< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محسن الفقیهی

44/10/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: مباحث الالفاظ/ الوضع/الواجب التوصلی و التعبدی

الدلیل الثالث: الإطلاق‌ المقامي [1] [2] [3] [4] [5]

قال الشیخ المظفّر(رحمه الله): «إذا أمر المولى‌ بشي‌ء- و كان في مقام البيان- و اكتفى بهذا الأمر و لم يلحقه بما يكون بياناً له فلم يأمر ثانياً بقصد الامتثال، فإنّه يستكشف منه عدم دخل قصد الامتثال في الغرض و إلّا لبيّنه بأمرٍ ثانٍ. و هذا ما سمّيناه ب «إطلاق‌ المقام‌». و عليه، فالأصل في الواجبات كونها توصّليّةً حتّى يثبت بالدليل أنّها تعبّديّة». [6]

أقول: کلامه (رحمه الله) متین علی فرض تسلیم المبنی و قد سبق بطلانه.

کما قال المحقّق الداماد (رحمه الله): «أمّا الإطلاق‌ المقاميّ فهو حاكم في كلّ مورد أحرز كون الآمر بصدد بيان تمام ما له الدخل في غرضه و لم يبيّن دلالةً علی دخل قصد الامتثال أو قصد الوجه بعدم دخالته؛ إذ لو كان دخيلاً لكان سكوته نقضاً لغرضه و خلاف الحكمة؛ فلا محالة يحكم بعدم دخله. و بالجملة كما يتمسّك بالإطلاق‌ المقاميّ عند الشكّ في دخالة جزء أو شرط في الصلاة إذا تصدّی الشارع لبيان الأجزاء و الشرائط المعتبرة فيما يعدّ جملةً و سكت عن ذكر غيرها ممّا شكّ فيه لنفي دخله في المأمور به. و كذا عند الشكّ في اعتبار العربيّة في الصيغة يتمسّك بهذا الإطلاق‌ لنفي اعتباره. و كذا عند الشكّ في اعتبار شي‌ء في الوضوء أو الغسل بعد كون جملة من الأخبار البيانيّة متصدّيةً لبيان ما هو المعتبر فيما كذلك عند الشكّ في اعتبار قصد الامتثال، لكن لا بدّ من إحراز كون الآمر بصدد بيان تمام ما له الدخل في غرضه، فإنّه إذا أحرز ذلك و لم يعثر علی بيان قصد الامتثال يكشف عن عدم دخله و إلّا لبيّنه و لم يسكت عنه؛ إذ السكوت مع دخالته في غرضه نقض له، فإنّه و إن لم يتمكّن من أخذه في المأمور به لكنّه قادر علی بيان دخالته في الغرض، كما لا يخفى علی المتأمّل». [7]

أقول: کلامه (رحمه الله) متین علی فرض تسلیم المبنی و قد سبق بطلانه.

و کما قال السیّد الشاهروديّ (رحمه الله): «إنّ السكوت في مقام البيان بيان على العدم، فإنّ الأخبار البيانيّة من القوليّة و الفعليّة إذا لم تتعرّض لاعتبار قصد القربة، يكون عدم التعرّض له بياناً لعدم اعتباره. و هذا دليل اجتهاديّ و لا حاجة معه إلى التشبّث بالبراءة؛ كما نبّهنا غير مرّة على عدم الجدوى في الرجوع إلى البراءة في الأقلّ و الأكثر الارتباطيّين. و ذلك لعدم وصول النوبة إليها مع الإطلاق‌ المقاميّ الحاكم بعدم دخل شي‌ء في الأمور به، غير ما نطقت الأدلّة باعتباره». [8]

أقول: کلامه (رحمه الله) متین علی فرض تسلیم المبنی و قد سبق بطلانه.

أقول: المفروض أنّ غرض الشارع في الواجب التعبّدي وحداني، أي تعلّق غرض الشارع بالفعل بداعي القربة علی نحو وحدة المطلوب، مضافاً إلی أنّ خطاب الشارع ظاهر في أنّه یرید بیان کلّما هو دخیل في غرضه. هذا الفرض لو لم یسمّ بإطلاق لفظيّ فلا أقلّ من التسمية بإطلاق مقامي؛ فإنّ قصد القربة و إن لم یمکن أخذه في متعلّق الأمر، لکن ظاهر الحال العقلائيّ هو أن یبيّن الخطاب لإبراز غرضه و یبیّن کلّما هو دخیل في غرضه و لو بالإخبار.

دلیل هذا القول

رأیي أنّه لو فرضنا صحّة کلام المشهور من امتناع أخذ قصد القربة في متعلّق الأمر، فلا إشکال في التمسّك بإطلاق خطاب الأمر لنفي دخل قصد القربة في غرض المولی؛ إذ دخل قصد القربة في الواجب قید متعلّق الأمر بحسب الظهور العرفي. فعلی هذا إن أقیم خلاف نظر العرف برهان علی دخل قصد القربة في غرض المولی و أنّه لا ربط لها بمتعلّق الأمر، فإنّ إقامة البرهان أمر آخر و الظاهر من العرف- مع وجود إقامة البرهان- هو أنّ الشارع إذا عبّر بهذه العبارة «صلّ لله» ف «لله» قید الواجب و متعلّق الأمر.

و یتشکّل الظهور بالالتفات إلی هذه الذهنيّة العرفيّة فعلیه یلاحظ العرف أنّه یتمکّن الشارع من استفادة تعبیر «صلّ لله» و لکنّه لم یستفد و اکتفی ب «صلّ» فحینئذٍ یتمسّك العرف بالإطلاق‌؛ إذ قد بُیّن في مورد استفادة الإطلاق‌ أنّه إذا کان سکوت المولی مخلّاً بغرضه فمقدّمات الحکمة تحکم بأنّ القید الزائد لا یکون دخیلاً في غرض المولی؛ فعند استعمال المولی تعبیر «صلّ» إن کانت لقصد القربة دخل في غرض المولی، یجب علیه استفادة تعبیر «لله» الذي یکون بیاناً زائداً لدخل قید زائد في غرض المولی، کما قد استفاد الشارع هذا القید في مثل﴿أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾[9] .

إشکال و جواب

الإشکال

إنّ الإطلاق‌ الذي أدّعي التمسّك به لیس إطلاقاً لفظيّاً، بل مقامي.

الجواب

إنّ الإطلاق‌ المقاميّ فرع إحراز کون المولی في مقام البیان من جمیع الجهات.

بناءً علی هذا فالإطلاق‌ المقاميّ محتاج إلی قرینة خاصّة و هي أنّ المولی یکون في مقام بیان تمام الأمور المحتاج إلیها. أمّا في الإطلاق‌ اللفظيّ فلا تعتبر هذه القرینة، بل المولی (مثلاً) إذا استفاد من تعبیر «آتوا الزکاة» فالعرف یقول أنّ قید «لله» لم یذکر في کلام المولی و لا اهتمام للعرف بأنّ تعبیر «لله» في نظر العقل یکون بیاناً زائداً و جملةً مستأنفةً و لیس دخیلاً في متعلّق الأمر؛ إذ خطاب «صلّ لله» في نظر العرف یکون ذا تقیید و السکوت عن هذا القید في مثل «آتوا الزکاة» موجب لفهم الإطلاق‌. إطلاق الخطاب أمر عرفيّ و العرف قائل بأنّ «آتوا الزکاة» مطلق فحینئذٍ یتمسّك العرف بالإطلاق‌ اللفظيّ لنفي دخل قصد القربة في غرض المولی.

فأقول یتمکّن المشهور- مع أنّهم قائلون بامتناع أخذ قصد القربة في متعلّق الأمر- من التمسّك بالإطلاق‌ اللفظيّ لنفي دخل قصد القربة في غرض المولی و بعد التمسّك بالإطلاق‌ تثبت توصّليّة الواجب.

قال الشهید الصدر(رحمه الله): «إنّ ظاهر حال المولى عند ما يأمر بشي‌ء أنّه بصدد بيان تمام ما يأمر به باعتباره طريقاً إلى بيان تمام غرضه، فلو كان الآمر قاصراً عن بيان تمام غرضه لعدم إمكان أداء تمامه به و لكن كان بالإمكان تكميل ذلك و لو بجملة خبريّة، فظاهر حاله أنّه لو كان غرضه كذلك لبيّنه و لو بجملة خبريّة، فإن لم يصنع ذلك انعقد في كلامه إطلاق مقاميّ لنفي دخل قصد القربة في الغرض بلحاظ هذا الظهور الحاليّ الذي أشرنا إليه. [10]

أقول: کلام الشهید الصدر(رحمه الله) صحیح علی مبناه. فعلی هذا، التمسّك بالإطلاق‌ اللفظيّ لنفي مدخليّة قصد القربة في متعلّق الأمر، أمر مقبول عندنا علی جمیع المباني.

القول الرابع: عدم وجود الأصل اللفظيّ في المقام [11] [12]

دليل القول الرابع

إنّه لا أصل في المسألة يعيّن أحد طرفيها، فلا أصالة التوصّليّة تجري في المقام و لا أصالة التعبّديّة فيما لم يحرز توصّليّته و تعبّديّته. أمّا جريان أصالة التوصّليّة، فلا نعقل لها معنى سوى دعوى أنّ إطلاق الأمر يقتضي التوصّليّة. و حيث قد عرفت امتناع التقييد، فلا معنى لدعوى إطلاق الأمر، فإنّ امتناع التقييد يستلزم امتناع الإطلاق‌، بناءً على ما هو الحقّ من أنّ التقابل بين الإطلاق‌ و التقييد تقابل العدم و الملكة، بعد امتناع التقييد بقصد الأمر و غير ذلك من الدواعي لا يمكن القول بأصالة التوصّليّة اعتماداً على الإطلاق‌؛ إذ لا إطلاق في البين يمكن التمسّك به. [13]

أقول: قد سبق بطلان المبنی و الدلیل علیه.

 


[3] نتائج الافکار فی الاصول، الشاهرودی، السید محمود، ج1، ص219.
[8] نتائج الافکار فی الاصول، الشاهرودی، السید محمود، ج1، ص219.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo