< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محسن الفقیهی

42/10/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: مباحث الالفاظ/ الوضع/ المشتق

المشتقّ عند الأصولیّین

قال المحقّق الخراسانيّ (رحمة الله): «إنّ المراد بالمشتقّ هاهنا ليس مطلق المشتقّات، بل خصوص ما يجري منها على الذوات ممّا يكون مفهومه منتزعاً عن الذات بملاحظة اتّصافها بالمبدأ أو اتّحادها معه بنحو من الاتّحاد، كان بنحو الحلول أو الانتزاع أو الصدور و الإيجاد؛[1] كأسماء الفاعلين و المفعولين و الصفات المشبّهات، بل و صيغ المبالغة و أسماء الأزمنة و الأمكنة و الآلات؛ كما هو ظاهر العنوانات و صريح بعض المحقّقين، مع عدم صلاحيّة ما يوجب‌ اختصاص النزاع بالبعض إلّا التمثيل به و هو غير صالح.

ثمّ إنّه لا يبعد أن يراد بالمشتقّ في محلّ النزاع مطلق ما كان مفهومه و معناه جارياً على الذات و منتزعاً عنها بملاحظة اتّصافها بعرض أو عرضيّ و لو كان جامداً؛ كالزوج و الزوجة و الرقّ و الحر. و إن‌[2] أبيت إلّا عن اختصاص النزاع المعروف بالمشتقّ[3] - كما هو قضيّة الجمود على ظاهر لفظه- فهذا القسم من الجوامد أيضاً محلّ النزاع»؛ (إنتهی ملخّصاً). [4]

و قال السیّد الشاهروديّ (رحمة الله): «المشتقّ عبارة عن عنوان يتولّد من اتّصاف ذات بعرض، سواء كان من الأعراض النسبيّة أم غيرها»، (إنتهی ملخّصاً). [5]

قال الشیخ المغنیه (رحمة الله): «إذا أسندنا إلى الذات اسماً يمكن وصفها بمعناه، فلا يخلو هذا المعنى الموصوف به من كونه واحداً من الفروض التالية:

1- أن يكون نفس الذات المسند إليها، أو من مقوّماتها بحيث تدور معه وجوداً و عدماً؛ مثل الإنسان حيوان. و هذا النوع خارج عن موضوع البحث. 2- أن يكون خارجاً عن حقيقة الذات و لكنّه لازم لا ينفصل عنها؛ كغريزة حبّ الذات. و هذا خارج أيضاً عن محلّ الكلام. 3- أن يكون عارضاً على الذات. و يمكن فصله عنها في الوجود بحيث ينقضي الوصف و تبقى الذات. و هذا النوع من صميم ما نحن بصدده. و منه يتّضح السبب الموجب لخروج الفرض الأوّل و الثاني و دخول كلّ ما يمكن حمله على الذات، شريطة أن لا يكون ذاتيّاً و لا ملازماً للذات، مشتقّاً كان، كالضارب و المضروب، أو غير مشتق، كالزوج و ذي عيال، أو اسم مكان، كالمسجد، أو اسم آلة، كالمفتاح ... إلى كلّ وصف لا يزول الموصوف بزواله. و بهذا يتّضح معنا أنّ موضوع البحث يعمّ و يشمل بعض الأسماء الجامدة و يخرج منه بعض المشتقّات، أمّا الأفعال، فخارجة عنه تخصّصاً، لا تخصيصاً»، (إنتهی ملخّصاً).[6]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین و لکنّ الأفعال سیأتي البحث عنها.

و قال المحقّق الإیروانيّ (رحمة الله): «إعلم أنّ جميع ما في العالم من المعاني على ثلاث طوائف، فقسم هو من قبيل الذوات، أعني به متن عالم الوجود. و قسم آخر: هو من قبيل العوارض و الصفات، أعني به جملة الأمور القائمة بالذوات و هو حواشي عالم الوجود. و قسم ثالث: و هي النسب المتحقّقة بين تلك الذوات و العوارض أو بين العوارض بعضها مع بعض و هي المعاني الحرفيّة. و في قبال هذه الطوائف الثلاث من المعاني طوائف خمس من الألفاظ، ثلاثة منها بإزاء الطوائف الثلاث من المعاني المزبورة، أعني بها الألفاظ الموضوعة بإزاء الذوات، كالأعلام و بعض أسماء الأجناس و الألفاظ الموضوعة بإزاء العوارض القائمة بتلك الذوات و الألفاظ الموضوعة بإزاء النسب، أعني بها الحروف و الأسماء المرادفة لها و هناك طائفة أخرى من الألفاظ قد وضعت بإزاء المركّب من المعاني الثلاثة المتقدّمة، أعني بها الذوات و العوارض و النسب. و هذه الطائفة المعبّر عنها بالمشتقّات على قسمين: قسم منها قد وضع بإزاء الذوات، لكن لا مطلقة، بل محدودة بحدّ خاصّ و متخصّصة بمبدأ مخصوص من المبادي؛ كاسم الفاعل و المفعول و أضرابها. و قسم آخر قد وضع بإزاء الأحداث المنتسبة إلى الذات بنحو من النسبة؛ كالمصادر و الأفعال. (و محلّ البحث في المقام) إنّما هو القسم الأوّل. و حاصل البحث هو أنّ مدلول اللفظ في المشتقّات ليس هو نفس الذات بما هي؛ كما في الأعلام و أسماء الأجناس ليصدق على الذات بتمام أطوارها و أحوالها ما دامت الذات موجودةً، بل هو الذات حال كونها محدودةً بحدّ خاصّ عرضي، كالذات الثابت له العلم أو الحركة أو البياض؛ فلا يصدق على الذات الخالية عن الحدّ المتقيّدة به الذات»، (إنتهی ملخّصاً). [7]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

و قال المحقّق الخوئيّ (رحمة الله): «إنّ المراد بالمشتقّ في محلّ الكلام ليس مطلق المشتقّات الاصطلاحيّة، بل خصوص ما يجري منها على الذات بملاحظة اتّصافها بصفة خارجة عن مقام الذات، سواء كانت الصفة من الأعراض، كالسواد و البياض، أو من الأمور الانتزاعيّة، كالشدّة و الضعف؛ فإنّهما منتزعان من قيام أحد الأعراض بموضوعه؛ كالحركة العارضة للجسم، أو من الأمور الاعتباريّة؛ كالزوجيّة و الملكيّة». [8]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

تعيين حدود محلّ النزاع‌ (النسبة بين المشتقّ الأصوليّ و المشتقّ النحويّ و الصرفي)

إنّ النسبة بين المشتقّ الأصوليّ و المشتقّ الصرفيّ عموم من وجه [9] [10] ؛ إذ بعض المشتقّات الاصطلاحیّة خارج عن محلّ النزاع؛ مثل: المصادر و الأفعال و قسم من الجوامد داخل فی محلّ النزاع؛ مثل: الزوج و الحرّ و العبد و أمثالها؛ کما ذهب إلیه المحقّق الخراسانيّ (رحمة الله). [11]

قال المحقّق المشکینيّ (رحمة الله): «النسبة بينه و بين المشتقّ النحويّ عموم من وجه [12] ؛ لصدق الأوّل على الجوامد المنتزعة عن غير مقام الذات، دون الثاني و صدقه على الأفعال و المصادر المزيد فيها، دون الأوّل. و صدقهما في سائر المشتقّات النحويّة».[13]

و قال الشیخ المظفّر (رحمة الله): «إعلم أنّ «المشتقّ» باصطلاح النحاة ما يقابل «الجامد» و مرادهم واضح. و لكن ليس هو موضع النزاع هنا، بل بين المشتقّ بمصطلح النحويّين و بين المشتقّ المبحوث عنه عموم و خصوص من وجه؛ لأنّ موضع النزاع هنا يشمل كلّ «ما يحمل على الذات باعتبار قيام صفةٍ فيها خارجةٍ عنها تزول عنها» و إن كان باصطلاح النحاة معدوداً من الجوامد، كلفظ «الزوج» و «الأخ» و «الرقّ» و نحو ذلك. و من جهة أخرى لا يشمل الفعل بأقسامه و لا المصدر و إن كانت تسمّى مشتقّات عند النحويّين.

و السرّ في ذلك: أنّ موضع النزاع هنا يعتبر فيه شيئان:

أن يكون جارياً على الذات، بمعنى أنّه يكون حاكياً عنها و عنواناً لها، نحو: اسم الفاعل و اسم المفعول و أسماء المكان و الآلة و غيرهما و ما شابه هذه الأمور من الجوامد. و من أجل هذا الشرط لا يشمل هذا النزاع الأفعال و لا المصادر؛ لأنّها كلّها لا تحكي عن الذات و لا تكون عنواناً لها و إن كانت تسند إليها.

2- ألّا تزول بزوال تلبّسها بالصفة- و نعني بالصفة المبدأ الذي‌ منه يكون انتزاع المشتقّ و اشتقاقه و يصحّح‌[14] صدقه على الذات- بمعنى أن تكون الذات باقيةً محفوظةً لو زال تلبّسها بالصفة، فهي تتلبّس بها تارةً و لا تتلبّس بها أخرى و الذات تلك الذات في كلا الحالين.

و على هذا، لو كان المشتقّ من الأوصاف التي تزول الذات بزوال التلبّس بمبادئها؛ فلا يدخل في محلّ النزاع و إن صدق عليها اسم المشتق، مثلما لو كان من الأنواع أو الأجناس أو الفصول بالقياس إلى الذات؛ كالناطق و الصاهل و الحسّاس و المتحرّك بالإرادة»، (إنتهی ملخّصاً). [15]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

و قال المحقّق الخوئيّ (رحمة الله): «إنّ النسبة بين محلّ الكلام و المشتقّ الاصطلاحيّ هي العموم من وجه، فربّ مشتقّ اصطلاحي كان خارجاً عن محلّ الكلام، كالمصادر و الأفعال. و ربّ جامد كان داخلاً فيه؛ كالزوج و الحرّ و العبد و أمثالها». [16]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

و قال بعض الأصولیّین (حفظه الله): «هل النزاع يختصّ بالمشتقّ الصرفيّ فحسب؟ و بعبارة أخرى: هل المشتقّ في الأصول هو المشتقّ في علم الصرف، أو له اصطلاح خاصّ؟ الظاهر أنّ له اصطلاحاً جديداً في الأصول و أنّ النسبة بين المشتقّ الأصوليّ و المشتقّ الصرفيّ عموم من وجه. و المهمّ في المشتقّ الأصوليّ أن يحوى أموراً أربعة:

الأوّل: الذات المتلبّسة بالمبدأ.

الثاني: مبدأ الاشتقاق.

الثالث: تحقّق التلبّس في زمان من الأزمنة الثلاثة.

الرابع: انقضاء التلبّس. فالملاك في دخول شي‌ء في محلّ النزاع اجتماع هذه الأمور فيه.

و حيث إنّ بعض المشتقّات الصرفيّة لا يكون واجداً لتمأمّها، فيكون خارجاً عن محلّ البحث؛ كالفعل الماضي أو المستقبل؛ فإنّ ذات الفاعل فيهما ليست جزءاً و إن كانا مشتقّين في اصطلاح الصرفيّين، بل أنّه نفس الحدث الواقع في زمان من الأزمنة. و كذلك الأوصاف التي لا يتصوّر فيها انقضاء المبدأ، نحو المولد حينما يقال: «مولد النبيّ (ص) مكّة» لأنّ وصف التولّد يتحقّق في‌ زمان و مكان و لا يكون له بقاء حتّى يتصوّر انقضائه أو عدمه. و كذلك الأوصاف التي تكون من ذاتيّات الشي‌ء؛ كالمحرقيّة بالنسبة إلى النار. و بالعكس يدخل بعض الجوامد الصرفيّة في محلّ النزاع؛ لاجتماع الأمور الأربعة المذكورة فيه؛ كالزوج و الزوجة. و لذلك قلنا بأنّ النسبة بين المشتقّ في علم الأصول و المشتقّ في علم الصرف هي العموم من وجه؛ فموضع اجتماعهما نظير اسم الفاعل و المفعول و موضع الافتراق هو الأفعال و الجوامد». [17]

أقول: کلامه (حفظه الله) متین.

 


[1] في بعض النسخ المطبوعة: أو الإيجاد.
[2] في« ب»: فإن أبيت.
[3] أي: بالمعنى النحويّ و إلّا فالاختصاص بالمشتقّ الذي ذكرناه لا يوجب الاختصاص.
[5] . نتائج الافکار فی الاصول، الشاهرودی، السید محمود، ج1، ص132.
[6] . علم الاصول فی ثوبه الجدید، المغنیة، محمد جواد، ج1، ص42.
[8] . مصباح الاصول (مباحث الالفاظ)، الخوئی، السید ابوالقاسم، ج1، ص186.
[14] في ط 2: يصح.
[16] . مصباح الاصول (مباحث الالفاظ)، الخوئی، السید ابوالقاسم، ج1، ص189.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo