< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محسن الفقیهی

42/05/28

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: مباحث الالفاظ/ الوضع/ الصحیح و الاعم

کلام بعض الأصولیّین في التذنیب

قال (حفظه الله): «لاتترتّب على هذا البحث ثمرة؛ لما عرفت من صحّة التمسّك بالإطلاق على جميع التقادير. لكن يمكن أن يقال: إنّ لفظ العقود في قوله - سبحانه: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾[1] ظاهر في إمضاء السبب؛ فإنّ المتبادر عن العقود هو الإيجاب و القبول اللذان هما الأسباب. و احتمال أنّ المراد من العقد هو العهد المشدّد ليس بتمام؛ إذ لا عهد في المعاملة فضلاً عن كونه مشدّداً و قد ورد في القرآن الكريم قوله - سبحانه: ﴿إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ‌﴾[2] فاتّضح أنّ العقد هو الأسباب و الآية ظاهرة في إمضائها. و ما ربّما يقال: إنّ الآية ناظرة إلى المسبّبات بقرينة تعلّق وجوب الوفاء بها و هو لايتعلّق إلّا بالأمر الباقي، ضعيف؛ لأنّ وجود العقد و إن كان آنيّاً، إلّا أنّ له بقاءً في عالم الاعتبار. و لأجل ذلك يتعلّق به الفسخ و هو حلّ له.

و أمّا غيرها، كقوله - سبحانه: ﴿أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ‌﴾[3] و قوله (ص): «الصلح جائز بين المسلمين»[4] فالظاهر أنّها بمعنى المسبّبات؛ أعني، ما يحصل من أسبابها و قد عرفت عدم ثمرة واضحة لتعيين أحد الشقّين، لصحّة التمسّك بالإطلاقات على كلا القولين».[5]

أقول: کلامه (حفظه الله) متین، لکن أحلّ الله البیع و الصلح جائز بین المسلمین أیضاً ظاهران في الأسباب؛ أي أحلّ الله إیجاد البیع و إیجاد الصلح؛ فإنّ الحلّیّة و الجواز و الأمر بالوفاء کلّها یتعلّق بالأمر الاختیاريّ الذي هو إیجاد السبب، لا المسبّب الذي هو خارج عن الاختیار و قد سبق مفصّلاً.

کلام الإمام الخمینيّ في ألفاظ المعاملات

قال (رحمة الله): «الحقّ أنّ الأمر في المعاملات لدى الشارع أيضاً دائر بين الوجود و العدم، كما هو كذلك في محيط العقلاء. و حينئذٍ فلا مجال للنزاع. هذا كلّه بناءً على أنّ ألفاظ المعاملات موضوعة للمسبّبات. و أمّا بناءً على أنّها موضوعة للأسباب، فالحقّ جريان النزاع فيها. هذا في مقام الثبوت. أمّا في مقام الإثبات، فالظاهر أنّ ألفاظ المعاملات موضوعة للمسبّبات، لا الأسباب و أنّها عند العرف و الشرع عبارة عمّا توجد بالأسباب. و لذا ترى يقولون: «بعتُ الدار و أجريتُ صيغته». [6]

یلاحظ علیه: بالملاحظات السابقة.

کلام المحقّق الإیرواني في الأمر الأوّل

قال (رحمة الله): «يحتمل أن يكون البحث هناك في الصحيح و الأعمّ العرفيّين دون الشرعيّين، كما يحتمل أن يكون البحث فيها بحثا مبنائيا ناشئا من النزاع في حصول التصرف الشرعي في ألفاظ المعاملات، فعلى التصرف يقال بالصحيح و على عدمه الأعم، و كون الشرائط الشرعيّة دخيلة في تأثير المعاملة لا في مداليل ألفاظها. و الله العالم». [7]

أقول: إنّ الصحیح إمّا عرفيّ أو شرعيّ أو کلاهما معاً. و لذا قدتکون المعاملة صحیحةً عرفاً، لا شرعاً. و قدتکون صحیحةً شرعاً و عرفاً. و لا فرق من حیث التمسّك بالإطلاق علی کلا القولین، سواء کان المراد الصحیح العرفيّ أو الشرعيّ أو کلیهما معاً.

الأمر الثاني: في أنّ ألفاظ المعاملات موضوعة للصحيحة [8] منها أو الأعمّ منها و من الفاسدة؟

تحریر محلّ النزاع

إختلف الأصولیّون في أنّ ألفاظ المعاملات موضوعة للصحيح او للأعم‌؟ فذهب بعض إلی أنّها موضوعة للصحيحة منها و ذهب بعض آخر إلی أنّها موضوعة للأعمّ منها و من الفاسدة.

قال بعض الأصولیّین(رحمة الله): «إنّ أسامي المعاملات بمعنى الأعمّ- كالبيع و النكاح و الإجارة- هل تكون موضوعةً لخصوص الصحيحة، بحيث يكون استعمالها في الفاسدة منها بنحو العناية و المجاز، أم تكون موضوعةً للأعمّ بحيث إنّ استعمالها في الصحيح و الفاسد يكون بنحو الحقيقة؟». [9]

قال بعض الأصولیّین (حفظه الله): «لمّا كانت العبادات من مخترعات الشارع و معتبراته، يصحّ فيها البحث في أنّ ألفاظها هل هي موضوعة للصحيح أو الأعمّ منها؟ لأنّ الموضوع له من مخترعاته و هو الذي وضع لفظ العبادة في مقابلها. و هذا بخلاف المعاملات؛ فإنّها ليست من مخترعاته؛ بل من مخترعات العقلاء و هم الذين وضعوا ألفاظ المعاملات في مقابل ما اعتبروه بيعاً أو نكاحاً أو إجارةً و ليس للشارع دور فيها، سوى تحديدها بحدود و قيود؛ فلا معنى للقول بأن ألفاظ المعاملات موضوعة في الشرع للصحيح أو الأعم، بل لو صحّ طرحه[10] ، فلابدّ أن يقال هل المعاملات موضوعة عند العرف و العقلاء لخصوص الصحيح أو الأعم؟». [11]

أقول: قد سبق أنّ المعاملات قدتکون صحیحةً عرفاً و شرعاً، فیصحّ أن یقال هل المعاملات موضوعة لخصوص الصحیح عند العرف و الشرع أو للأعمّ من ذلك؟ لأنّ الشارع قیّدها بحدود و قیود.

هنا قولان:

القول الأوّل: ألفاظ المعاملات موضوعة للصحيح فقط [12] [13] [14] [15] [16] [17] [18] [19] [20] [21] [22] [23] [24]

أقول: إنّ الحقّ هو القول الأوّل؛ لما سبق في العبادات و لما سیأتي من الأدلّة.

قال المحقّق النراقيّ (رحمة الله): «الحقّ أنّ العقود- كالبيع و الصلح و نحوهما- و الإيقاعات- كالنكاح و الطلاق و شبههما- لاتطلق حقيقةً على الفاسد منها». [25]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

و قال الشیخ محمّد تقيّ الاصفهانيّ (رحمة الله): «الأظهر أن يقال بوضعها لخصوص الصحيحة؛ أي المعاملة الباعثة على النقل و الانتقال أو نحو ذلك ممّا قرّر له تلك المعاملة الخاصّة؛ فالبيع و الإجارة و النكاح و نحوها إنّما وضعت لتلك العقود الباعثة على الآثار المطلوبة منها و إطلاقها على غيرها ليس إلّا من جهة المشاكلة أو نحوها على سبيل المجاز.

لكن لايلزم من ذلك أن تكون حقيقةً في خصوص الصحيح الشرعيّ حتّى يلزم أن تكون توقيفيّته متوقّفةً على بيان الشارع لخصوص الصحيحة منها، بل المراد منها إذا وردت في كلام الشارع قبل ما يقوم دليل على فساد بعضها هو العقود الباعثة على تلك الآثار المطلوبة في المتعارف بين الناس؛ فيكون حكم الشرع بحلّها أو صحّتها أو وجوب الوفاء بها قاضياً بترتّب تلك الآثار عليها في حكم الشرع أيضاً، فيتطابق صحّتها العرفيّة و الشرعيّة. و إذا دلّ الدليل على عدم ترتّب تلك الآثار على بعضها، خرج ذلك عن مصداق تلك المعاملة في حكم الشرع و إن صدق عليه اسمها بحسب العرف، نظراً إلى ترتّب الأثر عليه عندهم». [26]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین، لکن إذا ورد ألفاظ المعاملات في لسان الشارع أو الأئمّة(علیهم السلام)، فالمراد بها هو الصحیح العرفيّ و الشرعيّ معاً، لا الصحیح العرفيّ المخالف للشرع.

قال الحائريّ الاصفهانيّ (رحمة الله): «الحقّ أنّ ألفاظ المعاملات أيضاً موضوعة بإزاء الصحيحة فقط، سواء قلنا بأنّها أسامٍ للآثار المخصوصة- كتمليك العين في البيع و المنفعة في الإجارة أو تملّكهما- أو قلنا بأنّها أسامٍ للصيغ المستتبعة لها؛ أمّا على الأوّل فظاهر؛ إذ لا أثر في الفاسدة و ظنّ من لا خبرة له بالواقع به غير مجد؛ لأنّ الألفاظ موضوعة للمعاني الواقعيّة على ما هو التحقيق. و أمّا على الثاني فلأنّ وصف كونها محصّلةً لها معتبر في صدق الإسم؛ للقطع بأنّ مثل عقد النائم و الساهي و الهاذل ليس عقداً، لا بيعاً و لا صلحاً و لا نكاحاً إلى غير ذلك»‌. [27]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

قال المحقّق الرشتيّ (رحمة الله): «الظاهر أنّ القائل بمذهب الصحيحيّ في المعاملات إنّما يدّعي كونها أسامي للصحيح‌ الشرعي؛‌ أعني الجامع بين مصاديق النقل الشرعيّ و هو الجامع للشرائط الشرعيّة، لا أنّها أسامي لمفهوم النقل و هو لايكون في الخارج إلّا صحيحاً مستتبعاً للانتقال و بينهما من الفرق ما لايخفى‌». [28]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

قال المحقّق المشکیني (رحمة الله): «إنّ الحقّ كون المعاملات أسماءً للصحيح، بناءً على كونها أسامي للأسباب، كما هو الأظهر، بل الظاهر كونها أسامي للأسباب المعنويّة للتبادر و صحّة السلب عن الفاسد عند أبناء المحاورة و المفروض عدم اصطلاح جديد فيه للشرع». [29]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

قال المحقّق البروجرديّ (رحمة الله): «ألفاظ المعاملات‌ أسامي للصحيح و تقسيمهم إيّاها بالصحيحة و الفاسدة، مسامحة و مجاز». [30]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

الإشکال علی القول الأوّل

دعوى وضع ألفاظ المعاملات لخصوص ما أمضاه الشارع و الحكم‌ بترتيب الأثر المقصود منها عليها ينافي ما استقرّ عليه ديدن أهل العلم كافّةً من التمسّك بعموم ما دلّ على مشروعيّة المعاملة عند الشكّ فيها أو في اعتبار أمر لا دليل على اعتباره فيها، بل و لولاه، لما دار رحى الفقه. [31]

أقول: قد سبق أنّه علی القولین لا مانع من التمسّك بالإطلاق؛ فإنّ المراد من الصحیح ما یترتّب علیه الأثر الشرعيّ و هو تامّ الأجزاء و الشروط الثابتة بالدلیل المعتبر. و عند الشكّ تجري البراءة علی کلا القولین.

أدلّة القول الأوّل

الدلیل الأوّل

إنّ هذه ماهيّات جعليّة موضوعة بإزاء ما بيّنه الواضع؛ أعني الفعل الخاصّ المشتمل على الأركان و الشرائط المخصوصة، فلو اختلّ أحدها لايكون من الموضوع له. و يتفرّع عليه عدم ترتّب الأثر على العقود الفاسدة. [32]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.


[4] .من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج3، ص32. (هذه الروایة مرفوعة و ضعیفة).
[8] أصول الفقه- ط جماعة المدرسين، المظفر، الشيخ محمد رضا، ج1، ص90. المراد من «الصحيح» [في المعاملات] هو الصحيح عند العرف العام، لا عند الشارع.
[10] الصحیح: بیانه، إتیانه، ذکره.
[20] . خلاصة الفصول فی علم الاصول، الصدر، صدر الدین، ج1، ص19.
[23] . مباحث الاصول، البهجة، محمد تقی، ج1، ص151.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo