< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محسن الفقیهی

44/06/29

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: مباحث الالفاظ/ الوضع/الأمر

الثمرة الثانیة

إذا ورد «إغتسل یوم الجمعة و للجنابة» حیث إنّ واحداً منهما واجب و الآخر مستحب، فإن قلنا- في ظهور صیغة الأمر في الوجوب- بالوضع و قلنا أیضاً بأنّ استعمال اللفظ في أکثر من معنی واحد غیر جائز، فاللازم علینا أن نقول إمّا بأنّ الدلیل مجمل و إمّا بأنّ الغسل یستعمل في معنی واحد- الواجب أو الاستحباب- و حکمهما واحد؛ لکن إذا فرضنا أنّ الوجوب و الاستحباب خارجان من دائرة الوضع و الموضوع‌له، فلا إشکال في استعمال «إغتسل» مرّةً واحدةً و أحد مصادیقه الوجوب و الآخر الاستحباب.

التذنیب الثاني: في وقوع الأمر عقيب الحظر أو في مقام توهّم [1] الحظر (في حكم الأمر الوارد عقيب الحظر)

تحریر محلّ النزاع

إختلف القائلون بظهور صيغة الأمر في الوجوب وضعاً[2] أو إطلاقاً[3] فيما إذا وقع الأمر عقيب الحظر و المنع أو في مقام توهّم المنع‌؛ فذهب بعض إلی الإباحة. و ذهب بعض آخر إلی التبعیّة لما قبل الحظر. و ذهب بعض إلی الوجوب. و ذهب بعض آخر إلی أنّ حكم الشي‌ء قبل الحظر إن كان وجوباً أو ندباً كان الأمر الوارد بعده ظاهراً فيه و إن كان غير ذلك كان ظاهراً في الإباحة. و ذهب بعض إلی التوقّف. و ذهب بعض آخر إلی کون الصیغة مجملةً. و ذهب بعض آخر إلی الإباحة بالمعنی الأعمّ و لکنّ الاستحباب في خصوص العبادات.

هنا أقوال:

القول الأوّل: أنّها تدلّ علی الإباحة [4] [5] [6] [7] [8] [9] [10]

قال الشیخ المفید (رحمه الله): «إذا ورد لفظ الأمر معاقباً لذكر الحظر، أفاد الإباحة دون الإيجاب؛ كقول اللَّه- سبحانه:‌ ﴿فَإِذا قُضِيَتِ الصلاة فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ‌﴾[11] بعد قوله‌ ﴿إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى‌ ذِكْرِ اللَّهِ‌﴾[12] . [13]

و قال الفاضل التونيّ (رحمه الله): «إنّ صيغة الأمر- إذا وردت بعد الحظر أو الكراهة[14] ، أو في مقام مظنّة الحظر أو الكراهة، بل في موضع تجويز السائل واحداً منهما[15] ، كأن يقول العبد: هل أنام أو أخرج؟ أو نحو ذلك، فيقول المولى له: (إفعل ذلك)[16] - لا تدلّ إلّا على رفع ذلك المنع التحريميّ أو التنزيهيّ المحقّق أو المحتمل‌». [17]

و قال المحقّق القمّيّ (رحمه الله): «الأقوى كونه للإباحة بمعنى الرخصة في الفعل و يلزمه بيّناً رفع المنع السابق‌». [18]

قال شريف العلماء المازندرانيّ (رحمه الله): «إنّ الحقّ من حيث الأصل‌ الوقف‌ و أمّا من حيث الأدلّة الخارجيّة فالحقّ أنّ الأمر الوارد عقيب الحظر يفيد الإباحة بالمعنى الأعمّ[19] مطابقةً و إن كان الظاهر من الإطلاق‌ هو الانصراف إلى الإباحة الخاصّة، أعني تساوى الطرفين‌». [20]

و قال الحجّة التبريزيّ (رحمه الله): «إنّ الأمر بشي‌ء يكون على قسمين: فتارةً يكون في إحداث المقتضي في المكلّف و تارةً يكون برفع المانع. و أمّا إذا كان الداعي على البعث أو الطلب هو رفع المانع- كما في ما نحن فيه- لا بدّ من حمله على الإباحة. غاية الأمر لا من أجل أنّ الأمر يستعمل الصيغة في الإباحة، بل من أجل أنّ المكلّف بعد أن رفع الآمر المانع يحمله على الإباحة لأجل أنّ رفع المانع يكون مساوقاً مع الإباحة»، (إنتهی ملخّصاً). [21]

و قال المحقّق الإیروانيّ (رحمه الله): «الأمر عقيب الحظر أو النهي عقيب الأمر أو عقيب توهّمهما لا يفيدان سوى رفع ما كان، لكن بشرط التفات المولى إلى ذلك و قصده رفعهما بطلبه و ليس ذلك باستعمال الصيغة في ذلك بل من باب الكناية بذكر الملزوم و إرادة اللازم؛ حيث إنّ لازم ثبوت كلّ من الأمر أو النهي ارتفاع صاحبه». [22]

الحقّ: أنّها تدلّ علی الإباحة بالمعنی الأعمّ الشامل للوجوب و الاستحباب و الکراهة و الإباحة بالمعنی الأخص. و تعیین واحد منها یحتاج إلی دلیل و قرینة و الدلیل علی ذلك أنّ الأمر عقیب الحظر یتبادر منه رفع المنع، أمّا خصوص أحدها فلا دلیل علیه. و الأمثلة في القرآن و الروایات تشهد علی ذلك و ستأتي الأدلّة علی المدّعی.

إشکال في القول الأوّل

إنّ لازم القول بالإباحة وقوع التعارض بين الأوامر الواردة عقيب الحظر أو في مقام توهّمه و بين دليل دلّ علی وجوب متعلّق تلك الأوامر و لا أظنّ أحداً عامل معهما معاملة التعارض، فالأمر بالقتل في قوله- تعالى:‌ ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾[23] إذا كان ظاهراً في الإباحة علی ما تخيّله كان معارضاً مع ما دلّ علی وجوب قتل المشركين أينما وجدناهم و هو كما ترى‌. [24]

أقول: هذا لو کان المراد بالإباحة هو الإباحة بالمعنی الأخص. و أمّا لو کان المراد الإباحة بالمعنی الأعم، فیرتفع التعارض و یمکن الجمع بینهما.

 


[1] .منتهى ‌الدراية، المروج الجزائري، السيد محمد جعفر، ج1، ص497. فضلاً عن ظنّه و لعلّ المراد بالتوهّم ما يكون جامعاً بين الظنّ و الاحتمال و هو الشكّ المساوي و المرجوح و هو الوهم‌.
[2] يعني أنّها موضوعة للوجوب‌.
[3] يعني أنّ الصيغة منصرفة إليه‌.
[7] . ضوابط الاصول، المازندرانی، محمد شریف، ج1، ص67.
[10] المحاضرات - تقريرات، الطاهري الاصفهاني، السيد جلال الدين، ج1، ص185. (القدر المتيقّن جواز الفعل و كون العبد مرخّصاً في إتيانه‌).
[14] كذا في ب و في سائر النسخ: و الكراهة.
[15] في ط: منها.
[16] في ط: إفعل كذا.
[19] هو القدر الجامع بین الأحکام الثلاثة (الوجوب و الاستحباب و الإباحة‌ بالمعنی الأخص).
[20] . ضوابط الاصول، المازندرانی، محمد شریف، ج1، ص67.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo