< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محسن الفقیهی

44/05/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: مباحث الالفاظ/ الوضع/الأمر

دلیلان علی القول الثالث

الدلیل الأوّل: التبادر [1] [2]

قال الإمام الخمینيّ (رحمه الله): «الظاهر أنّ المتبادر من صيغة الأمر هو البعث و الإغراء الاعتباري في عالم‌ الاعتبار- أعني في دائرة المولوية و العبودية- و المعاني الكثيرة التي عدّت لصيغة الأمر ليست معانيها، و لم توضع الهيئة لها، و لم تستعمل فيها في عرض استعمالها في البعث و الإغراء.

بل هي مستعملة فيها مجازاً على حذو سائر الاستعمالات المجازية؛ حيث لم يستعمل اللفظ فيها في غير ما وضع له، بل استعمل فيما وضع له؛ ليتجاوز منه إلى المعنى المراد جدّاً؛ للعلاقة». [3]

الدلیل الثاني

قال المحقّق الخوئيّ (رحمه الله): «الصيغة ظاهرة في البعث و التحريك عند عدم القرينة إمّا لأنّه حقيقة فيه أو لانصرافه إليه». [4]

القول الرابع: أنّ معنی صیغة الأمر الحکایة عن حقيقة الارادة الموجودة في النفس[5]

قال الحائري اليزدي (رحمه الله): «إنّ الانشائيات موضوعة لان تحكى عن حقائق موجودة في النفس؛ مثلاً: هيئة افعل موضوعة لان تحكى عن حقيقة الارادة الموجودة في النفس، فاذا قال المتكلم: اضرب زيدا و كان في النفس مريدا لذلك فقد اعطت الهيئة المذكورة معناها، و اذا قال ذلك و لم يكن مريدا واقعا فالهيئة المذكورة ما استعملت في معناها، نعم بملاحظة حكايتها عن معناها ينتزع عنوان آخر لم يكن متحققا قبل ذلك، و هو عنوان يسمى بالوجوب، و ليس هذا العنوان المتاخر معنى الهيئة، اذ هو منتزع من كشف اللفظ عن معناه و لا يعقل ان يكون عين معناه». [6]

إشکال و جواب

الإشکال

إنّه قد يؤتى بالالفاظ الدالة على المعاني الانشائية، و ليس في نفس المريد معانيها، مثلا، قد يصدر من المتكلم صيغة افعل كذا في مقام امتحان العبد او في مقام التعجيز و امثال ذلك، و قد يتكلم بلفظة ليت و لعل و لا معنى في النفس يطلق عليه التمنى او الترجى، فيلزم مما ذكرت أن تكون الالفاظ في الموارد المذكورة غير مستعملة اصلا او مستعملة في غير ما وضعت له، و الالتزام بكل منهما لا سيما الأوّل خلاف الوجدان. [7]

الجواب

إنّ تحقق صفة الارادة او التمنى او الترجى في النفس قد يكون لتحقق مباديها في متعلقاتها، كمن اعتقد المنفعة في ضرب زيد فتحققت في نفسه ارادته، او اعتقد المنفعة في شي‌ء مع الاعتقاد بعدم وقوعه فتحقّقت في نفسه حالة تسمى بالتمنى، او اعتقد النفع في شي‌ء مع احتمال وقوعه فتحققت في نفسه حالة تسمى بالترجى، و قد يكون تحقق تلك الصفات في النفس لا من جهة متعلقاتها بل توجد النفس تلك الصفات من جهة مصلحة في نفسها، كما نشاهد ذلك وجدانا في الإرادة التكوينية قد توجدها النفس لمنفعة فيها مع القطع بعدم منفعة في متعلقها و يترتب عليها الاثر. [8]

أقول: إنّ الحکایه إنّما تکون في النسب الخبریّه لا الإنشائیّه، لأنّها إنّما کانت لإنشاء البعث والتحریك نظیر البعث والتحریك بالعمل .نعم ، یفهم بالملازمه بواسطه التحریك نحو المطلوب، کون المأمور به مطلوباً له ومراداً منه ، و لابدّ علي المکلّف القیام بإحضاره.

القول الخامس: أنّ معنی صیغة الأمر هي النسبة الإیقاعیة [9]

قال المحقّق النائینيّ (رحمه الله): «إنّ هيئته[10] انّما تدلّ على النّسبة الإيقاعيّة، من دون ان تكون الهيئة مستعملة في الطّلب، أو في التّهديد، أو غير ذلك من المعاني المذكورة للهيئة». [11]

دلیل القول الخامس

[صیغة الأمر إنّما تدلّ على النسبة الإيقاعيّة][12] لوضوح انّه ليس معنى اضرب: أطلب، و لا أهدد، و لا غير ذلك. بل الطّلب، و التّهديد، و التّعجيز، انّما تكون من قبيل الدّواعي لإيجاد النّسبة الإيقاعيّة بقوله: افعل. و من هنا تمحّضت صيغة افعل للإنشاء. [13]

أقول: لا دلیل علیه؛ فإنّ معنی إضرب هو البعث إلیه و محض الإنشاء بدون البعث و أمثاله مهمل لا معنی له و لایصحّ الوضع للمهمل.

القول السادس: أنّ معنی صیغة الأمر هي النسبة الإرسالیّة [14]

قال المحقّق العراقيّ (رحمه الله): «إنّ الصيغ المزبورة بهيئتها حاكية عن نحو نسبة بين الفاعل و المبدأ (أي) بنسبة إرساليّة [هي‌] شأن من يبعث إلى شي‌ء و يحرّك نحوه. و هذه النسبة قائمة بالمفهومين كما هو شأن المفاهيم الحرفيّة الحاكية عمّا بإزائها من التحريك و البعث الخارجيّ في عالم التصوّر و ان انفكّ عنه في عالم التصديق، كما هو الشأن في كلّ مفهوم؛ غاية الأمر فرض ظهور الكلام و احتمال مطابقة هذا الظهور مع الخارج يستفاد منه البعث الملازم للطلب من الأمر خارجاً. ... امّا في الصيغ فليس دلالتها على الطلب إلّا بتوسيط مفاد الهيئة و معلوم انّ مفاد الهيئة ليس إلّا نسبة إرساليّة بين الفاعل و المبدأ». [15]

أقول: لا دلیل علیه، بل هو ادّعاء صرف؛ لأنّ النسبة بین الفاعل و المبدأ لا بدّ أن تتحقّق بالبعث و نحوه و إلّا لا تحقّق لها أصلاً. و کلّ أمر تحقّق في الخارج لا بدّ أن تتحقّق معه نسبة.

أقول: یمکن أن یقال إنّ کلام المحقّق الخراسانيّ هو رأي المشهور و مطابق لفهم المشهور من الإنشاء و له خاصیّتان.

الإنشاء عبارة عن ایجاد المعنى باللفظ.

2- لو کان الأمر بداعي البعث فهو بمعناه الحقيقي نفسه يصبح الحقيقة و هذا لا شكّ فیه. لکن قال المحقّق النائینيّ و المحقّق العراقيّ و المحقّق الاصفهانيّ: النسبة الطلبیّة أو الإیقاعیّة أو الإرسالیّة ترجع بالطبع إلی حقیقة واحدة و هي النسبة بین الطالب و المطلوب التي عبّرنا منها من حیث الطلب النسبة الطلبیّة و من حیث البعث النسبة المحرّکیّة و من حیث الإیقاع الصادر من الآمر النسبة الإیقاعیّة.

تلك الآراء الثلاثة التي لها محلّ اجتماع واحد و هي عبارة عن النسبة بالتعابیر المختلفة من الطلبیّة أو الإیقاعیّة أو الإرسالیّة و المحرکیّة ترجع في الحقیقة إلی محور واحد.

أقول: فیمکن إرجاع کلماتهم إلی کلام المحقّق الخراسانيّ و یکون الاختلاف في التعبیر.

الجمع بین رأي المحقّق الخراسانيّ و المشایخ الثلاث (المحقّق النائینيّ و المحقّق العراقيّ و المحقّق الاصفهاني)

أقول: إن لاحظنا صیغة الأمر باعتبار الدالّ صار «إنشاء الطلب» و إن لاحظناها باعتبار المدلول صار «النسبة الطلبیّة» و الفرق بین النسبة الطلبیّة و انشاء الطلب مثل الفرق بین الإیجاد و الوجود.

نکتة: في ظهور صیغة الأمر بدون القرینة في المعاني المختلفة

أقول: إن استعملت صیغة الأمر بدون القرینة فهي ظاهرة في أيّ معنی من المعاني أو أيّ داعٍ من الدواعي المختلفة المذکورة؟ مثلاً: إذا أمر الشارع بالجلوس و عبّر ب «إجلس» و لم تکن هناك قرینة علی تعیین المراد، فهل الأمر ظاهر في البعث الحقیقيّ أم في التعجیز أو في التهدید؟ یجب أن یقال في جواب هذا السؤال: لا شکّ في أنّه إذا أستعملت صیغة الأمر بدون القرینة فهي ظاهرة في البعث الحقیقي و لا خلاف في هذا المورد بین المباني المختلفة للمعنی الموضوعة له صیغة الأمر و إن کان هنا اختلاف في وجه هذا الظهور بین المباني المختلفة.

وجه ظهور الأمر في البعث الحقیقي- بناءاً علی نظریّة أصالة الحقیقة- هي أصالة الحقیقة و وجهه فیه- بناءاً علی الانصراف العرفي- هو انصراف صیغته إلی البعث الحقیقي إلّا أنّ المراد من الانصراف لا یمکن لجهة الکثرة الخارجيّة بل وجب أن یکون منشأ الانصراف هي المحاورات العرفیّة.

القول السابع: أنّ معنی صیغة الأمر هو النسبة الإرساليّة الإيقاعيّة [16]

دلیل القول السابع

إنّ صيغة اضرب مثلا لما كانت مشتملة على مادّة و هيئة خاصّة فمادّتها تدلّ حسب الوضع النوعيّ على نفس الحدث و امّا هيئتها الخاصة فهي أيضاً لا تدلّ الا على النسبة الإرساليّة و المحركيّة بين المبدأ و الفاعل و حينئذ فلا يكون المستعمل فيه في الصيغة الا النسبة الإرسالية لا مفهوم الطلب و عليه فلا بدّ و ان يكون دلالتها على الطلب من جهة الملازمة خاصّة الناشئ هذا التلازم من جهة كون المتكلّم في مقام الجدّ بالإرسال، إذ حينئذ ينتقل الذّهن من تلك النّسبة الإرساليّة إلى مفهوم الطلب بانتقال تصوّري و حينئذ فحيث انّ اللفظ كان وجها للمفهوم و كان المفهوم وجها لمنشئه و كان بين المنشأين و هما البعث و الإرسال الخارجي و الإرادة الحقيقية ملازمة- في مرحلة الخارج- فينتقل الذّهن عند تصوّر أحد المفهومين من جهة كونه وجها لمنشئه إلى مفهوم الآخر، كذلك (يعنى من حيث كونها أيضاً وجها لمنشئه) بانتقال‌ تصوري و لو لم يكن للمنشإ وجود في الخارج أصلا بل كان المنشأ مما يقطع بعدم وجوده خارجا. نعم في مقام التّصديق لا بدّ من إحراز كون المتكلم في مقام الجد بالإرسال و لو بالأصل ليحرز به وجود الإرادة و تحققها فيصدق عليه الطلب و الأمر حقيقة. فعلى ذلك فدلالة الصيغة على الطلب انّما هي باعتبار كونه من لوازم ما هو المدلول لا انّها من جهة كونه بنفسه هو المدلول للصيغة، و بين الأمرين بون بعيد. بناء على تغاير المعنى و الموضوع له فيهما[17] - كما سلكناه بجعل معاني الحروف و الهيئات النسب و الإضافات الخاصة المتقوّمة بالطرفين- لا محيص من دعوى انّ المدلول في الصيغة هو النسبة الإرسالية الإيقاعيّة، و عليه فكان دلالتها على الطلب باعتبار كونه من لوازم المدلول، لا من جهة كونه هو المدلول لها، (إنتهی ملخّصاٌ). [18]

أقول: لا دلیل علیه، بل هو ادّعاء صرف؛ فإنّ النسبة الإرسالیّة بین الفاعل و المبدأ لا تحقّق لها خارجاً و ما لم یتشخّص لم یوجد و العرف لا یقبل هذه التدقیقات؛ فإنّ العرف یفهم من إضرب البعث نحو الضرب و لکن لیس مساوقاً للطلب، حیث إنّ الطلب قد یستعمل مثل طالب العلم و لا بعث فیه من شخص فلیس کلّ طلب بعثاً و إن کان فی البعث طلب غالباً إذا کان البعث حقیقیّاً.

القول الثامن: أنّ صیغة الأمر موضوعة للنسبة الطلبيّة أو البعثیّة [19] [20]

قال الشیخ حسین الحلّيّ (رحمه الله): «لا يخفى أنّ مفاد الهيئة إذا كان هو النسبة الايقاعية، يعني إيقاع المادة في عالم التشريع على عاتق المكلف الذي هو عبارة عن بعثه إليها، فإن كان ذلك البعث بداعي انبعاث المكلف، بحيث كان انبعاثه إليها هو العلّة الغائية من ذلك البعث الانشائي و يعبّر عنه بالغرض من ذلك البعث، كان ذلك مصداقا لمفهوم الطلب، و إن كان بداعي التهديد و الاختبار أو التهكم، كان مصداقا لمفهوم التهديد أو الاختبار أو التهكم». [21]

دلیل القول الثامن

قال الشیخ المظفر (رحمه الله): «إنّ مدلول هيئة الأمر و مفادها هو النسبة الطلبيّة و إن شئت فسمِّها النسبة البعثيّة؛ لغرض إبراز جعل المأمور به- أي المطلوب- في عهدة المخاطب، و جعل الداعي في نفسه و تحريكه و بعثه نحوه. غير أنّ هذا الجعل أو الإنشاء يختلف فيه الداعي له من قبل المتكلّم. فتارة: يكون الداعي له هو البعث الحقيقي و جعل الداعي في نفس المخاطب لفعل المأمور به، فيكون هذا الإنشاء حينئذٍ مصداقاً للبعث و التحريك و جعل الداعي، و اخرى: يكون الداعي له هو التهديد، فيكون مصداقاً للتهديد و يكون تهديداً بالحمل الشائع. و ثالثة: يكون الداعي له هو التعجيز، فيكون مصداقاً للتعجيز و تعجيزاً بالحمل الشائع. و هكذا في باقي المعاني المذكورة و غيرها»، (إنتهی ملخّصاً). [22]

إشکال في کلام الشیخ المظفّر (مدلول هيئة الأمر و مفادها هو النسبة الطلبيّة و إن شئت فسمِّها النسبة البعثيّة)

إنّ الطلب هو السعي في الخارج للإيصال إلى المطلوب و لا شكّ في‌ أنّه واقعيّة من الواقعيّات المحسوسة، و هو لا يكون قابلا للإنشاء، إلّا أنّ الآمر يوجد مصداقا للطلب بسبب الإنشاء؛ إذ الأمر نوع من الطلب كما مرّ، فنفس إصدار الأمر مصداق للطلب، و لا بحث فيه، و البحث في المرحلة السابقة عليه، و هي: أنّ الذي يتعلّق به الإنشاء و الذي ينشأ بصيغة «افعل» ما هما؟ فيكون متعلّق الإنشاء و الطلب القولي هو البعث و التحريك الاعتباري، و هما مغايران للطلب الذي هو أمر واقعي، مع أنّه ليس لنا طلب اعتباري أصلا، فلا يمكن تسمية البعث و التحريك بالطلب.

و يؤيّده اختلاف الطلب مع البعث في المشتقّات؛ لأنّ مادّة الطلب لا تحتاج إلى تعدّد الشخص، بخلاف مادّة البعث فإنّها تحتاج إلى شخصين الباعث و المبعوث، بخلاف الطالب كما ترى في طالب العلم و طالب الدنيا و أمثالهما.

نعم، قد يعبّر عن المأمور و المبعوث بالمطلوب منه، و لكن ليس له أساس في اللغة، بل هو جعل للسهولة في التعبير. [23]

القول التاسع: صيغة الأمر موضوعة لإبراز أمر نفساني [24]

قال المحقّق الخوئيّ (رحمه الله): «أمّا على المختار من أنّ الانشاء عبارة عن ابراز الاعتبار النفساني، على ما تقدّم تفصيله في مقام الفرق بين الخبر و الانشاء، ...، إذ بعد كون الصيغة موضوعةً لإبراز أمر نفساني، فلا محالة يختلف المبرز- بالفتح- باختلاف الموارد، فتارة يكون المبرز هو اعتبار المادة في ذمّة المخاطب، و اخرى يكون هو التهديد، و ثالثة يكون التعجيز، الى غير ذلك من المعاني المذكورة، فالصيغة مستعملة في هذه الامور و مبرزة لها، الّا أنّها مستعملة في معنى واحد، و كانت هذه الامور من الدواعي». [25]

إشکال في القول التاسع

لا بد من أن نستبعد من أنّها موضوعة بإزاء إبراز اعتبار نفساني هو اعتبار الفعل في ذمة المكلف‌ فان هذا مبني على مسلكه في باب الوضع و هو مسلك التعهد و الّذي كان يقتضي كون الدلالة الوضعيّة تصديقية لا تصورية. اما على المسلك الصحيح من أنّ الدلالات الوضعيّة تصورية فلا بد من تشخيص ما هو المعنى التصوري الموضوع له صيغة الأمر قبل الانتهاء إلى المعنى التصديقي في نفس المتكلم الّذي يكشف عنه الظهور الحالي (إنتهی ملخّصاً). [26]

دلیل القول التاسع: التبادر

قال المحقّق الخوئيّ (رحمه الله): «إنّ المتبادر من الصيغة عند اطلاقها حسب متفاهم العرف هو ابراز اعتبار الفعل على ذمّة المخاطب، و أمّا ابراز غيره من التهديد و نحوه، فيحتاج الى نصب قرينة، بحيث لو اعتذر المخاطب عن المخالفة باحتمال التهديد أو التسخير أو التعجيز لا يعدّ معذورا عند العرف، بل يعدّ عاصياً عندهم ». [27]

تقارب رأي المحقّق الخوئيّ مع سائر المحقّقین

أقول: یمکن أن نجمع أیضاً بین «ابراز الاعتبار النفساني» و «الإنشاء»، بمعنی أنّ الاعتبار النفسانيّ للمولی هو جعل الحکم. الإبراز هو أن یبرز للمکلّف أنّ التکلیف في ذمّته. هل یوجد فرق بین إبراز المعنی و انشاء الطلب في الواقعيّة العینيّة؟ إذا نظرنا بالدقّة العقلائيّة و الأصولیّة نجد أنّ إبراز جعل الحکم هو في الحقیقة إنشاء للطلب الموجود في ذهن المولی؛ لذا لم نستطع أن نقارب المعنیین بحسب التعابیر لکن استطعنا بالنظر إلی المعاني أن نقول: إنّ إبراز جعل التکلیف و إبراز الاعتبار النفسانيّ هما إنشاء الطلب في المعنی و الواقعیّة العینیّة. فإذن ینطبق هذان المبنائان معاً بلحاظ واقعیّة المعنی.

القول العاشر: صيغة الأمر موضوعة للنسبة الإرسالية و الدفعيّة و الإلقائية و التحریکیّة [28]

قال الشهید الصدر (رحمه الله): «صيغة الأمر موضوعة للنسبة الإرسالية و الدفعيّة و الإلقائية و نحو ذلك من التعابير. فان الإلقاء و الدفع له فرد حقيقي تكويني و هو ما إذا دفع شخص شخصا في الخارج نحو شي‌ء في الخارج و له فرد عنائي تكويني كما لو دفعه بيده نحو عمل من الأعمال كما إذا ألقاه على الكتاب لكي يطالع فهو إلقاء تكويني حقيقي على الكتاب و دفع تكويني عنائي له نحو المطالعة و هذا الدفع يولد نسبة مخصوصة بين المدفوع و هو زيد و المدفوع نحوه و هو المطالعة و هذه النسبة نسميها بالنسبة الإرسالية و الدفعيّة و التحريكية و ندعي انها مفاد صيغة الأمر و هذا يعني ان هيئة الأمر تدل دلالة تصورية مطابقية على النسبة الإرسالية و تدل دلالة تصورية بالملازمة و في طول الدلالة الأولى على الإرادة و لذلك حتى إذا سمعنا الأمر من الجدار انتقش في الذهن الإرسال و الإرادة تصورا و يوجد وراء هذين المدلولين التصوريين مدلول تصديقي إذا كان صادرا من عاقل و هو الكشف عن وجود إرادة في نفس المتكلم». [29]

إشکال في القول العاشر

أوّلاً: أنّ النسبة الإرسالية و الدفعيّة ليست نسبة بين شيئين و انما هي عبارة عن نسبة الدفع و الإرسال كحدث إلى فاعله أو مفعوله.

و ثانياً: لا ينبغي الإشكال وجدانا في دلالة فعل الأمر على نسبة صدور الحدث أي المبدأ من الفاعل أيضاً كدلالة فعل المضارع و الماضي فإذا افترض وجود نسبة أخرى في مفاده لزم دلالته على نسبتين في عرض واحد و هو غريب في بابه.

و ثالثاً: ان هذه النسبة الناقصة حالها حال سائر النسب الناقصة من حيث انها مجرد مدلول تصوري لنسبة خارجية فمن أين تنشأ خصوصية الإنشائية في فعل الأمر بحيث لا يصح استعماله في مقام الاخبار عن وقوع هذه النسبة خارجا فان كان ذلك على أساس تعلق الإرادة و الطلب بها فالإرادة مدلول تصديقي و الكلام في مرحلة المدلول التصوري و الّذي لا إشكال في انحفاظ الإنشائية فيها.

و ان كان من جهة ان هذه النسبة لوحظت في وعاء الطلب و الاستدعاء فهو مضافا إلى رجوعه للاحتمال السابق. فيه: ان الوعاء انما يكون مقوما للنسب الذهنية التامة لا الخارجية الناقصة على ما تقدم في محله. و ان كان من جهة ان صيغة الأمر تخطر في ذهن المخاطب ان المتكلم يرسله بالفعل نحو العمل فكأنه قال له أرسلك إنشاء فهذا يعني ان الإنشائية تحصل في طول الاستعمال و ليست محفوظة في مرحلة المعنى المستعمل فيه نظير بعت إنشاء فيرد الإشكال بأنه لما ذا لا يصح اذن استعمال فعل الأمر في مقام الاخبار عن النسبة الإرسالية طالما ان المعنى المستعمل فيه واحد فلا يبقى وجه للفرق الا ما ذهب إليه المشهور من ان هذه الأدوات موضوعة لإيجاد معانيها في الخارج بمعنى انها لا تخطر صدور النسبة من الفاعل إلى ذهن المخاطب بل توجد إحساسا و استجابة خاصة عنده نحو المعنى نظير الإحساس بالاندفاع في باب الأمر باليد و الإشارة أو التنبيه في النداء فهي أدوات إيجادية و ليست إخطارية. [30]

دلیل القول العاشر

إنّ أصالة التطابق بين المدلول التصوري و المدلول التصديقي أصل عقلائي في باب الظهورات. [31]

إشکال في الدلیل

إنّ أصالة التطابق تجري بلحاظ ما هو المدلول التصوري للفظ لا المداليل التصورية الالتزامية الخارجة عنه و المقتنصة في طول المداليل التصديقية التي هي ظهورات حالية كما في المقام و لعل الأولى ان يقال بان النسبة الإرسالية و الدفعيّة تتناسب سنخا و مفهوما مع الإرادة و الطلب فتجري أصالة التطابق بلحاظ المدلول التصوري للفظ ابتداء. [32]

 


[10] . أي: صیغة الأمر.
[12] . الزیادة منّا.
[17] . الحروف و الأسماء.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo