< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محسن الفقیهی

44/10/15

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: مباحث الالفاظ/ الوضع/الواجب التوصلی و التعبدی

الإشکال الثاني

إنّه لم‌ نعرف‌ معنى‌ محصّلاً لهذا الوجه‌، فإنّه إن أراد أنّ العقل يعتبر قصد الامتثال من عند نفسه، فهو واضح الفساد؛ إذ العقل لم يكن مشرّعاً يتصرّف من قبل نفسه و يحكم بما يريد؛ إذ ليس شأن العقل إلّا الإدراك و إن أراد أنّ العقل يعتبر ذلك بعد العلم بأنّ ما تعلّق الأمر به إنّما شرّع لأجل أن يكون من الوظائف التي يتعبّد بها العباد، فهذا ليس معنى اعتبار العقل ذلك من قبل نفسه، بل العقل حینئذٍ يستقلّ بجعل ثانويّ للمولى على اعتبار قصد التقرّب و يكون حكمه في المقام نظير حكمه بوجوب المقدّمة، حيث إنّه بعد وجوب ذيها شرعاً يستقلّ العقل بوجوبها أيضاً، بمعنى أنّه يدرك وجوب ذلك و يكون كاشفاً عنه، لا أنّه هو يحكم بالوجوب، فإنّه ليس ذلك من شأن العقل.[1]

أقول: لا إشکال في التصویر الثاني و لعلّه مراد صاحب الکفاية (رحمه الله).

دلیل عدم اعتبار قصد القربة في الطاعة شرعاً

ذلك لاستحالة أخذ ما لا يكاد يتأتّى إلّا من قبل الأمر بشي‌ء في متعلّق ذاك الأمر مطلقاً شرطاً أو شطراً، فما لم تكن نفس الصلاة متعلّقةً للأمر، لا يكاد يمكن إتيانها بقصد امتثال أمرها. [2]

إشکالات في الدلیل

الإشکال الأوّل (توهّم إمكان دخل القربة في العبادة‌)

إنّ إمكان تعلّق الأمر بفعل الصلاة بداعي الأمر و إمكان الإتيان بها بهذا الداعي؛ ضرورة إمكان تصوّر الأمر بها [الآمر لها] مقيّدةً و التمكّن من إتيانها كذلك بعد تعلّق الأمر بها و المعتبر من القدرة المعتبرة عقلاً في صحّة الأمر إنّما هو في حال الامتثال، لا حال الأمر. [3]

دفع الإشکال الأوّل

إنّه و إن كان تصوّرها كذلك بمكان من الإمكان إلّا أنّه لا يكاد يمكن الإتيان بها بداعي أمرها لعدم الأمر بها؛ فإنّ الأمر حسب الفرض تعلّق بها مقيّدةً بداعي الأمر و لا يكاد يدعو الأمر إلى ما تعلّق به، لا إلى غيره. [4]

أقول: تصوّرهما بمکان من الإمکان و وقوعه أیضاً بمکان من الإمکان. و لا محاليّة في الأمور الاعتباريّ و الوجدان شاهد علی ذلك، کما في الأوامر العرفيّة للموالي بالنسبة إلی العبید.

إشکالات في کلام المحقّق الخراساني

الإشکال الأوّل

إنّ المتعلّق عبارة عن ماهيّة المأمور بها بلا دخل للوجود الذهنيّ و الخارجيّ فيها. و أمّا قوله: الأمر يكون داعياً إلى متعلّقه؟ فإن كان مراده البعث و التحريك للمكلّف إلى تحقّق المتعلّق بالبعث التكوينيّ و الحقيقي، فهو ليس بصحيح، فإنّا نرى عدم الانبعاث في العصاة و الكفّار، مع أنّ البعث الحقيقيّ لا ينفكّ عن الانبعاث. و إن كان مراده أنّ الأمر يكون محقّقاً لموضوع الطاعة و الانبعاث- كما هو الحقّ- فهو مخالف لظاهر العبارة؛ فالداعي عبارة عن الأمر القلبيّ الراسخ في نفس العبد و يختلف بحسب تفاوت درجات العباد و اختلاف حالاتهم و ملکاتهم. و أمّا الأمر فليس من شأنه إلّا تعيين موضوع الطاعة، فيصير بمنزلة الصغرى لتلك الكبريات، فما اشتهر من أنّ الأمر يكون داعياً إلى متعلّقه ليس بتام. [5]

أقول: کلامه (رحمه الله) «فما اشتهر من أنّ الأمر یکون داعیاً إلی متعلّقه لیس بتام» یلاحظ علیه: أنّ هذا الکلام المشهور صحیح، لکن لا إشکال في کون المتعلّق ذا أجزاء و شرائط، مثل قصد القربة و الاستقبال و الطهارة و أمثالها. و أخذ الأجزاء و الشرائط في المتعلّق في بیان واحد أو في بیانین.

الإشکال الثاني

إنّ جوابه عن الإشكال الأوّل بمنزلة تغيير لموضع البحث و قبول حلّ مسألة الدور و الدخول في مسألة أخرى، فكأنّه اعترف برفع إشكال الدور بمسألة اللحاظ؛ فإنّ اعتباره في المتعلّق يحتاج إلى تصوّره ذهناً فقط لا إلى وجود الأمر خارجاً. [6]

أقول: إنّ صاحب الکفایة (رحمه الله) في دفع الإشکال الأوّل جعل المحاليّة في مقام الامتثال، لا في مقام الجعل.

الإشکال الثالث

هذا الوجه غير تامّ بكلا شقّيه؛ إذ لنا أن نختار كلّاً من الشقّين و نجيب عنه، فنقول:

أمّا الشقّ الأوّل: فنحن نقول إنّ الصلاة بما هي هي متعلّقة بالأمر و واجبة إمّا بالوجوب الغيريّ على القول بوجوب الأجزاء الداخليّة، أو بالوجوب الضمنيّ حيث يترشّح من الوجوب النفسيّ وجوبات متعدّدة حسب تعدّد الأجزاء، أو بالوجوب النفسيّ حسب المختار في باب الأجزاء الداخليّة، حيث إنّ الإنسان يأتي بكلّ جزء داخليّ بنيّة امتثال الأمر النفسي، فإذا قال المولى: ابن مسجداً، فالمهندس أو البنّاء إنّما ينوي امتثال الأمر النفسيّ عند الاشتغال بالتخطيط و تهيئة موادّ البناء و حفر الأرض لنصب الأعمدة، فهذه الأعمال كلّها نوع امتثال للأمر النفسي، غير أنّ هذا الامتثال يتمّ بنحو تدريجي. و على جميع الأقوال فالصلاة مأمور بها.

و أمّا الشقّ الثاني: فنلتزم بأنّ الأمر يدعو إلى كلا الجزءين: الصلاة و قصد الأمر، غير أنّ داعويّة الأمر إلى متعلّقه ليست داعويّة تكوينيّة حتّى يلزم محرّكيّة الأمر لنفسه، بل داعويّة تشريعيّة التي مرجعها إلى بيان موضوع الطاعة. و على ذلك فالأمر يبيّن موضوع الطاعة و هما أمران: الصلاة و قصد الأمر. و لا ضير في ذلك. [7]

أقول: کلامه (حفظه الله) متین.

ردّان علی الإشکال[8]

الردّ الأوّل

إنّ المكلّف لا يتمكّن من الامتثال؛ إذ ليس له فعل الصلاة بداعي أمرها؛ لأنّ الأمر لم يتعلّق بنفس الصلاة فقط حسب الفرض، بل تعلّق بها مع قصد امتثال الأمر، فالأمر قد تعلّق بقصد امتثال الأمر و لو في ضمن تعلّقه بالصلاة على هذا النحو، فيلزم المكلّف أن يقصد امتثال الأمر بداعي أمره. و هذا لا يكون إلّا بعد فرض وجود الأمر قبل نفسه ليمكن القصد إلى امتثاله بداعي أمره الذي هو نفسه؛ إذ ليس في المقام إلّا أمر واحد. و هذا معنى لزوم وجود الأمر قبل نفسه. [9]

یلاحظ علیه: بالملاحظات السابقة، مع أنّ المحاليّة في مقام الجعل أو الامتثال في التکوینيّات، لا في الأمور الاعتباريّة؛ فإنّ الأمر سهل فیها، کما یشاهد في أمر الموالي للعبيد، مع جعل القصد شرطاً للإتیان و الوجدان شاهد علی ذلك و کلامهم (رحمهم الله) من قبیل الأکل من القفا.

الردّ الثاني

إنّ أخذ خصوص قصد امتثال الأمر في متعلّق الأمر يستلزم تقدّم الشي‌ء على نفسه في مرحلة الإنشاء و الفعليّة و الامتثال. و إن أخذ قصد الجهة في متعلّق الأمر لا قصد امتثال الأمر، يلزم الدور. و ذلك لأنّ قصد المصلحة يتوقّف على ثبوت المصلحة و لو فيما بعد. و المفروض أنّه لا مصلحة بدون قصدها؛ إذ قصد المصلحة يكون من أحد القيود المعتبرة و الصلاة لا تشتمل على المصلحة إلّا بعد جامعيّتها لجميع القيود المعتبرة فيها التي منها قصد المصلحة، فكما أنّ الصلاة الفاقدة للفاتحة لا يكون فيها مصلحة، كذلك الصلاة الفاقدة لقصد المصلحة لا تشتمل على المصلحة، فيلزم حینئذٍ أن تكون المصلحة متوقّفةً على القصد إليها و القصد إليها يتوقّف على ثبوتها في نفسها من غير ناحية القصد إليها، فلو جاءت من ناحية نفس القصد إليها يلزم الدور و ذلك واضح. فإذا امتنع القصد على هذا الوجه، امتنع جعل قصد المصلحة قيداً في المتعلّق، لأنّ جعل ما يلزم منه المحال محال. [10]

یلاحظ علیه: بالملاحظات السابقة

إشکال في کلام المحقّق النائیني

إنّه بناءً على تعدّد الأمر و الإرادة فلا مانع من أخذ عنوان الدعوة شطراً أو شرطاً في‌ المأمور به بأن يكون أحد الأمرين متعلّقاً بذات العمل و الأمر الآخر في طول الأمر الأوّل بإتيانها بداعي أمرها، حيث إنّه لا يرد عليه في صورة وحدة الأمر، فإذا يرى المولى بأنّ الحصّة من الذات الملازمة مع داعي الأمر فيها الغرض و المصلحة، يترشّح نحوها الإرادة قهراً من قبله، ثمّ بعد ما يرى أن لداعويّته أيضاً دخلاً في الغرض يترشّح إرادة أخرى في طول الإرادة الأولى نحو هذا الداعي، بل مثل هذا المعنى ممّا لا محيص عن الالتزام به في فرض البناء على كون الدعوة قيداً حيث إنّه لا يمكن تصحيحه إلّا بالالتزام بتعدّد الإرادة في مقام اللب. [11]

أقول: کلامه (رحمه الله) متین علی فرض تسلیم المحاليّة َفي أمر واحد.

الإشکال الثاني في الدلیل[12]

إنّ الموقوف و الموقوف عليه مختلفان، فالذي يتوقّف على الأمر هو دعوة الأمر في الخارج و الذي يتوقّف عليه الأمر هو تصوّر المولى هذه الدعوة و أمره بها. [13]

کما قال المحقّق العراقيّ (رحمه الله): «القربة إنّما تتوقّف على صدور الأمر خارجاً، لا تصوّراً؛ لاستحالة التقرّب بالعمل ما لم يكن مأموراً به فعلاً. و أمّا الأمر بالعمل القربي فهو إنّما يتوقّف على تصوّر الأمر الداعي إلى العمل، فاختلف طرفا التوقّف و بطل الدور». [14]

الإشکال الثالث في الدلیل[15]

نعم و لكن نفس الصلاة أيضاً صارت مأمورةً بها بالأمر بها مقيّدةً. [16]

دفع الإشکال

كلّا؛ لأنّ ذات المقيّد لا يكون مأموراً بها فإنّ الجزء التحليليّ العقليّ لا يتّصف بالوجوب أصلاً؛ فإنّه ليس إلّا وجود واحد واجب بالوجوب النفسي، كما ربما يأتي في باب المقدّمة. [17]

تبیین کلام المحقّق الخراساني

قال المحقّق العراقيّ (رحمه الله): «حاصله أنّ المقيّد هنا بلحاظ نفسه لا يعدّ إلّا جزءاً تحليليّاً لا خارجيّاً. و ما يقع في حيّز الأمر هي الأجزاء الخارجيّة التي يكون لكلّ جزء منها وجود منحاز بعضها عن بعض و ليست الأجزاء التحليليّة كذلك». [18]

ردّ دفع الإشکال (إشکال في کلام المحقّق الخراساني)

قال المحقّق العراقيّ (رحمه الله): «لا يخفى ما فيه؛ إذ التفرقة بين الأجزاء التحليليّة و الخارجيّة بما ذكره غير ظاهر الوجه. كيف و الكلّيّات الطبيعيّة بأسرها متعلّقة للأوامر مع أنّها متّحدة مع التشخّصات في عالم الخارج. مضافاً إلى إمكان قيام المصلحة بشي‌ء بسيط ذي حيثيّتين و يكون لكلّ منهما دخالة في حصول المصلحة، كما جاز قيام المصلحة بالمركّب الخارجيّ و يكون لكلّ واحد من أجزائها الخارجيّة دخالة في مصلحة المجموع و إذا أمكن قيام المصلحة بالمجموع، استتبع ذلك تعلّق الإرادة بالمجموع على وجه يكون جزء و حيثيّة منها واقعاً في حيّز الإرادة و يتعلّق بكلّ منها حصّة من تلك الإرادة المسمّاة بالإرادة الضمنيّة، فما المانع من قصد الامتثال بدعوة هذا المقدار من الأمر الضمنيّ المتعلّق بالعمل المقيّد بالقربة بناءً على الشرطيّة، أو المركّب معها بناءً على الجزئيّة![19]

أقول: کلامه (رحمه الله) متین، لکن لا نحتاج إلی هذه التکلّفات، کما سبق. و نشاهد في الأوامر العرفيّة إمکان الأخذ و إمکان الامتثال و مداخلة الفلسفة في الأصول توجب هذه المشکلات التي ترتفع بأدنی تأمّل في الأوامر العرفيّة.

القول الخامس: أنّ الاعتبار بمتمّم الجعل [20]

قال المحقّق النائینيّ (رحمه الله): «إنّه ينحصر كيفيّة الاعتبار بمتمّم الجعل و لا علاج له سوى ذلك، فلا بدّ للمولى الذي لا يحصل غرضه إلّا بقصد الامتثال من تعدّد الأمر بعد ما لا يمكن أن يستوفى غرضه بأمر واحد، فيحتال في الوصول إلى غرضه. و ليس هذان الأمران عن ملاك يخصّ بكلّ واحد منهما حتّى يكون من قبيل الواجب في واجب، بل هناك ملاك واحد لا يمكن أن يستوفى بأمر واحد. و من هنا اصطلحنا عليه بمتمّم الجعل، فإنّ معناه هو تتميم الجعل الأوّليّ الذي لم يستوف تمام غرض المولى، فليس للأمرين إلّا امتثال واحد و عقاب واحد». [21]

أقول: لا نحتاج إلی هذه التکلّفات، کما یصحّ للمولی بیان الأجزاء و الشرائط للمأمور به، کذلك یصحّ له بیان أنّ من الشرائط قصد الأمر و قصد القربة و لا محاليّة في البین و لا یحتاج إلی أمر جدید کي یشکل علیه و یجاب منه.

إشکال في القول الخامس

إنّ الأمر الأوّلي إن كان يسقط بمجرّد الموافقة و لو مع عدم قصد الامتثال، فلا موجب للأمر الثاني؛ إذ لا يكون له موافقة حينئذٍ. و إن كان لا يسقط، فلا حاجة إليه؛ لاستقلال العقل حینئذٍ باعتباره. [22]

دفع الإشکال

إنّ الإشكال مبنيّ على تخيّل أنّ تعدّد الأمر إنّما يكون عن ملاك يختصّ بكلّ واحد و قد عرفت: أنّه ليس المراد من تعدّد الأمر ذلك، بل ليس هناك إلّا ملاك واحد لا يمكن أن يستوفى بأمر واحد. [23]

 


[8] الإشکال الذي دفعه المحقّق الخراساني.
[12] دلیل عدم اعتبار قصد القربة في الطاعة شرعاً.
[15] دلیل عدم اعتبار قصد القربة في الطاعة شرعاً.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo