حينئذٍ بعدم رضا المولى بتفويت الغرض و يشكّ في قدرته الآن على تحصيله و هو من الشكّ في القدرة على الامتثال الذي يكون مجرى لأصالة الاشتغال. و قد تحصّل بهذا البيان أنّه في الموارد المتعارفة في الفقه تجري البراءة دائماً و لا مجال لما ذكروه من أصالة الاشتغال. [6]

أقول، أوّلاً: کلامه (رحمه الله) خلاف قاعدة الاشتغال بعد ثبوت التکلیف، کما ذکره المحقّق النائينيّ(رحمه الله) و المحقّق الخوئيّ(رحمه الله) بتفصیل.

و ثانیاً: إجراء البرائة خلاف فهم العقلاء و العرف في الأوامر الصادرة من الموالي إلی العبید، کما سبق.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo