< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محسن الفقیهی

44/06/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: مباحث الالفاظ/ الوضع/الأمر

المبحث الثاني: صيغة الأمر هل هي موضوعة للوجوب عند الإطلاق‌ أو أنّها موضوعة للقدر المشترك بين الوجوب و الاستحباب؟ (وضع صیغة الأمراصطلاحاً و شرعاً)

تحریر محلّ النزاع

إختلف الأصولیّون في وضع صیغة الأمر عند الإطلاق‌؛ فذهب بعض إلی أنّ صیغة الأمر حقیقة في الوجوب. و ذهب بعض آخر إلی أنّها للقدر المشترك بين الوجوب و الندب و هو الطلب. و ذهب بعض إلی أنّ الوجوب و الندب أمران خارجان عن حقيقة مدلول صیغة الأمر.

أقول: لا یخفی أنّ البحث عن الوضع یوجب کون البحث عامّاً شاملاً لکلّ الأوامر الصادرة من أيّ شخص سواء کان الله- تعالی- أو الرسول أو الأئمّة (علیهم السلام) أو غیرهم. و الوجوب و الندب الشرعيّ في أوامرهم (علیهم السلام) مورد وجود القرینة و مع وجودها یخرج البحث عن إطلاقه؛ ففهم الوجوب و الندب من مطلق الأوامر یحتاج إلی قرینة و دلیل.

هنا اقوال:

القول الأوّل: صیغة الأمر حقیقة في الوجوب[1] (الطلب الوجوبي) [2] [3] [4] [5] [6] [7] [8] [9] [10]

قال السیّد المرتضی(رحمه الله): «إنّ‌ العرف الشرعيّ المتّفق المستمرّ قد أوجب أن يحمل مطلق هذه اللفظة- إذا وردت عن اللّه- تعالى- أو عن الرسول‌(ص) على الوجوب، دون الندب». [11]

أقول: لم یثبت ذلك بعد کثرة الأوامر الواردة في المندوبات بحیث کانت أکثر من الواجبات بأضعاف.

و قال المحقّق الرشتيّ(رحمه الله): «إنّ المراد بالوجوب الذي استعملت فيه الصيغة هو الطلب المؤكّد البالغ حدّ المنع من الترك ضدّ الغير البالغ منه الحدّ المذكور؛ فإنّ الطلب و إن كان أمراً وجدانيّاً بسيطاً إلّا أنّه بحسب الشدّة و الضعف له مراتب مختلفة متشتّتة، فأوّل مرتبة الطلب و هو الغير البالغ حدّ الحتم ندب و هو أيضاً باعتبار الشدّة و الضعف له مراتب مختلفة. و من هنا اختلف مراتب المستحبّات بالتأكيد و عدمه إلى أن بلغ من التأكيد مرتبةً لا يرضى معه الطالب بتركه فيكون وجوباً حينئذٍ و له أيضاً مراتب مختلفة بعضها فوق بعض. و لذلك يحصل الاختلاف في مراتب الواجبات و يكون بعضها أهمّ من الآخر». [12]

و قال المحقّق الداماد (رحمه الله): «الصواب أنّ الصيغة وضعت لإنشاء الطلب و إيجاده في عالم الاعتبار. و هذا البعث الإنشائيّ و الطلب الموجد بالإنشاء يقتضي الفعل كالبعث الخارجيّ و إنّما يستكشف به الإرادة الوجوبيّة من جهة أنّه بما هو مقتضى للفعل و ليس فيه الإذن في الترك، فما لم يدلّ دليل علي رضا الآمر بالترك، يجب الحركة علي وفق مقتضاه و بهذا يستكشف الوجوب». [13]

أقول: إنّ الصحیح أنّ الأمر یقتضي الفعل من ناحیة الآمر فقط و الوجوب یحتاج إلی القرینة؛ فإنّ أوامر الفسّاق و الظالمین أمر یقتضي الفعل من ناحیة الآمر فقط و إن کان أمراً مبغوضاً شرعاً. هذا کلّه في مقام الوضع. و أمّا القرائن الخارجيّة ففي کلّ مورد لا بدّ من متابعتها في فهم المراد و لا دلیل علی استکشاف الوجوب.

قال بعض الأصولیّین (حفظه الله): «لا ينبغي الإشكال في أنّه إذا جاءت صيغة الأمر مطلقةً و بدون القرينة فإنّه يفهم منها الوجوب؛ كما عليه سيرة الفقهاء في الفقه في مقام العمل و الاستنباط؛ فإنّهم يعدّون صيغة الأمر حجّةً على الوجوب إذا استعملت في الكلام مجرّدةً عن القرينة. و عليه بناء العقلاء عموماً في أوامر الموالي إلى من تحت حكمهم، إنّما الكلام و الإشكال في منشأ هذا الظهور و هذه الدلالة». [14]

أقول: لا دلیل علی المدّعی؛ فإنّ الأوامر في کلّ العالم من الفرق و الأدیان المختلفة لا تدلّ علی الوجوب إلّا مع تحقّق القرائن الدالّة علی فهم المراد و بناء العقلاء موافق لمطلق الطلب إلّا إذا قامت القرینة علی خلاف ذلك.

إشکال في القول الأوّل

لا يخفى أنّ كونها موضوعةً لخصوص الوجوب فرع كونها موضوعةً لما إذا كانت للطلب الإنشائيّ الصادر عن الطلب الحقيقيّ و قد تقدّم التردّد فيه. [15]

أقول: بل الدلیل علی خلاف الوجوب من حیث الوضع.

أدلّة القول الأوّل

الدليل الأوّل: الآيات

فمنها: قوله- تعالى‌: ﴿ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ‌﴾[16]

إستدلّ بها بعض الأصوليّين. [17] [18] [19]

قال إبن الشهید الثاني (رحمه الله): «لنا وجوه‌: ... الثاني قوله- تعالى- مخاطباً لإبليس‌ ﴿ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ‌﴾ و المراد بالأمر اسْجُدُوا في قوله- تعالى‌: ﴿وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ﴾ فإنّ هذا الاستفهام ليس على حقيقته؛ لعلمه- سبحانه- بالمانع و إنّما هو في معرض الإنكار و الاعتراض و لو لا أنّ صيغة اسْجُدُوا للوجوب، لما كان متوجّهاً». [20] [21] [22]

أقول: فإنّ الآیة تدلّ علی کون أمر الله- تعالی- للملائکة یدلّ علی الوجوب و المذمّة لتارکه لا أزید، فإنّ هذا الأمر محفوف بقرائن الوجوب قطعاً.

 


[1] موضوعة للوجوب.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo