< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محسن الفقیهی

44/05/17

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: مباحث الالفاظ/ الوضع/الأمر

الاشكال الرابع (الإشکال في القول الثاني و في کلام المحقّق الخراساني «بل لم يستعمل إلّا في إنشاء الطلب»)

إنّ صيغة اضرب (مثلاً) لما كانت مشتملة على مادّة و هيئة خاصّة فمادّتها تدلّ حسب الوضع النوعيّ على نفس الحدث و امّا هيئتها الخاصة فهي أيضاً لا تدلّ الا على النسبة الإرساليّة و المحركيّة بين المبدأ و الفاعل و حينئذ فلا يكون المستعمل فيه في الصيغة الا النسبة الإرسالية لا مفهوم الطلب و عليه فلا بدّ و ان يكون دلالتها على الطلب من جهة الملازمة خاصّة الناشئ هذا التلازم من جهة كون المتكلّم في مقام الجدّ بالإرسال، إذ حينئذ ينتقل الذّهن من تلك النّسبة الإرساليّة إلى مفهوم الطلب بانتقال تصوّري و حينئذ فحيث انّ اللفظ كان وجها للمفهوم و كان المفهوم وجها لمنشئه و كان بين المنشأين و هما البعث و الإرسال الخارجي و الإرادة الحقيقية ملازمة- في مرحلة الخارج- فينتقل الذّهن عند تصوّر أحد المفهومين من جهة كونه وجها لمنشئه إلى مفهوم الآخر، كذلك (يعنى من حيث كونها أيضاً وجها لمنشئه) بانتقال‌ تصوري و لو لم يكن للمنشإ وجود في الخارج أصلا بل كان المنشأ مما يقطع بعدم وجوده خارجا. نعم في مقام التّصديق لا بدّ من إحراز كون المتكلم في مقام الجد بالإرسال و لو بالأصل ليحرز به وجود الإرادة و تحققها فيصدق عليه الطلب و الأمر حقيقة. فعلى ذلك فدلالة الصيغة على الطلب انّما هي باعتبار كونه من لوازم ما هو المدلول لا انّها من جهة كونه بنفسه هو المدلول للصيغة، و بين الأمرين بون بعيد، (إنتهی ملخّصاٌ). [1]

الاشكال الخامس (قصارى ما يمكن أن يدعى...)

إنّ مقصوده من أنّ الصيغة موضوعة لإنشاء الطلب فيما إذا كان بداعي البعث أن يكون داعي البعث مأخوذا في المستعمل فيه قيدا أو جزء، فيلزم أن يقع فيما فرّ منه، لأنّه قال: لا يعقل أن يؤخذ الاستعمال في المستعمل فيه للزوم الدور، و الحال أنّ هذا من هذا القبيل، لأنّ دواعي البعث يكون من مقوّمات الاستعمال فكيف يعقل أن يؤخذ في المستعمل فيه؟ و إن كان غرضه أنّ هذا لم يكن جزء للموضوع له و المستعمل فيه، بل يكون حالا للموضوع له أو المستعمل فيه بمعنى أنّ الصيغة يكون موضوع للطلب في حال كونه بداعي البعث فعلى هذا يلزم أن يكون استعماله في غير الحال غلط لا أن يكون مجازا لمدخلية هذه الحالة فيه، لما قلنا بأنّ صحّة استعمال اللفظ فيما يناسب أي وضع له يكون بالوضع لا بالطبع.[2] (إنتهی ملخّصاً).

قال المحقّق الداماد (رحمه الله): «الحقّ أنّ الصيغة في جميع ذلك لم تستعمل الا في انشاء الطلب الّذي هو الموضوع له تلك الصيغة؛ غاية الامر ان انشاء الطلب كما قد يكون بداعى التحريك نحو العمل قد يكون لاغراض أخر، و اختلاف الغرض لا يوجب الاختلاف في المستعمل فيه، و كذا الحال في سائر الصيغ الانشائية»، (إنتهی ملخّصاً). [3]

قال بعض الأصولیّین (حفظه الله): «لا إشكال في أنّها وضعت للطلب الإنشائي و بتعبير المحقّق الخراساني رحمه الله لانشاء الطلب، و على تعبير بعض الأعاظم لنفس البعث و الاغراء (فإنّها تعابير مختلفة و المقصود واحد) فإنّه‌ تارةً يطلب الإنسان شيئاً بنفسه مباشرة فيتحرّك نحو الماء مثلًا لرفع العطش بنفسه، و اخرى‌ يطلبه بالتسبيب، و الثاني على قسمين: تارةً يحرّك الإنسان الشخص المأمور نحو المأمور به بحركة تكوينيّة فيبعثه نحو العمل بعثاً خارجياً و يدفعه بقوّة يده مثلًا، و اخرى‌ يحرّكه و يبعثه نحو العمل بإبراز إرادته و طلبه النفساني بلفظ خاصّ، و من الألفاظ التي يستعملها الإنسان في القسم الثاني صيغة الأمر فإنّها لفظ ينشأ بها الطلب، و يتوسّل به إلى مطلوبه.

ثمّ إنّ دواعي هذا البعث و الإنشاء مختلفة: فتارةً يكون الداعي فيه الإيجاد في الخارج جدّاً، فيكون الطلب طلباً جدّياً، و اخرى لا يكون بداعي الجدّ بل بداعي الهزل أو التحقير أو التعجيز أو التهديد أو التمنّي أو الترجّي، و لكنّه لا يوجب الاختلاف في المستعمل فيه بل إنّه في جميع هذه الموارد واحد، و هو البعث و الطلب، و التفاوت إنّما هو في الداعي فحسب.

فقولك: أقم الصّلاة، لا يختلف عن قولك «اعمل ما شئت»! في أنّ المستعمل في كليهما هو الطلب الإنشائي، و الفرق بينهما إنّما هو في أنّ الداعي لقولك الأوّل إنّما هو الجدّ و إيجاد العمل في الخارج حقيقة، و في الثاني التهديد و إيجاد الخوف الرادع العمل. و حينئذٍ يكون الاستعمال في جميعها حقيقيّاً و لا مجاز في البين أصلاً»، (إنتهی ملخّصاً). [4]

إشکال في کلام بعض الأصولیّین (إنّها تعابير مختلفة و المقصود واحد)

أقول: إنّ المقصود لیس بواحد؛ کما صرّح بالاختلاف المحقّق الإیرواني، کما مرّ في إشکال المحقّق المذکور في القول الثاني و هو قول المحقّق الخراسانيّ و هو کون معنی صیغة الأمر إنشاء الطلب و ذهب المحقّق الإیروانيّ إلی أنّ معنی صیغة الأمر هو البعث الخارجي.

مضافاً إلی ما قال به بعض الأصولیّین و هو: أنّ الطلب هو السعي في الخارج للإيصال إلى المطلوب و لا شكّ في‌ أنّه واقعيّة من الواقعيّات المحسوسة، و هو لا يكون قابلا للإنشاء، إلّا أنّ الآمر يوجد مصداقا للطلب بسبب الإنشاء؛ إذ الأمر نوع من الطلب كما مرّ، فنفس إصدار الأمر مصداق للطلب، و لا بحث فيه، و البحث في المرحلة السابقة عليه، و هي: أنّ الذي يتعلّق به الإنشاء و الذي ينشأ بصيغة «افعل» ما هما؟ فيكون متعلّق الإنشاء و الطلب القولي هو البعث و التحريك الاعتباري، و هما مغايران للطلب الذي هو أمر واقعي، مع أنّه ليس لنا طلب اعتباري أصلا، فلا يمكن تسمية البعث و التحريك بالطلب.

و يؤيّده اختلاف الطلب مع البعث في المشتقّات؛ لأنّ مادّة الطلب لا تحتاج إلى تعدّد الشخص، بخلاف مادّة البعث فإنّها تحتاج إلى شخصين الباعث و المبعوث، بخلاف الطالب كما ترى في طالب العلم و طالب الدنيا و أمثالهما.

نعم، قد يعبّر عن المأمور و المبعوث بالمطلوب منه، و لكن ليس له أساس في اللغة، بل هو جعل للسهولة في التعبير. [5]

إشکالات في القول الثاني

الإشکال الأوّل

ليست الهيئة موضوعةً لايجاد الطلب الانشائي كي يكون حالها في ذلك حال حرف الجر مثل «من» الموضوعة لإيجاد الابتداء، و يكون‌ إعمالها فيه مصداقاً لمفهوم الابتداء، و يكون الفرق بين إعمال الصيغة في إيجاد الطلب و مفهوم الطلب هو الفرق بين ما توجد لفظة «من» و ما هو مفهوم لفظ الابتداء. نعم هي بالنسبة إلى ما توجده من النسبة الايقاعية و مفهوم النسبة من قبيل لفظة «من» و لفظ الابتداء و لفظة «يا» و لفظة النداء، (إنتهی ملخّصاً). [6]

الإشکال الثاني

أمّا أنّها موضوعة لإنشاء الطلب‌ فغير واضح المراد؛ إذ المقصود من الطلب إن كان هو الطلب الحقيقي الذي هو عين الإرادة على مسلك صاحب الکفایة فيصير مآله أنّها لإنشاء الإرادة - فهو واضح الفساد؛ إذ لا معنى لإنشاء الإرادة التي هي أمر تكويني، أوّلًا. و يلزم أن يكون معنى «اضرب» هو اريد منك الضرب، مع أنّ التبادر على خلافه، ثانياً. و إن كان المراد هو الطلب الإيقاعي – ففيه : أنّا لا نتصوّر هنا غير البعث و الإغراء شيئاً آخر حتّى نسمّيه طلباً إغرائياً، و لو فرض له معنى محصّل فيرد بحكم التبادر؛ إذ هو غير متبادر من الهيئة، (إنتهی ملخّصاً مع التصرّف). [7]

الإشکال الثالث

إنّ الانشاء عبارة عن ابراز الاعتبار النفساني، على ما تقدّم تفصيله في مقام الفرق بين الخبر و الانشاء،[8] فلا يصحّ ما ذكره، اذ بعد كون الصيغة موضوعة لابراز أمر نفساني، فلا محالة يختلف المبرز- بالفتح- باختلاف الموارد، فتارة يكون المبرز هو اعتبار المادة في ذمّة المخاطب، و أخرى يكون هو التهديد، و ثالثة يكون التعجيز، إلى غير ذلك من المعاني المذكورة. [9]

دلیل القول الثاني

ضرورة عدم استعمال صيغة الأمر فيما توهم أنّه من معانيها كالتسخير و التعجيز و الإنذار و غيرها، و عدم الانسلاخ في صيغة التمنّي و الترجي و استعمالهما في غيرهما فيما إذا وقعت في كلامه تعالى، و كذلك الألفاظ الموضوعة للاستفهام انّما تكون‌ موضوعة لإيجاد الاستفهام، و لا زال تكون مستعملة فيه، و ليس عنوان التقرير و الإنكار و غيرهما من معاني صيغ الاستفهام و لا مستعملا فيهما، بل انّما تكون تلك العناوين من جملة الدواعي لإيجاد الطلب في صيغة الأمر، و إيجاد التمني و الترجي في صيغتهما، و إيجاد الاستفهام في صيغة». [10]


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo