< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محسن الفقیهی

43/07/06

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: مباحث الالفاظ/ الوضع/ المشتق

إشکال في کلام المحقّق الخراساني

قال بعض الأصولیّین (حفظه الله): «يلاحظ عليه، أوّلاً: أنّ المتبادر في القيام و التلبّس التعدّد و الاثنينيّة، فإذا كان المبدأ عين الذات في عامّة المراحل، كيف يمكن أن نتصوّر قيام شي‌ء بشي‌ء أو تلبّسه به! و ما ذكره من التعابير المتكرّرة نوع تلاعب بالألفاظ و ليس له من الحقيقة نصيب.

و ثانياً: أنّ ما ذكره من أنّ العرف مرجع لتحديد المفاهيم، لا لتعيين المصاديق،‌ أمر غير تام، بل العرف مرجع في كلا الموردين. و لذلك لا يعدّ لون الدم دماً واجب الاجتناب. و ذلك لأنّ لون الدم غير الدم عرفاً و إن كان حسب التحليل الطبيّ أو العقليّ مرتبة من اللون. [1]

و الحقّ أن يقال: إنّ العقيدة لا تمسّ اللغة و لا تغيّرها، فنحن نجري صفاته- تعالى- عليه بما له من المعنى من دون أيّ نقل و تجوّ و ظاهره زيادة العنوان على المعنون، أو تلبّس الذات بشي‌ء ورائها، أو قيامه بها، لكن دلّ البرهان على أنّ هذا الظهور غير معتبر عقيدةً؛ لدلالة العقل على أنّ صفاته- سبحانه- عين ذاته.

قال الإمام أمير المؤمنين (ع): «لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف و شهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة، فمن وصف اللّه- سبحانه- فقد قرنه و من قرنه فقد ثنّاه و من ثنّاه فقد جزّأه و من جزّأه فقد جهله و من جهله فقد أشار إليه و من أشار إليه فقد حدّه و من حدّه فقد عدّه». [2] و قوله (ع): «لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف» إشارة إلى ما ذكرناه من المتفاهم العرفيّ من الصفات و لكنّ الإمام (ع) نفى الاثنينيّة بالبرهان، لا بالتصرّف في معاني المشتقّات. و لا إشكال في أنّه يستعمله العاميّ و الحكيم في معنى واحد في حقّه- سبحانه- إرادةً استعماليّةً غير أنّ المراد الجدّيّ لدى الحكيم يغاير الاستعمالي.

و الحاصل: نحن نشاطر[3] المحقّق الخراسانيّ (رحمة الله) الرأي في أنّ الصفات الكماليّة تطلق على الممكن و الواجب بمعنى واحد، من دون أن يكون في الإطلاق الثاني‌ تجوّز أو نقل؛ لكن نختلف معه في أنّه يدّعي أنّ مفهوم المشتقّ الذي هو التلبّس و القيام صادق على الممكن و الواجب و لا يتنافيان مع عينيّة صفاته لذاته؛لأن تلبّس كلّ شي‌ء بحسبه و لا يتوقفان على أن يكون ما بحذاء أحدهما عين الآخر.

و لكنّا نجري الصفات عليه- تعالى- بنفس المفهوم العرفيّ و لكن نعتقد أنّ البرهان لا يوافق هذا الظهور، فيكون الظهور مراداً استعماليّاً و لكنّ المراد الجدّيّ لمن التفت إلى ذلك،غيره»، (إنتهی ملخّصاً). [4]

 


[2] .شرح نهج البلاغه ابن هیثم، البحراني، ابن ميثم، ج1، ص122. شهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة إلى قوله «و من جزّاه فقد جهله» و بيان صحّة المقدّمات. أمّا قوله: «لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف» و بالعكس، فهو توطئة الاستدلال ببيان المغائرة بين الصفة و الموصوف. و المراد بالشهادة هاهنا شهادة الحال؛ فإنّ حال الصفة تشهد بحاجتها إلى الموصوف و عدم قيامها بدونه و حال الموصوف تشهد بالاستغناء عن الصفة و القيام بالذات بدونها؛ فلا تكون الصفة نفس الموصوف. و أمّا قوله: «فمن وصف اللّه- سبحانه- فقد قرنه» فهو ظاهر؛ لأنّه لمّا قرّر كون الصفة مغايرةً للموصوف، لزم أن تكون زائدةً على الذات غير منفكّة عنها؛ فلزم من وصفه بها أن تكون مقارنةً لها و إن كانت تلك المقارنة على وجه لا يستدعي زماناً و لا مكاناً. و أمّا قوله: «و من قرنه فقد ثنّاه» فلأنّ من قرنه بشي‌ء من الصفات، فقد اعتبر في مفهومه أمرين: أحدهما الذات و الآخر الصفة؛ فكان واجب الوجود عبارةً عن شيئين أو أشياء، فكانت فيه كثرة و حينئذٍ ينتجّ هذا التركيب أنّ من وصف اللّه- سبحانه- فقد ثنّاه. و أمّا قوله: «و من ثنّاه فقد جزّأه» فظاهر أنّه إذا كانت الذات عبارةً عن مجموع أمور كانت تلك الأمور أجزاءً لتلك الكثرة من حيث إنّها تلك الكثرة و هي مبادئ لها و ضمّ هذه المقدّمة إلى نتيجة التركيب الأوّل، ينتج أنّ من وصف اللّه- سبحانه- فقد جزّأه. و أمّا قوله: «و من جزّأه فقد جهله» فلأنّ كلّ ذي جزء فهو يفتقر إلى جزء و جزئه غيره، فكلّ ذي جزء فهو مفتقر إلى غيره و المفتقر إلى الغير ممكن فالمتصوّر في الحقيقة لأمر هو ممكن الوجود لا الواجب الوجود بذاته، فيكون إذن جاهلاً به و ضمّ هذه المقدّمة إلى نتيجة ما قبلها ينتج أنّ من وصف اللّه- سبحانه- فقد جهله. قوله: «و من أشار إليه فقد حدّه و من حدّه فقد عدّه». أقول: يشير إلى البرهان على أحد أمرين، أحدهما: أنّه يحتمل أن يكون مراده امتناع الإشارة العقليّة إليه و تعلّقها به؛ فعلى هذا يكون تقرير المقدّمة الأولى من هذا البرهان أنّ من وجّه ذهنه طالباً لكنه ذاته المقدّسة و زعم أنّه وجدها و أحاط بها و أشار إليها من جهة ما هي فقد أوجب له حدّاً يقف ذهنه عنده؛ إذ الحقيقة إنّما تعلم من جهة ما هي و يشير العقل إلى كنهها إذا كانت مركّبةً و قد علمت أنّ كلّ مركّب محدود في المعنى و لأنّ الإشارة العقليّة ملوّثة بالإشارة الوهميّة و الخياليّة مشوبة بهما و هما مستلزمان لإثبات الحد. و أمّا تقرير المقدّمة الثانية فظاهر؛ إذ كان حدّ الشي‌ء إنّما يتألّف من كثرة معتبرة فيه و كلّ ذي كثرة معدود في نفسه. و نتيجة هذا البرهان أنّ من أشار إليه فقد عدّه. و أمّا استحالة أن يكون معدوداً، فلما علمت فيما سبق أنّ الكثرة مستلزمة للإمكان. الثاني: أنّه يحتمل أن يكون مراده أيضاً نفي الإشارة الحسّيّة الظاهرة و الباطنة إليه و بيان تنزيهه عن الوحدة العدديّة. و يكون تقرير المقدّمة الأولى أنّ من أشار إليه بأحد الحواس، فقد جعل له حدّاً أو حدوداً أو نهايات تحيط به. و ذلك أنّ كلّ ما يشار إليه بالحسّ أيضاً أو الباطن فلا بدّ و أن يشار إليه في حيّز مخصوص و على وضع مخصوص. و ما كان كذلك، فلا بدّ و أن يكون له حدّ أو حدود؛ فإذن لو كان مشار إليها بأحدها، لكان محدوداً. و أمّا تقرير المقدّمة الثانية، فالمراد بالعدّ هاهنا جعله مبدء كثرة يصلح أن‌ يكون عادّاً لها. و ذلك أنّ كلّ ما أدرك على وضع مخصوص و في جهة، فالعقل حاكم بإمكان وجود أمثاله، فمن حدّه بالإشارة الحسّيّة، فقد جعله مبدء كثرة يصلح أن يعدّ بها و يكون معدوداً بالنسبة إليها. و أمّا كونه في نفسه معدوداً و ذلك كونه مركّباً من أمور؛ لأنّ الواحد بهذا المعنى ليس مجرّد الوحدة فقط و إلّا لما تعلّقت الإشارة الحسّيّة به، بل لا بدّ معها من الوضع، كما علمت. و على الوجهين يكون مجتمعاً من أمرين أو أمور، فيكون مركّباً و كلّ مركّب ممكن، على ما مر. و إذا استحال أن يكون واحداً بهذا المعنى، كانت الإشارة إليه مطلقاً، يستلزم الجهل به من حيث هو واحد واجب الوجود. و اعلم أنّه ليس إذا بطل أن يكون واحداً؛ فإنّ للواحد مفهومات أخر بها يقال له واحد، فإنّه يقال واحد؛ لما لا يشاركه في حقيقة الخاصّة به غيره و يقال واحد لما لا تتركّب حقيقته و تأتلف من معاني متعدّدة الأجزاء قوام و لا أجزاء حدّ و يقال واحد لما لم يفته من كماله شي‌ء؛ بل كلّ كمال ينبغي أن يكون له فهو حاصل له بالفعل و الباري- سبحانه- واحد بهذه الاعتبارات الثلاثة، (إنتهی ملخّصاً).
[3] أي: نؤیّد.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo