< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محسن الفقیهی

42/07/29

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: مباحث الالفاظ/ الوضع/ استعمال اللفظ فی اکثر من معنی واحد

الإشکال الثاني عشر

قال بعض الأصولیّین (حفظه الله): «يرد عليه:

أوّلاً: أنّ القول بكون حقيقة الاستعمال فناء اللفظ في المعنى كلام شعريّ لا دليل عليه و أمّا قضيّة سراية القبح و الحسن فليست من جهة الفناء بل هي ناشئة من كثرة الاستعمال و حصول الأنس أو المنافرة بالنسبة إلى المعنى. و لذا لايحسّ متعلّم اللغة الجديدة قبحاً و لا حسناً في الألفاظ، لعدم حصول كثرة الاستعمال و الأنس بالنسبة إليه.

ثانياً: سلّمنا كون اللفظ فانياً في المعنى لكن إنّما يستلزم المحال فيما إذا تحقّق اللحاظان في آنٍ واحد. و أمّا ملاحظة المعنيين بلحاظين مستقلّين في آنين مختلفين قبل وقوع الاستعمال ثمّ استعمال اللفظ فيهما ثانياً فلا مانع منه و لايلزم منه محذور و لا حاجة إلى لحاظ المعنيين في آنٍ واحد، أي لا دليل على لزوم وحدة آن اللحاظ في الاستعمال.

و ثالثاً: أنّ أدلّ دليل على إمكان شي‌ء وقوعه و لاينبغي الإشكال في وقوع استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد في كلمات الفصحاء و البلغاء، كما يقال في جواب من شكا وجعاً في عينه الباكية و جفاف عينه الجارية: «أصلح اللَّه عينك» و يراد منه كلا المعنيين، بل لا يخفى لطفه و أنّه يستحسنه الطبع و الوجدان اللغوي، كما لا إشكال في أن يقول من دخل على زيد في داره و رأى جوده و سخاءه، مضافاً إلى كثرة رماده: «أنت كثير الرماد» بمعنيين فيريد المعنى الحقيقيّ و المعنى الكنائيّ معاً في استعمال واحد». [1]

أقول: کلامه (حفظه الله) متین.

و قال المحقّق الخراسانيّ (رحمة الله) في موضع آخر: «إنّ عدم جواز الاستعمال في الأكثر ليس لدعوى اعتبار قيد الوحدة و الانفراد فيما يراد، أو كون الوضع في حال الانفراد. و معه يكون المقتضي للجواز غير محرز و هو كافٍ لعدم إحراز حكم الوضع إلّا في هذا الحال؛ لأنّه من الأمور التوقيفيّة، كي يتوجّه عليها منع اعتبار هذا القيد و عدم اقتضاء كون الوضع في هذا الحال لعدم إحراز المقتضى للجواز؛ إذ يكفي فيه ثبوت وضعه للمعنى من دون اعتبار قيد الانفراد في الوضع أو الموضوع له كما لا يخفى، بل لأجل أنّ الاستعمال في الأكثر محال عقلاً». [2]

یلاحظ علیه: بالإشکالات السابقة و لا یحتاج إلی التکرار.

قال المحقّق الإیروانيّ (رحمة الله): «إنّ استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد على نحو الاستقلال غير معقول؛ لما ذكرناه من أنّه يؤدّي إلى التناقض؛ فإنّ إرادة المتعدّد مع استقلال كلّ واحد بالإرادة مرجعه إلى إرادة المتعدّد و عدم إرادة المتعدّد في استعمال واحد». [3]

أقول: ترد علیه الإشکالات السابقة.

الدلیل الثاني

 

قال المحقّق النائینيّ (رحمة الله): «إنّ الاستعمال ليس إلّا إيجاد المعنى في الخارج و إلقائه في العين و الملحوظ أوّلاً و بالذات هو المعنى و اللفظ ملحوظ بتبعه‌؛ فلازم الاستعمال في المعنيين تعلّق اللحاظ الاستعماليّ في آنٍ واحد بمعنيين و لازمه الجمع بين اللحاظين في آنٍ واحد و هو ممتنع عقلاً. و لا فرق فيما ذكرنا بين الاستعمال في المعنيين الحقيقيّين‌ أو المجازيّين أو معنى مجازيّ و حقيقيّ و لا بين المفرد و غيره و لا بين النفي و الإثبات». [4]

أقول: ترد علیه الإشکالات السابقة.

الإشکالان في الدلیل الثاني

الإشکال الأوّل

هذا الاستدلال ضعيف في الغاية، فإنّه لا استحالة في الجمع بين اللحاظين، إن كان الملحوظ بأحدهما غير الملحوظ بالآخر كما في المقام، بل هو واقع كثيراً كما في الخل، فإنّه يستدعي لحاظ الموضوع و المحمول و النسبة بينهما، فيلزم الجمع بين لحاظ الموضوع و لحاظ المحمول في آنٍ واحد؛ لأنّ الحكم بثبوت شي‌ء لشي‌ء يستلزم الالتفات إليهما و لايمكن مع الغفلة عن أحدهما أو كليهما.

و كذا الحال فيما إذا صدر من الإنسان أعمال متعدّدة اختياريّة في آنٍ واحد، بأن يصدر عمل بيده و عمل آخر برجله في آنٍ واحد، فيلزم الجمع بين اللحاظين في آنٍ واحد؛ لأنّ الفعل الاختياريّ مسبوق بالإرادة المسبوقة بالتصوّر و اللحاظ.

و بالجملة الجمع بين اللحاظين في آنٍ واحد ممّا يحكم بوقوعه ضرورة الوجدان عند ما نرجع الى أنفسنا، فضلاً عن إمكانه.

نعم يستحيل الجمع بين اللحاظين في آنٍ واحد، فيما إذا كان الملحوظ بهما واحداً بأن يلاحظ شي‌ء واحد في آنٍ واحد بلحاظين، فإنّه كما لايمكن أن يكون شي‌ء واحد شخصيّ موجوداً في الخارج بوجودين، كذا لايمكن أن يكون شي‌ء واحد موجوداً في الذهن بوجودين، فلايمكن أن يكون شي‌ء واحد في آنٍ واحد ملحوظاً بلحاظين.[5]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

الإشکال الثاني

إنّ الممتنع هو اجتماع لحاظين مستقلّين في آنٍ واحد في معنى واحد، لأنّه أشبه باجتماع المثلين. و أمّا تعلّق اللحاظين المستقلّين بمعنيين في آنٍ واحد -كما في المقام- فليس يمتنع. و الشاهد على ذلك أنّ النفس تستخدم العين و السمع و الذائقة و الشامّة في آنٍ واحد و يكون مدركات كلّ منها ملحوظةً بالاستقلال أيضاً. [6]

أقول: کلامه (حفظه الله) متین؛ لأنّ الذهن أوسع من ظرف الخارج حیث یأتي فیه اجتماع الضدّین، ثمّ یحکم بمحالیّته. و لذا یقولون فرض المحال لیس بمحال.

الإشکال الثالث

يلاحظ عليه، أوّلاً: بالنقض بقولنا «زيد قائم»، فإنّه لو لم‌ يجتمع لحاظ الموضوع و المحمول في زمان واحد، فكيف يمكن صدور الحكم من النفس بثبوت المحمول للموضوع!

و ثانياً: بالنقض بصدور فعلين اختياريّين من شخص في زمان واحد؛ كصدور الكتابة و التكلّم منه، مع أنّهما محتاجان في صدورهما الى اللحاظ.

و ثالثاً: بأنّ ما ذكره من عدم إمكان لحاظين تفصيليّين من النفس في آنٍ واحد خلاف الوجدان جزماً، فإنّا إذا راجعنا أنفسنا، وجدناها قادرةً على تصوّر أمور متعدّدة في آنٍ واحد.

الدلیل الثالث (إستحالة اجتماع اللحاظين)

قال المحقّق العراقيّ (رحمة الله): «إنّه لو بنينا في وضع الألفاظ على المرآتيّة- كما هو التحقيق أيضاً- فلاينبغي الإشكال في أنّ الحقّ مع من يدّعى الامتناع العقليّ من جهة ما فيه من استلزامه لاجتماع اللحاظين في آنٍ واحد في لفظ واحد للاحظ واحد و هو من المستحيل». [7]

یلاحظ علیه: بالإشکالات السابقة.

الدلیل الرابع

إنّ حقيقة الاستعمال إيجاد المعنى بالجعل و المواضعة و التنزيل، لا بالذات؛ إذ لا يعقل أن يكون وجود واحد وجوداً لماهيّتين بالذات كما هو واضح. و حيث أنّ الموجود الخارجيّ‌ بالذات واحد، فلا مجال لأن يقال بأنّ وجود اللفظ وجود لهذا بالمعنى خارجاً وجود آخر لمعنى آخر، حيث لا وجود آخر كي ينسب إلى الآخر بالتنزيل و ليس الاستعمال إلّا إيجاد المعنى بنحو وجوده اللفظيّ خارجاً. و قد عرفت أنّ الإيجاد و الوجود متّحدان بالذات و حيث إنّ الوجود واحد، فكذا الإيجاد. و بالجملة الاستقلال في الإيجاد التنزيلي -كما هو معنى الاستعمال الذي هو محلّ الكلام- يقتضي الاستقلال في الوجود التنزيليّ و ليس الوجود التنزيليّ إلّا وجود اللفظ حقيقةً فالتفرّد بالوجود التنزيليّ و الاختصاص به تقتضي التفرّد بالوجود الحقيقي، و إلّا لكان وجوداً تنزيليّاً لها معاً لا لكلّ منفرداً، فتدبّره جيداً. [8]

الإشکالات في الدلیل الرابع

الإشکال الأوّل

لا يخفى ما في هذا الاستدلال؛ لأنّا لا نسلّم أنّ الاستعمال عبارة عمّا ذكره و هو مجرّد دعوى لا شاهد عليها و قد عرفت معناه. [9]

الإشکال الثاني

أوّلاً: أنّ هذا التقريب يستلزم امتناع الاشتراك؛ لأنّ امتناع الاستعمال متفرّع على كون اللفظ وجوداً لطبيعيّ المعنى و لا يعقل كون اللفظ الواحد، داخلاً في‌ طبيعيّ المعنيين المختلفين ماهيّةً.

و ثانياً: ليس الاستعمال إيجاد المعنى.

و ثالثاً: إنّ الخلط بين الحقائق و الاعتباريّات، غير جائز على مثله الذي هو الواقف على مفاسده. و لذلك وقع فيه الآن؛ ضرورة أنّ اللفظ من مقولة و المعنى من مقولات شتّى و لا يعقل الاندراج مطلقاً. و إذا صحّ الاندراج في الجملة اعتباراً، فلا مضايقة من ذلك بنحو الكلّي؛ إذا كان فيه الغرض العقلائي، فلاحظ و تدبّر جيّداً. [10]

کما قال بعض الأصولیّین (حفظه الله): «إنّ المراد من كون الألفاظ وجودات تنزيليّةً للمعاني تشبيه للألفاظ بالوجودات الخارجيّة و يكون المقصود هاهنا أنّ وجود اللفظ علامة لوجود المعنى و إلّا لا إشكال في أنّ اللفظ و دلالته على معناه أمر اعتباريّ عقلائيّ و لا يقاس بالوجودات الحقيقيّة الخارجيّة، فإنّ هذا أيضاً من الموارد التي وقع فيها الخلط بين المسائل اللغويّة و المسائل الفلسفيّة. و عليه لا مانع من استعمال لفظ و إرادة معنيين». [11]

و کما قال بعض الأصولیّین (حفظه الله): «إنّ أساسه خلط الاعتبار بالتكوين؛ فإنّ الإيجاد التكوينيّ لايتعلّق إلّا بماهيّة واحدة دون ماهيّتين. و أمّا الإيجاد الاعتباريّ فلا دليل على أنّه كذلك؛ إذ أيّ مانع من فرض اللفظ وجوداً لكلّ من المعنيين في وعاء الاعتبار و هل هذا إلّا إجراء حكم التكوين على الاعتبار؟أضف إلى ذلك أنّه لا دليل على أنّ اللفظ إيجاد للمعنى، بل وسيلة للالتفات إلى المعنى، فاستعمال اللفظ أشبه بكونه سبباً للانتقال إلى المعنى». [12]

أقول: کلماتهم متین.

الإشکال الثالث

إنّ تعدّد المنزل عليه لايستدعي تعدّد المنزل؛ إذ يمكن أن يكون الوجود الواحد منزلاً منزلة أمور متعدّدة بتنزيلات متعدّدة؛ فلانحتاج إلى وجود حقيقيّ آخر لينزل منزلة المعنى الآخر. و لولا ذلك لسرى الإشكال إلى أصل وضع اللفظ للمعنيين و لميختصّ الإشكال باستعماله فيهما، فإذا صحّ في مقام الوضع تنزيل اللفظ الواحد بتنزيلين بإزاء معنيين لم يكن ما يمنع من إخراج كلّ من التنزيلين عن القوّة إلى الفعل. [13]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

الإشکال الرابع

أقول: فيه، أوّلاً: أنّ هذا خلاف مبناه في تفسير حقيقة الوضع من أنّه اعتبار اللفظ على المعنى، كوضع العَلَم على المكان ليدلّ على أنّه رأس الفرسخ، فإنّ تنزيل اللفظ منزلة المعنى لا بدّ أن يكون في مرحلة الوضع؛ كما صرّح بذلك نفسه.

و ثانياً: أنّه لا مانع من تنزيل شيء واحد منزلة شيئين؛ فإنّ التنزيل و الادّعاء سهل المؤونة. و لو لا ذلك، لامتنع الاشتراك اللفظيّ و وضع لفظ واحد على أكثر من معنى. و حيث إنّ المفروض إمكانه، فيكون استعمال حينئذٍ إيجاداً لجميع المعاني الموضوع له اللفظ بالإيجاد التنزيلي.

و ثالثاً: أنّ الاستقلال في الاستعمال يعني لحاظ المعنى بما هو على نحو يُرَى اللفظ منبسطاً عليه و متّحداً معه بالنظر التصوّري، في قبال أن يرى اللفظ منبسطاً على مجموع المعنيين؛ فما ذكره من أنّه لا يجتمع وحدة الوجود الحقيقيّ للفظ مع تعدّد وجوده التنزيليّ المستقلّ للمعنى، ففي غير محلّه، حيث إنّ الاستقلال في الوجود التنزيليّ للمعنى يجتمع مع أن يكون وجود حقيقيّ واحد منزّلاً منزلة معنيين مستقلّين.

الدلیل الخامس

ضرورة استحالة تعلّق الاستعمال الواحد بمعنيين مختلفين استقلالاً بأن يكون كلّ منهما متعلّقاً للاستعمال أصالةً.

توضيح الأمر أنّ الاستعمال الذي هو نوع من إيجاد اللفظ مبهم في حدّ نفسه لايتعيّن إلّا بتعلّقه بالمستعمل فيه، فمنزلته من الاستعمال منزلة الفصل من الجنس فكما يستحيل اجتماع فصلين موجبين لتحصّل نوعين على موجود واحد فكذلك يستحيل اجتماع تعلّقين فصاعدا على استعمال واحد و إلّا لزم صيرورة الموجود الواحد متعدّداً و هو خلف للفرض و أيضاً قد تبيّن لك ممّا بيّنّاه سابقاً أنّ استعمال الإسم في المعنى لايكون إلّا بتوسط عنوان المسمّى؛ فالمستعمل فيه حقيقةً إنّما هو عنوان المسمّى و المعنى الحقيقيّ او المجازيّ إنّما يكون محلّاً لإطلاق المسمّى و انطباقه عليه تحقيقاً أو تنزيلاً؛ فاللفظ مرآةً للعنوان أوّلاً و إن كان المقصود بالأصالة غالباً هو المعنون دون العنوان. و من المعلوم أنّ انطباق العنوان على المعاني المتعدّدة حقيقيّةً أم مجازيّةً على سبيل التبادل؛ فلا يعقل إرادة معنيين فصاعدا من اللفظ فى استعمال واحد على سبيل الاستقلال بأن يكون كلّ منهما مراداً و موضوعاً للحكم و محطّاً للنفي و الإثبات و إلّا لزم خلف الفرض و رجوع الإطلاق البدليّ إلى الشمولي.[14]

أقول: قیاس الأمور الاعتباریّة و التنزیلیّة بالجنس و الفصل قیاس مع الفارق.

القول التاسع: جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد مطلقاً (في المفرد و التثنیة و الجمع و في المعنيين الحقيقيّين‌ و في المعنيين المجازیّین و في المعنى الحقيقيّ و المجازي) [15]

قال الحائريّ الیزديّ (رحمة الله): «إنّه اختلف في جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد بأن يراد كلّ واحد مستقلّاً كما اذا استعمل فيه وحده على أقوال، الحقّ الجواز، بل لعلّه يعدّ في بعض الأوقات من محسّنات الكلام». [16]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

أقول: إنّه یمکن الجمع بین القول العاشر و الأوّل.

أدلّة القول التاسع

الدلیل الأوّل

إنّ ما وضع له اللفظ هو ذوات المعاني بأوضاع عديدة و ليس في كلّ وضع تقييد المعنى بكونه مع قيد الوحدة بالوجدان و لايكون منع من جهة الواضع أيضاً؛ ضرورة أنّ كلّ أحد لو راجع نفسه حين كونه واضعاً للفظ زيد بإزاء ولده ليس مانعاً من استعمال ذلك اللفظ في غيره و لايتصوّر مانع عقليّ في المقام، فالمجوّز للاستعمال موجود و هو الوضع و ليس هناك ما يقبل المنع. [17]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

الدلیل الثاني

أمّا الأوّل[18] فلوجود المقتضي و عدم المانع.

أمّا المقتضي فهو الوضع؛ لأنّ الموضوع له هو ذوات المعاني بأوضاع عديدة من غير تقييد بالوحدة وجداناً و لا تمانع بين الوضعين، فكلّ وضع يقتضي الاستعمال مطلقاً.

و أمّا عدم المانع فلأنّه إن كان ثمّة منع فإمّا أن يكون من جهة نفس الوضع، أو الواضع أو من العقل، أمّا من جهة الوضع فقد عرفت أنّه لايمنع منه، بل يقتضيه و أمّا من جهة الواضع فلأنّه لميلاحظ حال الوضع وجود وضع آخر و لا عدم وجوده، فاستعماله في حال الاجتماع عمل بالوضع كاستعماله حال الانفراد و أمّا عدم المانع عقلاً فليس في المقام ما يوهمه إلّا ما ذكره غير واحد. [19]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

الدلیل الثالث

إنّ أقوى أدلّة الإمكان و أسدّها الوقوع و هذا النحو من الاستعمال واقع كثيراً و هو في كثير من المواقع حسن جيّد جدّاً.

و عليه تدور رحى عدّة من نكات البديع كالتورية و أحسن أقسام التوشيع[20] . [21]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

القول العاشر: جواز استعمال اللفظ في أكثر من‌ معنى‌ واحد مطلقاً (في المفرد و التثنیة و الجمع و في النفي و الإثبات) [22]

قال النجفيّ الاصفهانيّ (رحمة الله): «الحقّ جوازه مطلقاً، بل وقوعه كثيراً، بل حسنه و ابتناء كثير من نكات الصناعة عليه». [23]

أقول: إنّه یمکن الجمع بین القول العاشر و القول الأوّل.

القول الحادي عشر: جواز استعمال اللفظ في أكثر من‌ معنى‌ واحد عقلاً و لغةً (وضعاً) علی نحو الحقیقة [24] [25]

قال المحقّق البروجرديّ (رحمة الله): «أمّا في مقام الإثبات و الاستظهار فمعلوم أنّه بعد فرض إمكان الاستعمال عقلاً في أكثر من معنى واحد و بعد فرض جوازه لغةً بمعنى عدم لزوم الغلط و بعد فرض كونه على نحو الحقيقة لا المجاز فلابدّ و أن يحمل على تمام معانيه بعد فرض عدم وجود قرينة معيّنة في المقام حتّى يتعيّن به خصوص معنى واحد من بين المعاني؛ كقول القائل: جئني بعين و لم يكن هناك قرينة معيّنة في البين؛ فيحمل على كلّ ما وضع له لفظ العين من العين الجارية و الباكية و غيرهما من المعاني الحقيقيّة.

و هذا نظير عمومات البيع التي يستفاد منها العموم أو الإطلاق بعد عدم وجود قرينة في البين؛ فيستفاد منها حكم جميع أقسام البيوع و أنواعها مع فرق أنّ البيع استعمل في معنى واحد على سبيل العموم الاستغراقيّ و العين استعمل في المعاني الكثيرة لا على هذا الوجه، بل استعمل في كلّ واحد من المعاني كلّ على نحو التفصيل و الاستقلال». [26]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

أقول: إنّه یمکن الجمع بین القول الحادي عشر و القول الأوّل.

القول الثاني عشر: جواز استعمال اللفظ في أكثر من‌ معنى‌ واحد عقلاً و لغةً (وضعاً) [27]

أقول: إنّه یمکن الجمع بین القول الثاني عشر و القول الأوّل.

القول الثالث عشر: جواز استعمال اللفظ في أكثر من‌ معنى‌ واحد علی نحو الحقیقة مطلقاً (في المفرد و التثنية و الجمع) [28] [29]

أقول: إنّه یمکن الجمع بین القول الثالث عشر و الثاني عشر و الحادي عشر و العاشر و التاسع و الأوّل.

القول الرابع عشر: جواز الاستعمال عقلاً و منعه عرفاً إلّا مع القرینة مطلقاً (في المفرد و التثنیة و الجمع و في المعنيين الحقيقيّين‌ و في المعنيين المجازیّین و في المعنى الحقيقيّ و المجازي)[30]

قال المحقّق الخوئيّ (رحمة الله): «لا مانع من استعمال اللفظ في المعنيين، فإنّه من قبيل جعل شي‌ء واحد علامةً لشيئين و لا محذور فيه أصلاً».[31]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

المثال لاستعمال اللفظ المشترك في أكثر من معنى واحد

قال المحقّق الخوئيّ (رحمة الله): «قد نقل بعض الأعاظم‌[32] عدّةً من الموارد التي استعمل فيها لفظ المشترك في أكثر من معنى من الأشعار و غيرها.

منها - على ما هو ببالي - أنّه كان لشاعر حبيب في بلد و كان اسم الحبيب و البلد واحد كالنجمة (مثلاً) فسئل الشاعر في الطريق و قيل له: إلى أين و إلى من؟ فأجاب بقوله: إلى النجمة و أراد منها البلد و الحبيب، لكون السؤال منهما». [33]

القول الخامس عشر: جواز استعمال اللفظ الواحد في أكثر من‌ معنى‌ واحد عقلاً و منعه عرفاً إلّا مع القرینة في غیر الکتاب و السنّة و الظاهر جوازه علی حسب القواعد الأدبيّة مطلقاً (في المفرد و التثنیة و الجمع) [34] و لا يجوز الجمع بين معنى الحقيقيّ و المجازيّ و كذا المطابقيّ و الكنائي‌ [35]

دلیل عدم جواز الاستعمال في الكتاب و السنّة

قال الشهید مصطفی الخمینيّ (رحمة الله): «التحقيق جوازه عقلاً و ممنوعيّته عرفاً، إلّا مع الشواهد -كما في‌ كلمات البلغاء و الفصحاء- و أمّا في الكتاب و السنّة فإنّه بعيد؛ لأنّه أقرب إلى الأحجّيّة من الجد؛ ضرورة لزوم خلوّ القوانين الموضوعة للإرشاد من تلك الكلمات و الاستعمالات حسب الذوق السليم و الارتكاز المستقيم». [36]

أقول: لا دلیل علی ذلك؛ فإنّ الکتاب و السنّة علی لسان البلغاء و الفصحاء و العقلاء و بلسان القوم.

دلیل عدم جواز الجمع بین معنی الحقیقيّ و المجازي

إنّ المجاز هو استعمال اللفظ في غير ما وضع له و إتيان القرينة على عدم إرادة المعنى الموضوع له. و هذا لا يجتمع مع إرادة الحقيقة و لأنّ الحقيقة و المجاز من الأوصاف المتقابلة و لا يعقل اتّصاف الشي‌ء الواحد بهما و لأنّ الإتيان بالقرينة على وجه يستحسنه الطبع، غير ميسور و التصريح بإرادة المعنيين، خروج عن الاستعمال المتعارف العقلائي. [37]

أقول: لا منافاة بین إرادة المعنی الحقیقيّ و المجازيّ مع وجود القرینة علی ذلك؛ إذ الإخبار برؤیة الأسد (مثلاً) یمکن علی معنیین الحیوان المفترس و الرجل الشجاع و لکن لا بدّ من وجود القرینة علی ذلك.

دلیل عدم جواز الجمع بین معنی المطابقي و الكنائي

إنّ الكناية حقيقتها إطلاق اللفظ و إرادة لازم المعنى المطابقي، فإرادة المعنى المطابقيّ و الالتزاميّ و إن لمتكن ممتنعةً و لكنّها خلاف التعهّد في الاستعمال. [38]

أقول: لا منافاة بین الجمع بین المعنی المطابقيّ و الالتزامي، بل الالتزام و التضمّن لازم المطابقة، حیث یلزمهما المطابقة و لو تقدیراً.

القول السادس عشر: جواز استعمال اللفظ المشترك في أکثر من معنی واحد عقلاً و عدم جوازه عرفاً [39]

أقول: لا دلیل علیه و یلاحظ علیه بالإشکالات السابقة.

القول السابع عشر: جواز استعمال اللفظ في أکثر من معنی عقلاً و جوازه وضعاً (لغةً) في المفرد علی نحو الحقیقة و عدم إمکانه في التثنیة و الجمع [40]

أقول: لا دلیل علیه و ترد علیه الإشکالات السابقة.

الدلیل علی جواز الاستعمال وضعاً في المفرد

إنّ الواضع مع التوجّه و الالتفات وضع لفظ العين (مثلاً) لمعان متعدّدة بأوضاع متعدّدة و لانعرف منه تعهّداً و شرطاً بأن يقول: هذا الوضع مشروط بعدم استعمال المستعمل في أكثر من معنى واحد حين الاستعمال، بل يقتضي نفس وضع اللفظ لمعان متعدّدة استعماله في أكثر من معنى واحد، مع أنّا لانرى في كتب أهل اللغة و كتب التأريخ‌ من الشرط المذكور أثراً و لا خبراً. [41]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

الدلیل علی عدم إمکان استعمال التثنية و الجمع في أكثر من معنى

إنّ هيئة التثنية و الجمع- أي الألف و النون أو الواو و النون- موضوعة للدلالة على إرادة المتعدّد من مدخولها و تدلّ على تضاعف المفرد، فإن أريد من المفرد ككلمة العين (مثلاً) في قولك: «رأيت عينين» المعنيان- كالجارية و الباكية- فالهيئة الطارئة عليها تدلّ على فردين من الجارية و فردين من الباكية و هذا ليس من باب استعمال اللفظ في أكثر من معنى، بل هو من باب استعمال المفرد في ذلك، فإنّ التثنية مستعملة في معناها الموضوع له الذي يدلّ على تضاعف المفرد و هذا بعينه نظير ما إذا ثنّي يكون متعدّداً من نفسه؛ كالطائفة في قولنا: «رأيت طائفتين» فكما أنّه لميذهب إلى وهم أحد أنّ التثنية في أمثال هذه الموارد مستعملة في أكثر من معنى فكذلك في المقام.

و الحاصل: أنّ دلالة الهيئة تابعة للمفرد و المادّة، فإن أريد بالمادّة طبيعة واحدة- كالذهب- فالهيئة تدلّ على إرادة المتعدّد منه. و إن أريد بالمادّة الطبيعتان المختلفتان، فالهيئة تدلّ على إرادة المتعدّدة منهما، فلا معنى لاستعمال التثنية و الجمع في أكثر من معنى رأساً؛ فيكون محلّ النزاع في هذا البحث لفظ المفرد فقط. [42]

أقول: لا دلیل علیه، بل ترد علیه الإشکالات السابقة؛ فإنّ التثنیة و الجمع و إن کانتا لتعدّد المعنی بالوضع الحقیقي، لکن یمکن أن تراد منهما المعاني المتعدّدة مع القرائن إذا کانت موافقةً للذوق السلیم؛ کما یشاهد ذلك في کلمات البلغاء و الفصحاء و في الأشعار؛ فلا وجه للإنکار رأساً.

القول الثامن عشر: جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى عقلاً و جواز استعماله لغةً و عرفاً مع القرینة مطلقاً (في المعنیین الحقیقیّین أو المعنی الحقیقيّ و المجازيّ أو الحقیقیّ و الکنائيّ و في النفي و الإثبات و في المفرد و التثنیة و الجمع) [43]

أقول: کلامه (حفظه الله) متین. و لعلّه موافق للقول الأوّل.

القول التاسع عشر: جواز استعمال اللفظ المشترك في أكثر من معنى عقلاً و جواز استعماله وضعاَ (لغةً) مع الدلیل مطلقاً (في المعنی الحقیقيّ و المجازيّ و في المفرد و التثنیة و الجمع) [44]

أقول: کلامه (حفظه الله) متین، لکن لا فرق بین المشترك و غیره.

الدلیل علی أنّ استعمال اللفظ المشترك في أكثر من معنى حقیقة في المفرد و التثنیة و الجمع

إنّ محطّ النزاع استعمال اللفظ في كلّ واحد من المعنيين مستقلّاً، بالنظر إلى الوضعين لا في مجموع المعنيين على نحو التركيب و لا في الجامع بين المعنيين و قد عرفت أنّ الوحدة ليست قيداً للوضع و لا للموضوع له. [45]

أقول: کلامه (حفظه الله) متین.

کلام الحجّة التبریزيّ في المقام

قال (رحمة الله): «لا يخفى عليك أنّ عمدة الخلط الواقع في المقام نشأ من اشتباه محلّ النزاع و عدم فهم أنّ محلّ الكلام في الجواز و عدمه يكون في أيّ مورد.

أوّلاً نذكر مقدّمةً و إذا فهمت هذه المقدّمة يظهر لك بمجرّد التوجّه ما هو الحقّ في المقام.

فنقول مستعينين باللّه - جلّ ثناؤه- إنّ كلّ متكلّم إذا أراد استعمال لفظ في معنى و يصير بصدد إراءة المعنى بواسطة اللفظ تارةً يلاحظ معنى واحداً و يضع له اللفظ و يستعمله؛ مثلاً: يتوجّه بمعنى «زيد» و يريد إلقاءه نحو المخاطب فبعد لحاظ المعنى يضع لفظ «زيد» بإزائه و يستعمله و يري المخاطب هذا المعنى بهذا اللفظ.

و تارةً يلاحظ معنيين فإذا أراد أن يستعمل اللفظ الكذائيّ بإزائهما يتصوّر جامعاً بينهما ثمّ يضع له لفظ واحد و يستعمل هذا اللفظ لإراءة هذا الجامع». [46]

 


[5] مصباح الأصول (مباحث الألفاظ)، الخوئی، السید ابوالقاسم، ج‌1، ص179.
[14] مقالات حول مباحث الألفاظ، البهبهانی، السید علی، ج1، ص40.
[18] جواز الاستعمال مطلقاً.
[20] التوشيع في اصطلاح البديعيّين أن يأتي الشاعر باسم مثنّى، ثمّ يأتي باسمين مفردين يفسّران الأوّل. (منه رحمة الله).
[29] . مبانی الاحکام، الحائری، الشیخ مرتضی، ج1، ص118.
[30] مصباح الأصول (مباحث الألفاظ)‌، الخوئی، السید ابوالقاسم، ج1، ص : 181.
[31] مصباح الأصول (مباحث الألفاظ)‌، الخوئی، السید ابوالقاسم، ج1، ص : 181.
[32] هو المرحوم آقا رضا الاصفهانيّ (رحمة الله) في كتاب النقد و الفلسفة، على ما صرّح به سيّدنا الأستاذ العلّامة [الخوئيّ] حين المباحثة.
[33] . مصباح الأصول (مباحث الألفاظ)‌، الخوئی، السید ابوالقاسم، ج1، ص : 181.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo