بحث الأصول الأستاذ محسن الفقیهی
43/10/28
بسم الله الرحمن الرحیم
موضوع: مباحث الالفاظ/ الوضع/الأمر
المبحث الثانی: في اعتبار العلوّ و الاستعلاء في الأمر
تحریر محلّ النزاع
إختلف الأصوليّون في اعتبار العلوّ و الاستعلاء في صدق الأمر بمعنى الطلب؛ فذهب بعض إلی اشتراط الاستعلاء و عدم اشتراط العلو. و ذهب بعض آخر إلی اعتبار العلوّ دون الاستعلاء. و ذهب بعض إلی اعتبار العلوّ و الاستعلاء معاً. و ذهب بعض آخر إلی عدم اعتبار العلوّ و الاستعلاء کلیهما. و ذهب بعض إلی أنّه لا عبرة بشيء من العلوّ و الإستعلاء، بل إنّما يمتاز الأمر عن سائر أنواع الطلب بكيفيّة خاصّة. و ذهب بعض إلی کفایة العلوّ الادّعائي.
قال الشهید الصدر (رحمه الله): «انّ هذا البحث تارة يساق بلحاظ ما هو موضوع حكم العقل بوجوب الطاعة، و حينئذ لا ينبغي الإشكال في اعتبار العلو الحقيقي لكي يحكم العقل بلزوم طاعة الأمر. و أخرى يساق بلحاظ تحديد ما هو المعنى اللغوي للأمر و حينئذ تكون ثمرة البحث فقهية لا أصولية»، (إنتهی ملخّصاً). [1]
قال بعض الأصولیّین (رحمه الله): «انّ العلو عبارة عن عظمة الشخص عند العقلاء؛ إذ العقلاء بما هم عقلاء قائلون بلزوم الإطاعة و عظمة الأشخاص المخصوصة في الاجتماع مثل الأب و المولى و الحاكم و إن كان غاصبا، و نرى أيضاً تبعيّتهم في ذلك عن الشرع من الأمر باتّباع العلماء و العرفاء و الفقهاء و أمّا الاستعلاء فعبارة عن الاتّكاء بالعلو، و لكنّ المستعلي قد يكون واجدا للعلوّ حقيقة فيقال له: العالي المستعلي، و قد يكون فاقدا له حقيقة فيقال له: السافل المستعلي». [2]
هنا أقوال:
القول الأول: إشتراط الاستعلاء و عدم اشتراط العلو [3] [4] [5] [6] [7]
قال المحقّق النراقيّ (رحمه الله): «الحقّ اشتراط الاستعلاء و عدم اشتراط العلو»، (إنتهی ملخّصاً). [8]
و قال ایضاً السیّد المجاهد (رحمه الله): «يشترط في الأمر القولي الاستعلاء من الأمر بأن يلاحظ أنّه أعلى من المأمور و لا يكفي مجرّد علوّه بل يمكن أن يدّعى أن الاستعلاء كاف مطلقا و لو كان الأمر في نفسه غير عال أمّا اشتراط الاستعلاء فلأن العالي إذا طلب الدّاني ملتمسا غير مستعمل نفسه لم يعد آمرا و لا ما قاله أمرا و لا مخاطبه مأمورا و لو كان مجرّد العلو كافيا لما صحّ ذلك»، (إانتهی ملخّصاً). [9]
أقول: لا دلیل علی القول الأوّل حیث إنّ العرف یستعملون الأمر في الأوامر العرفیّة الصادرة من الداني، مثل الحاکم الظالم و لا یصحّ کون هذه الاستعمالات مجازاً. و هکذا یستعملون الأمر في الأوامر الصادرة من الأئمّة (علیهم السلام) أو الفقهاء أو الأدباء و إن و إن لم یکونوا مستعلیین؛ بل یکفي في صحّة الاستعمال وجود العلو، فلا دلیل علی وجود الاستعلاء في الإطلاقات العرفیّة، بل قد یکون و قد لا یکون هذا لو کان محلّ البحث الإطلاقات العرفیّة. و أمّا لو کان المراد بیان موضوع حکم العقل بوجوب الطاعة، فلا بدّ من وجود العلوّ الواقعيّ بحیث یحکم العقل بوجوب الطاعة؛ فالحقّ أنّ العلوّ و الاستعلاء لیستا بشرط في الإطلاقات العرفیّة و إن کان العلوّ و الاستعلاء کلاهما شرطاً في موضوع حکم العقل بوجوب الطاعة، فلا بدّ من تفریق محلّ البحث.