< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محسن الفقیهی

44/05/02

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: مباحث الالفاظ/ الوضع/الأمر

هنا مطلب: في اتّحاد الطلب و الإرادة و عدمه

تحریر محلّ النزاع[1]

إختلف الأصولیّون في أنّ الطلب المأخوذ في مفهوم لفظ الأمر هل هو عين الإرادة أو غيرها؟ و في فرض التغایر كيف یکون التغایر؟ فذهب بعض إلی أنّ الطلب و الإرادة متّحدان. و ذهب بعض آخر إلی أنّهما متّحدان مفهوماً و إنشاءً و خارجاً. و ذهب بعض إلی أنّهما متّحدان بحسب المصداق و مختلفان بحسب المفهوم. و ذهب بعض آخر إلی اتّحاد الطلب مع الإرادة التشريعية. و ذهب بعض إلی أنّ الطلب و الإرادة متّحدان مفهوماً و مصداقاً. و ذهب بعض آخر إلی أنّ الطلب و الإرادة متغایران مفهوماً و مصداقاً. و ذهب بعض إلی مغايرة الطلب و الإرادة مفهوماً. و ذهب بعض آخر إلی أنّ الطلب و الإرادة متغایران مفهوماً و مصداقاً و إنشاءاً. و ذهب بعض إلی أنّ الطلب و الإرادة متغایران مفهوماً و إنشاءاً.

قال الشهید الصدر(رحمه الله): «قد وقع البحث عند المحقّقين في ان الطلب المفاد بالأمر هل هو عين الإرادة أو غيرها و هل هو أمر نفساني كالقدرة أو فعل نفساني أو فعل خارجي؟ و قد ادعت الأشاعرة المغايرة بين الطلب و الإرادة و ادعت المعتزلة العينية بينهما و استدل الأشاعرة على المغايرة بوجوه أحدها مبتن على مسألة الجبر و هو ان الإرادة التشريعية لا تتعلق بشي‌ء غير مقدور و الأفعال مخلوقة للَّه سبحانه و تعالى و خارجة عن قدرة العبد مع اننا نرى انه في الشريعة قد تعلق الطلب بها فنعرف ان الطلب غير الإرادة». [2]

قال بعض الأصولیّین (حفظه الله): «هي مسألة كلاميّة قبل أن تكون مسألة اصوليّة و قد ذكرت ببعض المناسبات في الاصول، و عنوانها أنّه هل تكون الإرادة و الطلب متّحدين في المعنى، أي هل يكون مفهوم الإرادة متّحداً مع مفهوم الطلب أو لا؟ ذهبت الأشاعرة و فئة قليلة من الإماميّة إلى اختلاف الإرادة و الطلب مفهوماً و مصداقاً، و هو المستفاد أيضاً من بعض كلمات المحقّق النائينيّ رحمه الله، و لكن المعتزلة و أكثر الإماميّة على‌ اتّحادهما، و هم طائفتان: طائفة ذهبوا إلى اتّحادهما مفهوماً و مصداقاً، و اخرى إلى اتّحادهما في خصوص المصداق». [3]

و قال فی موضع آخر: «لو كان النزاع نزاعاً لغويّاً فالحقّ مع القائلين بالتعدّد؛ لأنّ الطلب فعل خارجي و الإرادة أمر نفساني، و أمّا إذا كان النزاع نزاعاً اصطلاحياً فلا شكّ في اتّحادهما». [4]

اشکال و جواب

الإشکال

إنّ مبحث اتحاد الطلب والإرادة يمكن أن يستفيد منه الأصولي ويساهم في عملية الاستنباط وهو أن نقول:- إذا صدر أمرٌ من قبل المولى هل يجب امتثاله أو لا ؟ إنّه بناءً على اتحاد الطلب والإرادة متى ما صدر الطلب وجب الامتثال لأنّه حينما يصدر الطلب والمفروض أن الإرادة عين الطلب فإذن المولى توجد عنده أرادة فيلزم الامتثال ، أمّا إذا قلنا أنَّ الإرادة مغايرة للطلب فصدور الأمر لا يكفي لاستنتاج وجوب الامتثال إذ يوجد طلبٌ ولكن الإرادة لا يمكن إثبات أنها موجودة والطلب من دون إرادة لا يكفي لوجوب الامتثال.

الجواب

إنّ الأمر إذا صدر فهو يدلّ على شيئين جزماً ، فهو يدلّ على طلبٍ على إرادةٍ سواء قلنا بالعينيّة أو قلنا بالمغايرة، بالتالي يدل الأمر الصادر على وجود إرادةٍ غايته أنَّ هذه الإرادة ليست عين الطلب ، لا أنّه بناءً على المغايرة لا توجد إرادة ، بل الإرادة موجودة غايته أنَّ الطلب موجودٌ في جانبٍ من النّفس - إنْ صحّ التعبير - والإرادة موجودةٌ في الجانب الآخر فهما صفتان ، وبناءً على العينيّة الإرادة موجودةٌ أيضاً ولكن هي عين الطلب. وإنما المقصود من المغايرة هو أنّه حينما يصدر أمرٌ فالطلب موجودٌ في النفس وكذلك الإرادة ولكن بوجودين متغايرين ، فهذه صفةٌ وتلك صفةٌ وإحداهما ليست عين الأخرى فإنه أجنبيّ عن عملية الاستنباط.

القول الاول: أنّ الطلب و الإرادة متّحدان [5] [6]

دلیل القول الأوّل: الوجدان [7]

القول الثاني: هما متّحدان مفهوماً و إنشاءً و خارجاً [8] [9] [10]

قال المحقّق الخراسانيّ (رحمه الله): «إنّ الحق- كما عليه أهله وفاقا للمعتزلة و خلافا للأشاعرة- هو اتحاد الطلب و الإرادة بمعنى أن لفظيهما موضوعان بإزاء مفهوم واحد و ما بإزاء أحدهما في الخارج يكون بإزاء الآخر و الطلب المنشأ بلفظه أو بغيره عين الإرادة الإنشائية و بالجملة هما متحدان مفهوما و إنشاء و خارجا لا أن الطلب الإنشائي الذي هو المنصرف إليه إطلاقه كما عرفت متحد مع الإرادة الحقيقية التي ينصرف إليها إطلاقها أيضاً ضرورة أن المغايرة بينهما أظهر من الشمس». [11] [12]

إشکالات فی کلام المحقّق الخراسانی

قال المحقّق الخوئيّ (رحمه الله): «إنّ ما أفاد المحقّق الخراسانی فی بحث الطلب و الاردة يحتوي على عدة نقاط: 1- اتحاد الإرادة الحقيقية مع الطلب الحقيقي. 2- اتحاد الإرادة الإنشائية مع الطلب الإنشائي.3 - مغايرة الطلب الإنشائي للطلب الحقيقي، و الإرادة الإنشائية للإرادة الحقيقة». [13]

الإشکال الأوّل (الإشکال في اتّحاد الإرادة الحقيقية مع الطلب الحقيقي)

إنّ الإرادة بواقعها الموضوعي من الصفات النفسانيّة، و أما الطلب من الأفعال الاختيارية، حيث أنه عبارة عن التصدي نحو تحصيل شي‌ء في الخارج. و من هنا لا يقال طالب الضالة، أو طالب العلم الا لمن تصدى خارجاً لتحصيلهما، و أما من اشتاق إليهما فحسب و أراد فلا يصدق عليه ذلك، و لذا لا يقال طالب المال أو طالب الدنيا لمن اشتاق و أرادهما في أفق النّفس، ما لم يظهر في الخارج بقول أو فعل و قد تحصل من ذلك أن الطلب مباين للإرادة مفهوماً و مصداقاً، فما أفاده (قده) من أن الوجدان يشهد باتحادها خطأ جداً، (إنتهی ملخّصاً). [14]

ردّ الإشکال الأوّل

إنّ النزاع ليس لغويّاً بل النزاع في ما اصطلح عليه الأشاعرة بالنسبة إلى الباري تعالى و التزموا بوجود صفتين له تعالى، أحدهما يسمّى بالطلب‌ و الآخر يسمّى بالإرادة، و نتيجته أنّ الطلب غير الإرادة، لا أن يكون النزاع في أنّ مفهوم الطلب في اللّغة هل هو عين مفهوم الإرادة أو لا؟. [15]

الإشکال الثاني (الإشکال في القول بمغايرة الطلب الإنشائي للطلب الحقيقي و الإرادة الإنشائية للإرادة الحقيقة)

إنّها انما تتم إذا كانت متوفرة لأمرين: (الأول) القول بان الطلب منشأ بالصيغة، أو نحوها. (الثاني) القول بالإرادة الإنشائية في مقابل الإرادة الحقيقية، و لكن كلا القولين خاطئ جداً.[16]

إشکالات في القول الثاني

الإشکال الأوّل

إنّه يلزم بناء على اتحاد الطلب و الإرادة في تكليف الكفار بالإيمان بل مطلق أهل العصيان في العمل بالأركان إما أن لا يكون هناك تكليف جدي إن لم يكن هناك إرادة حيث إنه لا يكون حينئذ طلب حقيقي و اعتباره في الطلب الجدي ربما يكون من البديهي و إن كان هناك إرادة فكيف تتخلف عن المراد و لا تكاد تتخلف إذا أراد الله شيئا يقول له كن فيكون. [17]

دفع الإشکال

إنّ استحالة التخلف إنما تكون في الإرادة التكوينية و هي العلم بالنظام على النحو الكامل التام دون الإرادة التشريعية و هي العلم بالمصلحة في فعل المكلف و ما لا محيص عنه في التكليف إنما هو هذه الإرادة التشريعية لا التكوينية فإذا توافقتا فلا بد من الإطاعة و الإيمان و إذا تخالفتا فلا محيص عن أن يختار الكفر و العصيان. [18]

الإشکال الثاني

إذا كان الكفر و العصيان و الإطاعة و الإيمان بإرادته تعالى التي لا تكاد تتخلف عن المراد فلا يصح أن يتعلق بها التكليف لكونها خارجة عن الاختيار المعتبر فيه عقلا. [19]

دفع الإشکال

إنما يخرج بذلك عن الاختيار لو لم يكن تعلق الإرادة بها مسبوقة بمقدّماتها الاختيارية و إلا فلا بد من صدورها بالاختيار و إلا لزم تخلف إرادته عن مراده تعالى عن ذلك علوا كبيرا. [20]

الإشکال الثالث

قال المحقّق الخوئيّ(رحمه الله): «لا يخفى أنّ غرض صاحب الكفاية قدّس سرّه من الالتزام باتّحاد الطلب و الإرادة هو نفي الكلام النفسي الّذي قال به الاشاعرة، بتوهّم أنّ القول بتغايرهما يستلزم القول بثبوت صفة اخرى غير الصفات المعروفة من العلم و الإرادة و غيرهما. و مرجع ذلك الى القول بثبوت الكلام النفسي، فأراد نفيه بادّعاء اتّحاد الطلب و الإرادة، و انّه ليس هنا صفة اخرى غير الصفات المعروفة حتّى نسمّيه بالكلام النفسي. و قد عرفت أنّ القول باتّحاد الطلب و الإرادة فاسد في نفسه، فكيف يكون وافيا باثبات فساد الكلام النفسي، و ستعرف بطلان الكلام النفسي بدون الالتزام باتّحاد الطلب و الإرادة». [21]

الإشکال الرابع

قال المحقّق الخوئيّ(رحمه الله): «إنّ الإرادة عبارة عن مطلق الشوق أو الشوق المؤكّد الّذي هو من مقولة الكيف النفسانيّ، و نسبتها إلى النّفس نسبة العرض إلى معروضه، و الطلب عبارة عن التصدّي لتحصيل ما تشتاق إليه النّفس، و نسبته إلى النّفس نسبة الفعل إلى فاعله، فهو من مقولة الفعل، فكيف تصدق المقولتان على أمر واحد! ثمّ إنّ الطلب في الإنشاءات أيضاً يكون بهذا المعنى، إذ للتصدّي مراتب، و منها إيجاد الصيغة، فإنّ الأمر يتصدّى لتحصيل الضرب في الخارج، فبإيجاد الصيغة يتحقّق مصداق التصدّي، كما يتحقّق بتحريك العضلات». [22]

 


[1] . في المطلب الأوّل (في اتّحاد الطلب و الإرادة و عدمه).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo