< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محسن الفقیهی

42/07/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: مباحث الالفاظ/ الوضع/ استعمال اللفظ فی اکثر من معنی واحد

الإشکال السادس

ما ذكره من تبعيّة لحاظ اللفظ للحاظ المعنى إن أراد به أنّ اللحاظ يتعلّق أوّلاً و بالذات بالمعنى و ثانياً و بالعرض باللفظ؛ نظير: تبعيّة حركة جالس السفينة لحركة السفينة، فمن الواضح أنّه ليس كذلك.

و إن أراد بها أنّ الملحوظ أوّلاً هو المعنى، ثمّ ينتقل منه إلى لحاظ اللفظ، فيلزم‌ أن يكون المعنى آلةً للحاظ اللفظ و دالّاً عليه و هذا باطل قطعاً، فلابدّ أن يريد تعلّق اللحاظ أوّلاً باللفظ، ثمّ الانتقال منه إلى لحاظ المعنى و هو صحيح، لكن امتناع الاستعمال عليه مبنيّ على توقّف ذلك على لحاظ اللفظ مرّتين أو مرّات و هو ممنوع؛ لأنّه لا استحالة للحاظ اللفظ مرّةً واحدةً و جعله مرآةً لمعنيين أو أكثر و لم‌يقم على امتناعه دليل و لا برهان.

و ما ذكره (رحمة الله) من استلزامه لذلك مجرّد دعوى لا برهان عليها، كما أنّ العناوين المأخوذة في متعلّق الأحكام كذلك، كلفظ «العلماء» في قوله: «أكرم العلماء»؛ حيث جعل اللفظ في استعمال واحد مرآةً لجميع الأفراد الكثيرة بلحاظ واحد و لاينبغي الارتياب في ذلك و كما أنّ الموجودات الكثيرة المختلفة تكوّنت بإيجاد واحد، كذلك يقدر الإنسان على إيجاد أمور متعدّدة في صقع النفس بلحاظ واحد و كما تبصر النفس بالعين الباصرة أكثر من واحد باستعمال واحد و نظرة واحدة. [1]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

الإشکال السابع

إنّه إن أراد به الإفناء الحقيقيّ بأن يصير اللفظ نفس المعنى و متّحداً معه في نفس الأمر، فهو ممنوع؛ إذ الاستعمال ليس كذلك.

و إن أراد به الإفناء اللحاظي، بمعنى أنّ المتكلّم حيث إنّه غير ملتفت إلى اللفظ حين الاستعمال، بل توجّهه التامّ إلى المعنى و اللفظ مغفول عنه، فكأنّ المعنى هو الملقى‌ إلى المخاطب و كذلك المخاطب غير متوجّه إلى اللفظ، بل إلى المعنى فقط، فهو أيضاً ممنوع؛ لأنّ جعل اللفظ آلةً لإفهام المعنى- الذي هو معنى الاستعمال- يتوقّف على لحاظ اللفظ و لو بنحو الارتكاز و إلّا لميمكن جعله آلةً لإفهامه. [2]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

الإشکال الثامن

هذا الاستدلال صحيح، على ما ذكروه من أنّ الاستعمال عبارة عن ايجاد المعنى باللفظ و جعل اللفظ وجهاً و عنواناً للمعنى و هو مبنيّ على أن يكون الوضع عبارةً عن جعل اللفظ وجوداً تنزيليّاً للمعنى و قد عرفت ما فيه عند البحث عن حقيقة الوض

و أمّا على ما اخترناه من أنّ الوضع عبارة عن الالتزام و التعهّد بالتكلّم بلفظ خاصّ عند إرادة معنى مخصوص، فليس الاستعمال إلّا عبارةً عن فعليّة هذا التعهّد و جعل اللفظ علامةً لكون المعنى مراداً للمتكلّم.

و عليه فلا مانع من استعمال اللفظ في المعنيين؛ فإنّه من قبيل جعل شي‌ء واحد علامةً لشيئين و لا محذور فيه أصلاً.[3]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین علی مبناه.

الإشکال التاسع

أمّا حديث أنّ اللفظ فانٍ في المعنى و لا يعقل فناء الواحد في الإثنين، فلا أصل له؛ لأنّ اللفظ له نحو من التعيّن و المعنى كذلك و لا يعقل فناء أحد المتعيّنين في الآخر. نعم، لا ريب في أنّ اللفظ عنوان مشير إلى المعنى و يصحّ أن يكون شي‌ء واحد عنواناً مشيراً إلى شيئين. [4]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

الإشکال العاشر

إنّ اللفظ و المعنى قد يلاحظان بنظر المتكلّم و قد يلاحظان بنظر السام

توضيحه: أنّ المولى قبل صدور الأمر منه يلاحظ المعنى و يتوجّه إليه و لكن يتوجّه إلى اللفظ حين صدور الأمر و تفهيم مراده العبد، فيلاحظه تبعاً للمعنى و يقول: «جئني بماء» إلّا أنّه لا دليل لأن يكون اللحاظ التبعيّ متعدّداً، بل يلاحظه تبعاً بلحاظ واحد، فيلاحظ المعنيين ثمّ يلقي كليهما بلفظ واحد، فإذا كان الملحوظ بلحاظ استقلاليّ متعدّداً فلايستلزم أن يكون الملحوظ باللحاظ التبعيّ أيضاً متعدّداً.

و أمّا السامع و المخاطب فينتقل من اللفظ إلى المعنى فينعكس الأمر؛ إذ يكون لحاظ المعنى تبعاً للحاظ اللفظ و سماعه، فإذا كان اللفظ دالّاً على المعنيين انتقل منه إليهما من غير لزوم استحالة أبداً، فلايلزم من تبعيّة اللحاظ جمع اللحاظين في اللفظ. [5]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

الإشکال الحادي عشر (الإشکال علی کلام المحقّق الخراسانيّ و المحقّق النائیني)

إنّ النفس بما أنّها جوهر بسيط و لها صفحة واسعة تقدر أن تجمع بين اللحاظين المستقلّين في صفحتها في آنٍ واحد.

و يدلّ على ذلك أمور:

الأوّل: أنّا إذا رجعنا إلى أنفسنا وجدنا أنّها تقدر على تصوّر امور متضادّة أو متماثلة بتصوّرات مستقلّة في آنٍ واحد، فإنّ إسناد الرؤية- مثلا- إلى العين أو النفس إسناد حقيقي، و معلوم أنّ النفس بما لها من السعة تقدر على رؤية عدّة أشخاص في آنٍ واحد بلا تقدّم و تأخّر، فالرؤية مع كونها عملا للنفس تستلزم أن يكون المرئي متعدّدا، فلايكون اجتماع اللحاظين فيها ممتنعا أصلا.

الثاني: أنّ استفادة النفس في آنٍ واحد من قوّة السامعة و الباصرة و اللامسة لاتكون قابلةً للإنكار، فكيف تقدر النفس في آنٍ واحد على لحاظ المسموع و الملموس و أمثال ذلك! فيكشف أنّ للنفس سعة خاصّة تقدر بها بما لايمكن صدوره عن المادّي.

الثالث: أنّ في القضايا الحمليّة التي ملاكها الاتّحاد و الهوهويّة و إن كان الموضوع متقدّماً و المحمول متأخّراً من حيث اللفظ، إلّا أنّ حمل الشي‌ء و الحكم‌ بثبوته له كقولنا: «زيد قائم» يستدعي لحاظ كلّ من الموضوع و المحمول في آنٍ واحد و هو آن الحكم و إلّا لكان الحكم من النفس ممتنعاً، فلابدّ حين الحمل و الحكم من الالتفات إليهما و حضورهما معاً في النفس بلا تقدّم و تأخّر، فالحمل يستلزم الجمع بين اللحاظين الاستقلاليّين.

الرابع: أنّه لا إشكال في أنّ قولنا: السواد و البياض متضادّان قضيّة صحيحة و لا ريب في أنّ الموضوع فيها عبارة عن السواد و البياض بلا تقدّم و تأخّر في موضوعيّة أحدهما على الآخر، فالمتكلّم حين حمل المتضادّين عليهما إمّا أن يكون غافلاً عنهما و إمّا أن يكون ملتفتاً إلى كلّ واحد منهما و لا ثالث في البين. و حيث إنّ الأوّل غير معقول فتعيّن الثاني، فلابدّ من حضورهما و لو في آنٍ واحد عند النفس معاً حتّى يصحّ الحمل، فالاستحالة التي ادّعى المحقّق النائينيّ (رحمة الله) في جانب المعنى- أي اجتماع اللحاظين المستقلّين في آنٍ واحد عند النفس- ليست بتامّة، كما أنّ الاستحالة التي ادّعاها المحقّق الخراسانيّ (رحمة الله) في جانب اللفظ أيضاً ليست في محلّها. [6]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

 


[3] مصباح الأصول (مباحث الألفاظ)، الخوئی، السید ابوالقاسم، ج1، ص180.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo