< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محسن الفقیهی

43/10/27

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: مباحث الالفاظ/ الوضع/الأمر

معنی لفظ الأمر اصطلاحاً

تحرير محلّ النزاع

إختلف الأصوليّون في معنی لفظ الأمر و مادّة الأمر اصطلاحاً؛ فذهب بعض إلی أنّه حقيقة في القول المخصوص. و ذهب بعض آخر إلی أنّه حقيقة في الطلب المخصوص. و ذهب بعض إلی أنّه هو الطلب بصیغة إفعل، لا نفس صیغة إفعل. و ذهب بعض آخر إلی أنّها[1] موضوعة لمعنىً اسميّ منتزع من هيئات الصيغ الخاصّة بما لها من المعنى الحرفي. و ذهب بعض إلی أنّه نفس معنى اللغوى. و ذهب بعض آخر إلی أنّه البعث بلفظ إفعل أو ما يقوم مقامه.

هنا أقوال:

القول الأوّل: أنّها حقيقة في القول المخصوص[2] فقط [3]

قال السيّد المجاهد (رحمة الله): «التحقيق أنّ لفظ الأمر في اصطلاح الأصوليّين حقيقة في القول المخصوص لا غير». [4]

أقول: لعلّ المقصود الأمر الذي جمعه أوامر، کما أنّ المذکور في عباراتهم الأوامر. و أمّا الأمر الذي جمعه أمور فله معنی آخر. و الظاهر أنّ مادّة الأمر في الاصطلاح هو ما ذکر في المعنی اللغويّ و هو الطلب. و الانصراف إلی الطلب لکثرة الاستعمال فیه الذي هو المعنی الأوّل لمادّته. و لو کان المراد القول المخصوص فقط، یرد علیه، أوّلاً: أنّه لا یکون معنی حدثیّاً و الحال أنّ الأمر بمعنی الطلب بمعنی حدثيّ یشتقّ منه. و ثانیاً: أنّه لو کان کذلك فلو استعمل الأمر في الطلب، لکان مجازاً أو هو خلاف الوجدان؛ بل القول المخصوص من مصادیق معنی الأمر الذي هو الطلب؛ فإنّ الطلب قد یکون بالإشارة أو بالکتابة أو بالقول الغیر المخصوص، مثل فعل المضارع و قد یکون بالقول المخصوص.

إشکالان في القول الأوّل

الإشکال الأوّل

لا يخفى أنه عليه لا يمكن منه الاشتقاق فإن معناه حينئذ لا يكون معنى حدثيا مع أن الاشتقاقات منه ظاهرا تكون بذلك المعنى المصطلح عليه بينهم لا بالمعنى الآخر، فتدبر. [5] [6] [7]

ردّ الإشکال

قال المحقّق الاصفهانيّ (رحمة الله): «إن كان وجه الإشكال ما هو المعروف من عدم كونه حدثياً، ففيه: أنّ لفظ [اضرب‌] صنف من أصناف طبيعة الكيف المسموع، و هو من الإغماض القائمة بالمتلفظ به فقد يلاحظ نفسه من دون لحاظ قيامه و صدوره عن الغير فهو المبدأ الحقيقي الساري في جميع مراتب الاشتقاق، و قد يلاحظ قيامه فقط فهو المعنى المصدري المشتمل على نسبة ناقصة، و قد يلاحظ قيامه و صدوره في الزمان الماضي فهو المعنى الماضوي، و قد يلاحظ صدوره في الحال أو الاستقبال فهو المعنى المضارعي، و هكذا فليس هيئة [اضرب‌] مثلًا كالأعيان الخارجيّة و الأمور الغير القائمة بشي‌ء حتّى لا يمكن لحاظ قيامه فقط، أو في أحد الأزمنة و عليه فالأمر موضوع لنفس الصيغة الدالّة على الطلب مثلا، أو للصيغة القائمة بالشخص، و أمر موضوع للصيغة الملحوظة من حيث الصدور في المضي، و يأمر للصيغة الملحوظة من حيث الصدور في الحال أو الاستقبال». [8]

إشکال في کلام المحقّق الاصفهاني

إنّ لكل لفظ حيثيتين موضوعيتين: (الأولى): حيثية صدوره من اللافظ خارجاً و قيامه به، كصدور غيره من الأفعال كذلك. (الثانية): حيثية تحققه و وجوده في الخارج، فاللفظ من الحيثية الأوّلى و ان كان قابلا للتصريف و الاشتقاق، الا ان لفظ الأمر لم يوضع بإزاء القول المخصوص من هذه الحيثية، و الا لم يكن مجال لتوهم عدم إمكان الاشتقاق و الصرف منه، بل هو موضوع بإزائه من الحيثية الثانية، و من الطبيعي انه بهذه الحيثية غير قابل لذلك،. فما أفاده (قده) مبنى على الخلط بين هاتين الحيثيتين. [9]

ردّ الإشکال في کلام المحقّق الاصفهاني

انه لا دليل على كون محلّ النزاع هو اللفظ من حيثيته الثانية، بل يمكن القول بأنّ محلّ النزاع هو اللفظ من الحيثيّة الأولى، مع أنّ المسموعيّة التي تكون جزء ذات اللفظ لا يمكن تفكيكها منه، فلا يعقل لحاظ اللفظ بدون لحاظ كونه مسموعاً. [10]

الإشکال الثاني

ليس اسم القول المخصوص أمراً و إنّما هو اسم للطلب به. [11]

القول الثاني: أنّه حقيقة في الطلب المخصوص [12]

قال الحائري الإصفهاني (رحمة الله): «إنّ لفظ الأمر بحسب الاصطلاح فقد يطلق و يراد به الطلب المخصوص كما هو معناه الأصلي و منه قولهم الأمر بالشي‌ء هل يقتضي كذا أو لا». [13]

أقول: لا دلیل علی النقل من المعنی اللغويّ إلی معنی جدید، فأکثر استعمالات الأصولیّین هو استعمال الأمر بمعنی الطلب الذي هو المعنی الأوّل لمادّة الأمر، کما سبق. و أمّا کون الطلب مخصوصاً، فلا بدّ له من الاحتفاف بالقرائن التي منها الانصراف إلیه، لکثرة الاستعمال لو ثبت ذلك.

القول الثالث: مادّة الأمر اصطلاحاً هو الطلب بصیغه افعل، لا نفس صیغة إفعل [14] [15]

قال المحقّق الخراسانيّ (رحمة الله): «هو الطلب بالقول لا نفسه[16] تعبيرا عنه[17] بما يدل عليه‌[18] ». [19]

أقول: مادّة الأمر اصطلاحاً هو الطلب، سواء کان بصیغة إفعل أو غیرها من الصیغ و لو کان بصیغة المضارع المفهوم منه الطلب، کما في الروایات جواباً عن السؤال بأنّه یعید و أمثاله؛ فلا دلیل علی الانحصار، بل المراد هو المعنی اللغويّ الأوّل، أي الطلب، لکثرة الاستعمال فیه و حصول الانصراف غالباً.

القول الرابع: أنّها[20] موضوعة لمعنىً اسمي منتزع من هيئات الصيغ الخاصّة بما لها من المعنى الحرفي [21]

قال الإمام الخمينيّ (رحمة الله): «لا يبعد أن يكون معناه الاصطلاحي أيضاً هو أنّها موضوعة لمعنىً اسميّ منتزع من هيئات الصيغ الخاصّة بما لها من المعنى الحرفي. و ذلك لأنّ معناه الاصطلاحي هو الطلب بالصيغة؛ فيصحّ الاشتقاق منه بلحاظ كونه حدثاً صادراً عن المتكلّم»، (التصرّف). [22]

أقول: قد سبق کلامه (رحمة الله) في المعنی اللغويّ و قد سبق منّا الجواب عنه هناك فلا یکرّر الجواب.

أقول: إنّه یمکن الجمع بین القول الرابع و الثالث.

القول الخامس: أنّه نفس معنى اللغوى [23] [24] [25]

أقول: هو الحق؛ لعدم الدلیل علی النقل و کون المراد هو الطلب الذي هو المعنی الأوّل لمادّة الأمر لکثرة الاستعمال فیه و حصول الانصراف عرفاً و سائر الأقوال مصادیق للطلب و لا دلیل علی الانحصار بعد وجود المعنی الجامع. و بهذا یظهر الإشکال في القول السادس أیضاً.

القول السادس: أنّه البعث بلفظ إفعل أو ما يقوم مقامه [26]

هو عبارة عن البعث بلفظ افعل، أو ما يقوم مقامه، و تصح الاشتقاقات منه باعتبار تضمنه معنى البعث، و هو معنى حدثي قابل للاشتقاق و التفرع. [27]

قال بعض الأصولیّین (حفظه الله): «الظاهر عدم ثبوت اصطلاح خاصّ لهذا اللفظ[28] ». [29]

 


[1] . مادّة الأمر.
[2] . أي: صيغة إفعل.
[16] . نفس القول.
[17] . الطلب.
[18] . الطلب.
[20] . مادّة الأمر اصطلاحاً.
[23] .مصابيح الأصول، بحر العلوم، السيد علاء الدين، ج1، ص184. الطلب بالمعنى الخاصّ و مفهوم الشي‌ء على سبيل الاشتراك اللفظى.
[28] . لفظ الأمر.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo