< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محسن الفقیهی

43/02/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: مباحث الالفاظ/ الوضع/ المشتق

القول الثالث: الجریان إلّا في اسم المفعول و اسم الآلة [1]

الدلیل علی خروج اسم المفعول و اسم الآلة عن محلّ النزاع

قال المحقّق النائینيّ (رحمة الله): «الأوّل موضوع‌ لمن وقع عليه الفعل. و هذا المعنى ممّا لا يعقل فيه الانقضاء أبداً؛ بداهة أنّ الشي‌ء بعد وقوعه لا ينقلب عمّا هو عليه، فصدق المشتقّ حال تلبّسه و انقضائه على نحو واحد. و أمّا اسم الآلة، فإنّ الهيئة فيه موضوعة لإسناد المبدأ إلى ما يقوم به بالتهيّؤ و الاستعداد بمعنى أنّها موضوعة لإفادة صلاحيّة الموضوع لقيام المبدأ به، فلا يشترط فيها التلبّس بالمبدأ أصلاً؛ بداهة صدق المفتاح مع عدم التلبّس بالفتح في زمان من الأزمنة». [2]

الإشکالان في الدلیل

الإشکال الأوّل

قال المحقّق العراقيّ (رحمة الله): «لا يخفى أنّ اسم المفعول إنّما وضع لمن يكون نسبة المبدأ إليه نسبة الوقوع، سواء كانت هذه النسبة متحقّقةً في الخارج أو لم تكن؛ فلفظ المضروب (مثلاً) في قولنا زيد مضروب قد استعمل في عين ما استعمل فيه قولنا عمرو ليس بمضروب. و من هنا يكون إطلاقه بلحاظ ظرف التلبّس حقيقةً مطلقاً. و لو في مورد لم يتحقّق فيه التلبّس بالمبدأ بالفعل، كما في قولنا زيد يكون مضروباً غداً. و عليه فلا مجال لدعوى خروج اسم المفعول عن حريم النزاع، بل يكون حاله حال بقيّة المشتقّات بلا فرق بينه و بينها أصلاً. و أمّا اسم الآلة ففرض الانقضاء فيه إنّما يكون بانقضاء التهيّؤ و الاستعداد، كما إذا أخرج المفتاح (مثلاً) عن قابليّة الفتح به فهو أيضاً بهذا اللحاظ يكون داخلاً في محلّ النزاع، فلا موجب لإخراج شي‌ء من المشتقّات عن حريم النزاع أصلاً». [3]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

الإشکال الثاني

هو[4] واضح الضعف‌؛ أمّا الأوّل، فلأنّ الوقوع كالقيام قد ينتزع من الحدوث و قد ينتزع من الوجود، فكما أنّ عنوان الضارب و القاتل يصدق على زيد (مثلاً) بعد انقضاء المبدأ عنه كذلك يصدق عنوان المضروب و المقتول على عمرو بعد انقضاء المبدأ؛ لأنّ المنشأ لانتزاع العنوان في المقامين هو الحدوث. و كما لا يصدق عنوان العالم و الجاهل و المحبّ و المبغض و الحافظ. و هكذا من الصفات المنتزعة من وجود المبدأ بعد انقضاء المبادي المزبورة عمّن قامت به فكذلك لا يصدق المعلوم و المجهول و المحبوب و المبغوض و المحفوظ على ما انقضى عنه تعلّق المبادي المزبورة وقوعاً. أ ترى أنّه يصدق المجنون على من زال عنه جنونه، كلّا ثمّ كلّا، فكما لا يصدق العاقل إلّا على من اتّصف بالعقل فعلاً، فكذلك لا يصدق المجنون إلّا على من اتّصف بالجنون فعلاً. و التعبير عن مفاد المفعول بمن وقع عليه الفعل لا يدلّ على أنّ الغرض منه حدوث الوقوع، كما توهّمه. و إلّا لزم خروج اسم الزمان و المكان عن محلّ النزاع أيضاً؛ لأنهما لما وقع فيه الفعل مع تصريحه بدخول اسم الزمان في محلّ النزاع.

و أمّا الثانى، فلأنّ صيغ الآلة موضوعة لاتّصاف الذات بالمبدأ على وجه الآليّة و الاتّصاف بالمبدأ كذلك كما يتحقّق باقتضاء الذات لصدور المبدأ بها، كذلك يتحقّق بالحدوث الفعليّ بها، فكما يصدق المضراب على ما أعدّ للضرب به فكذلك يصدق على العصا إذا ضرب به‌. [5]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

القول الرابع: الجریان إلّا في اسم الآلة (مطلقاً) و صيغة المبالغة (في الجملة) [6]

الدلیل علی خروج اسم الآلة عن محلّ النزاع

إنّ اسم الآلة بهيئته إنّما وضع للدلالة علی انتساب الذات بالمبدأ و اتّصافها به بنحو الآليّة و الشأنيّة و الاقتضاء؛ ضرورة أنّا نری بالوجدان صدق المقراض (مثلاً) علی ما أعدّ للقرض و جعل آلةً له و كان له شأنيّة ذلك و لو لم يتحقّق منه إلى الآن، بل و لن يتحقّق منه إلى الأبد و عدم صدقه علی ما لم يعدّ لذلك. و ليس آلةً له و لو كان متلبّساً به فعلاً. و هكذا الأمر في جميع أسماء الآلات، فيعلم من ذلك أنّ الفعليّة و التلبّس غير مأخوذ في معناه بحسب وضع الهيئة. [7]

إشکال و جواب

الإشکال

يمكن أن يكون مفاد الهيئة في اسم الآلة مثل اسم الفاعل و ما بمعناه اتّصاف الذات بالمبدأ و انتسابها به؛ غاية الأمر أنّ المبدأ أخذ فيه بنحو الشأنيّة، كما أخذ تارةً ملكةً و أخرى حرفةً و صناعةً. و سيأتي أنّ اختلاف مبادي المشتقّات بحسب الفعليّة و الشأنيّة و الصناعة و الملكة لا يوجب تفاوتاً فيما هو المهمّ من محلّ النزاع من دلالتها بحسب الهيئة؛ غاية الأمر أنّه لو أخذ المبدأ بنحو الفعليّة، يقع النزاع في أنّ المشتقّ هل هو حقيقة فيما تلبّس بهذا المبدأ في الحال أو في الأعم. و لو أخذ بنحو الشأنيّة، يقع النزاع في أنّه هل هو حقيقة فيما تلبّس بهذا المبدأ الشأنيّ أو في الأعم، فلا يستلزم أخذ المبدأ شأنيّاً خروج المشتقّ المنتزع من الذات بملاحظة اتّصافها به عن حريم النزاع. [8]

أقول: إشکاله (رحمة الله) متین.

الجواب

التصرّف في المبدأ بأخذه بنحو الشأنيّة مستلزم لارتكاب المجاز في جميع مبادي أسماء الآلات. و هو- مضافاً إلى استدعائه المجاز بلا حقيقة في وضع اسم الآلة- بعيد جدّاً؛ لما يری من عدم لحاظ العلاقة ظاهراً عند الاستعمال. و كيف كان، فالالتزام بأنّ جميع مبادي اسم الآلة أخذ بنحو المجازيّة أمر يستبعده الذهن السليم، خصوصاً بعد ما يری من أنّ هذا المبدأ لم يؤخذ بهذا النحو في سائر الاشتقاقات؛ فإنّه لم يقل أحد أنّ المبدأ في قرض أو يقرض و نحوهما أخذ بنحو الشأنيّة. هذا كلّه، مضافاً إلى أنّ المجاز خلاف الأصل، فما لم يدع إليه داعٍ لا يصار إليه و قد عرفت أنّ الالتزام بأنّ هيئة اسم الآلة بنفسها وضعت لبيان الاتّصاف و الانتساب الشأنيّين ليس مخالفاً للوضع. و عليه فلا يلزم التصرّف في المبدأ بنحو من الأنحاء. و قد انقدح بذلك كلّه أنّ هيئة اسم الآلة إنّما وضعت لبيان نوع من الانتساب بين المبدأ و الذات و هو الانتساب الشأني، فيخرج عن حريم النزاع في أنّه حقيقة في خصوص المتلبّس بالمبدأ أو أعم، فإنّ التلبّس بالمبدأ علی هذا التقدير- و كذلك انقضاء المبدأ- غير مأخوذ في وضع الهيئة أصلاً، فتأمّل جيّداً، فإنّه دقيق، (إنتهی ملخّصاً). [9]

أقول: لا یخفی أنّ التلبّس بالمبدأ في اسم الآلة هو شأنیّتها لذلك و عدم التلبّس خروجها عن الشأنیّة. و هذه الأمور من أخذ الملکة و الحرفة و الصناعة أو الشأنیّة- کما في مثل المجتهد و النجّار و البنّاء و المفتاح و المقراض و أمثالها- عرفيّ یعرفه العقلاء و العرف و لا یحتاج إلي وضع الواضع و لیس مجازاً أصلاً.

 


[4] دلیل المحقّق النائینيّ (رحمة الله).
[5] . مقالات حول مباحث الالفاظ، البهبهانی، السید علی، ج1، ص50.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo