< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محسن الفقیهی

42/07/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: مباحث الالفاظ/ الوضع/ استعمال اللفظ فی اکثر من معنی واحد

الإشکالات في القول الثامن

الإشکال الأوّل

قال المحقّق الرشتيّ (رحمة الله): «إنّ المسألة من التوقيفيّات الراجعة إلى علم اللغة، فلابدّ فيها من الانتهاء إلى طرائق ثبوتها؛ إذ الاستعمال على الوجه المزبور أمر ممكن لانجد في عقولنا ما يحيل ذلك؛ لضعف ما تمسّك به المحيّل، لكنّا لمنجد في طرق الوضع ما يدلّ على صحّته». [1]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

الإشکال الثاني

نمنع الملازمة؛ أمّا على التقرير الأوّل: فلأنّ المراد من تبعيّة لحاظ اللفظ للمعنى إن كان بمعنى أنّ المتكلّم يتصوّر المعنى فينتقل منه إلى اللفظ، فلانسلّم أنّه يجب أن ينتقل من تصوّر المعنيين انتقالين مستقلّين إلى اللفظ، بل ينتقل منهما إليه انتقالاً واحداً، كالانتقال من اللازمين لشي‌ء واحد إليه. و كون الانتقال إلى الملزوم غير آلي، لايوجب الفرق. هذا حال المتكلّم.

و أمّا السامع فيكون انتقاله من اللفظ إلى المعنى و إن كان اللفظ آليّاً منظوراً به و المعنى مقصوداً بالذات و منظوراً فيه، لكنّه في هذا الانتقال يكون المعنى تبعاً متأخّراً، فالسامع يسمع اللفظ و يحضر هو في نفسه و يدركه و ينتقل منه إلى المعنى. و لا يعقل أن ينتقل إلى المعنى قبل اللفظ، كما أنّ الناظر إلى الكتاب يدرك المكتوب أوّلاً و منه يدرك المعنى و إن كان الأوّل آلةً للثاني. فكما إذا سمعنا من متكلّمين دفعةً لفظاً ننتقل منه إلى معناه بالضرورة و لايلزم منه الجمع بين اللحاظين المستقلّين في المعنى، فكذلك في ناحية اللفظ.

و بالجملة: لايلزم من تبعيّة الانتقال جمع اللحاظين و الانتقالين في اللفظ، كما لايلزم في المعنى في المثال.

و إن كان المراد من التبعيّة سراية اللحاظ من المعنى إلى اللفظ، حتّى يكون في الاستعمال في المعنيين سرايتان، فهو ممنوع، بل غير معقول؛ للزوم انقلاب اللحاظ الاستقلاليّ آليّاً.

و إن كان المراد أنّ اللفظ ملحوظ ثانياً و بالعرض؛ حتّى يكون لحاظ واحد يستند إلى المعنى بالذات و إلى اللفظ بالعرض، فهو- مع كونه خلاف الواقع و خلاف المفروض- لايلزم منه اجتماع اللحاظين؛ لعدم اللحاظ في اللفظ حقيقةً.

أمّا على التقرير الثاني؛ فلأنّ غاية ما يكون لازماً في الاستعمال أن لايكون اللفظ غير ملحوظ مطلقاً و لو آليّاً. و أمّا لزوم ملحوظيّته في كلّ استعمال لحاظاً على حدة فلميدلّ عليه دليل؛ فجعل اللفظ آلةً لإفهام المعنيين هو استعماله فيهما و لابدّ من لحاظ اللفظ آليّاً في هذا الاستعمال و لايلزم منه اللحاظان. أ لاترى أنّ قوى النفس -كالباصرة و السامعة- آلات لإدراكاتها،- و تُدرك بها المبصرات و قد تبصر الشيئين و تسمع الصوتين في عرض واحد و لايلزم منه أن يكون للآلة حضوران لدى النفس؟. [2]

أقول: کلامه (رحمة الله) في کمال المتانة.

الإشکال الثالث

القائلون بالامتناع إمّا يعتقدون بصحّة الاستخدام[3] ، أو لا، لا سبيل إلى الثاني.

و على الأوّل: إمّا يظنّون أنّ الضمير يستعمل في الكلمة بما لها من المعنى، أو في نفس المعنى، أو لايستعمل إلّا فيما وضع له و هي الإشارة إلى المرجع، لا سبيل إلّا إلى الثاني. و عليه يتعيّن الاستعمال في الأكثر؛ لأنّه حين قوله: «إذا نزل السماء[4] بأرض قوم»[5] يريد بالإرادة الاستعماليّة المعنيين و بالإرادة الجدّيّة أحد المعنيين؛ بقرينة قوله: «نزل». و إذا وصل إلى قول الشاعر: «رعيناه[6] و إن كانوا غضاباً[7] » يريد المعنى الثاني بالإرادة الجدّيّة، أو يقال: أراد المعنيين من أوّل الأمر، إلّا أنّه أظهر مراده بالقرينة في محلّه، فلو كان الاستعمال ما توهّمه هؤلاء القوم- و هو إيجاد المعنى باللفظ [8] - فلايمكن ذلك في الاستخدام إلّا بالاستعمال في الأكثر.

نعم، بناءً على ما هو الحقّ في الاستعمال- و هو الانتفاع من علق الوضع- فلك دعوى أنّه بالضمير الراجع إلى اللفظ يتمكّن من الانتفاع؛ للزوم الانتقال إلى المعنى بذلك الإرجاع، فتدبّر. فتحصّل أنّ دعوى الامتناع، غير قابلة للإصغاء إليها. [9]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

دلیل عدم الفرق بین المعنيين الحقيقيّين‌ أو المجازيّين أو معنى مجازيّ و حقيقيّ و لا بين المفرد و غيره و لا بين النفي و الإثبات

إنّ الملاك في المنع هو لزوم المحال و هو في الجميع موجود؛ نعم، إذا كان المستعمل فيه مجموع المعنيين أو الجامع بينهما، لكان جائزاً و إن كان الاستعمال مجازيّاً. [10]

أقول: لا دلیل علی المحالیّة. و یشکل علیه بالإشکالات السابقة.

أدلّة القول الثامن

الدلیل الأوّل

قال المحقّق الخراسانيّ (رحمة الله): «إنّ حقيقة الاستعمال ليس مجرّد جعل اللفظ علامةً لإرادة المعنى، بل جعله وجهاً و عنواناً له، بل بوجه نفسه كأنّه الملقى. و لذا يسري إليه قبحه و حسنه. و لايكاد يمكن جعل اللفظ كذلك إلّا لمعنى واحد؛ ضرورة أنّ لحاظه هكذا في إرادة معنى ينافي لحاظه كذلك في إرادة الآخر، حيث إنّ لحاظه كذلك لايكاد يكون إلّا بتبع لحاظ المعنى فانياً فيه فناء الوجه في ذي الوجه و العنوان في المعنون. و معه كيف يمكن إرادة معنى آخر معه كذلك في استعمال واحد و مع استلزامه للحاظ آخر غير لحاظه كذلك في هذا الحال!

و بالجملة[11] لايكاد يمكن في حال استعمال واحد لحاظه وجهاً لمعنيين و فانياً في الإثنين إلّا أن يكون اللاحظ أحول العينين؛ فانقدح بذلك امتناع استعمال اللفظ مطلقاً، مفرداً كان أو غيره في أكثر من معنى، بنحو الحقيقة أو المجاز». [12] [13]

أقول: سبق الإشکالات علیه و الجواب عن الدلیل.

و لکن ذهب المحقّق العراقيّ (رحمة الله) إلی الامتناع مطلقاً، سواء قلنا إنّ اللفظ علامة للمعنی أو قلنا هو مرآة للمعنی. [14]

أقول: سبق الإشکالات علیه.

الإشکالات في الدلیل الأوّل

الإشکال الأوّل

أمّا ما يرى من غفلة المتكلّم عن نفس اللفظ في مرحلة استعماله، فكان الملقى في الخارج هو عين المعنى المستعمل فيه و ذلك آية كون اللفظ فانياً في معناه و متّحداً معه وجوداً، فهو مدفوع بأنّ ذلك ناشئ عن الأنس الحاصل من تكرّر الاستعمال و كثرته. و لذا لايكون ذلك في أوائل تعلّم اللسان، فحقيقة الاستعمال لايزيد على جعل اللفظ علامةً للمعنى المختصّ به و العينيّة المتخيّلة أمر زائد على أصل الاستعمال، لا أنّها عينه؛ نعم، بناءً على أنّ الوضع هو تنزيل اللفظ منزلة المعنى، يكون الاستعمال أيضاً فعليّة ذلك التنزيل؛ لكنّ المصنّف (رحمة الله)[15] لميختر ذلك المبنى في حقيقة الوضع. و عليه فلازم ما ذكره (رحمة الله) هو جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد بأن يجعل اللفظ علامةً و آلةً لانتقال المخاطب إلى كلّ من المعنيين أو المعاني؛ اللهمّ إلّا أن يمنع من صحّة الاستعمال كذلك. و حصر جواز الاستعمال في الاستعمال بمعنى جعل اللفظ عين المعنى، لكن لا وجه له بعد تحقّق الوضع، كما هو ظاهر. [16]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

الإشکال الثاني

لا إشكال في إمكان إرادة الشيئين من لفظ واحد على نحو بقائهما على صفة التعدّد، كما أنّه لا إشكال في إمكان إرادتهما على نحو الوحدة الاعتباريّة، فلو استعمل لفظ في المتعدّد على النحو الثاني؛ فلا إشكال في أنّه من باب استعمال اللفظ في المعنى الواحد، فإن كان ذلك المعنى موضوعاً له اللفظ، يكون الاستعمال حقيقيّاً و إلّا يكون مجازيّاً و إن استعمل في المتعدّد على النحو الأوّل، يكون من باب استعمال اللفظ الواحد في المعنيين. و حينئذٍ إن كان الملحوظ في هذا الاستعمال هو الوضعين، فيكون من باب استعمال اللفظ في المعنيين الحقيقيّين. و إن كان الملحوظ ثبوت العلاقة في كلّ منهما، فيكون من باب استعمال اللفظ في المجازيّين. و إن كان الملحوظ ثبوت العلاقة في أحدهما و الوضع في الآخر، فيكون من باب استعمال اللفظ في المعنى الحقيقيّ و المجازي.

و ليت شعري أنّ دعوى الاستحالة هل هي راجعة إلى إرادة الإنسان الذوات المتعدّدة من دون ملاحظة عنوان الاجتماع؟ أو راجعة إلى أمر آخر؟

فإن كانت راجعةً إلى الأوّل فيردّه وقوع هذا الأمر في العامّ الاستغراقي، فإنّه إنّما صار كذلك لعدم ملاحظة الآمر هيئة الاجتماع في مرتبة تعلّق الحكم، بل لاحظ الآحاد كلّاً منها إجمالاً على انفرادها؛ غاية الأمر هذه الملاحظة في العامّ الاستغراقيّ إنّما هي في مرتبة تعلّق الحكم دون الاستعمال؛ فإذا صار هذا النحو من الملاحظة - أعني ملاحظة الآحاد على انفرادها- ممكناً في مرتبة تعلّق الحكم، فليكن ممكناً في مرحلة الاستعمال، فكما أنّ كلّ واحد في الأوّل يكون مورداً للحكم مستقلّاً كذلك في الثاني يصير مستعملاً فيه. و ليت شعري أيّ فرق بين ملاحظة الآحاد بذواتها في مرتبة تعلّق الحكم؟ و ملاحظتها كذلك في مرتبة الاستعمال؟ و أيضاً من المعلوم إمكان الوضع عامّاً و الموضوع له خاصّاً و هو بأن يلاحظ الواضع معنى عامّاً و يوضع اللفظ بإزاء خصوصيّاته؛ فيكون كلّ من الجزئيّات موضوعاً له. و لو عمل الشخص هذه المعاملة في مرحلة الاستعمال بأن يلاحظ معنى عامّاً مرآةً للخصوصيّات. و استعمل اللفظ في تلك الخصوصيّات، يصير كلّ واحد منها مستعملاً فيه، كما أنّه صار في الصورة الأولى موضوعاً له.

و إن كانت الدعوى راجعة إلى أمر آخر، فلانعقل وجهاً آخر للاستحالة و لاأستبعد كون ذلك من قصوري لإدراكها. [17]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

الإشکال الثالث

الأمر في الاستحالة لايدور مدار تقوّم الواحد بلحاظين[18] ؛ ضرورة أنّ اللفظ بوجوده الخارجيّ لايقوم اللحاظ، بل المقوّم له صورة شخصه في أفق النفس؛ فأيّ مانع من تصوّر شخص اللفظ الصادر بتصورّين في آنٍ واحد مقدّمةً لاستعمال اللفظ الصادر في معنيين لو لم يكن جهة أخرى في البين. أمّا الامتناع بواسطة الجمع بين لحاظين في لحاظ واحد فهو و إن كان حقّاً، إلّا أنّ اللفظ و المعنى من أعظم أركان الاستعمال، فالعدول عن التعليل بلزوم تعدّد الواحد في اللفظ إلى مثله في اللحاظ بلا وجه . [19]

یلاحظ علیه: بالإشکالات السابقة.

الإشکال الرابع

إنّ الموجب للامتناع إنّما هو ما ذكرناه من أوّل الاستعمال الواحد إلى المتعدّد المخالف للفرض؛ فلايتفاوت حینئذٍ بين أن يكون اللفظ ملحوظاً بنفسه أو لغيره. و أمّا مجرّد كون اللفظ توطئةً لمعناه فمع قطع النظر عمّا بيّنّاه لاينافي مع استعماله في معنى آخر. [20]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

الإشکال الخامس

أمّا حديث فناء شي‌ء في‌ شي‌ء و كونهما مرآتاً و مرئيّاً فكلام تشبيهيّ ينبغي أن يحمل على نوع من المجاز و حقيقته كون الشي‌ء متّحد الوجود مع شي‌ء آخر أو كونه ذا وجود في غير، فالعقل إذا تصوّره في نفسه إمّا بذاته أو بنحو من التحيّل[21] - كما في المعنى الحرفيّ- ثمّ فقده و وجد مكانه ما يتّحد به أو يوجد فيه سمّي ذلك فناءً له فيه و ليس من الفناء في شي‌ء؛ لاستلزامه وحدة الكثير و هو ممتنع بالضرورة. و أمّا ما ربما يمثّل له بمثل فناء العلم في المعلوم و فناء المرات في المرئيّ و فناء الماء أو الهواء أو الزجاج فيما تحكيه ممّا خلفه فهو ناشٍ عن الغفلة عن حقيقة الحال في تعلّق العلم بالخارج و عن حقيقة الإبصار مع الصقالة و الشفاف و النور فيها غير ملائم لهذا المقام‌. [22]

یلاحظ علیه: أنّ المحالیّة لا یتصوّر في الأمور الاعتباریّة، بل اعتبارها بید المعتبر. و لحاظ العلاقات و القرائن کافٍ في مقام الاستعمال. و خلط المسائل الفلسفیّة في الأصول یوجب البعد عن مذاق الشارع و فهم العرف الذي هو الأصل في فهم القرآن و السنّة و کلمات الفقهاء.

 


[3] يراد به ذكر لفظ مشترك بين معنيين يراد به أحدهما، ثمّ يعاد عليه ضمير أو إشارة بمعناه الآخر.
[4] أراد بالسماء «المطر».
[5] الشعر لمعاوية بن مالك، على ما نقله: لسان العرب، ابن منظور، ج14، ص399.
[6] أراد بضميره في «رعيناه». النبات أو الزرع. أي: گوسفندان را برای چریدن به أنجا می‌بریم
[7] جمع غضبان.
[11] في«أ»: و في الجملة.
[15] المحقّق الخراسانيّ (رحمة االله).
[20] . مقالات حول مباحث الالفاظ، البهبهانی، السید علی، ج1، ص42.
[21] لعلّ الصحیح: التخیّل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo