< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محسن الفقیهی

42/04/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: مباحث الالفاظ/ الوضع/ ثمرة النزاع

الإشکال الثاني

إنّهم أرادوا بزيادة الركوع زيادة صورة الركوع بقصد كونها ركوعاً و مجرّد الاستعمال لايقتضي الحقيقة، كما مرّ غير مرّة على أنّا نقول ليس الركوع من أسماء العبادات؛ بل هو على حدّ القيام و القراءة و الاستقرار و نحوها في البقاء على المعنى الأصلي. و ما ثبت لها في الشرع من شرط، فليس شرطاً لتحقّقها، بل لصحّتها و مطلوبيّتها.[1]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

المؤیّد الثاني

قال المحقّق القمّيّ (رحمة الله) : «ممّا يؤيّد كونها أسامي للأعم، أنّه لا إشكال عندهم في صحّة اليمين على ترك الصلاة في مكان مكروه أو مباح (مثلاً) و حصول الحنث بفعلها و يلزمهم على ذلك المحال؛ لأنّه يلزم حينئذٍ من ثبوت اليمين نفيها؛ فإنّ ثبوتها يقتضي كون الصلاة منهيّاً عنها. و النهي في العبادة مستلزم للفساد و كونها فاسدةً مستلزم لعدم تعلّق اليمين بها؛ إذ هي إنّما تتعلّق بالصحيحة على مفروضهم، فيحكم بصحّتها و بعد تعلّق اليمين لايتحقّق الحنث؛ لعدم تحقّق الصلاة الصحيحة».[2]

أقول: قد سبق الجواب عن ذلك مفصّلاً.

الإشکالان علی المؤیّد الثاني

الإشکال الأوّل

قال الشیخ محمّد تقيّ الاصفهانيّ (رحمة الله): «فيه: أنّ مبنى الكلام المذكور على لزوم استعمال الصلاة في المقام في الأعم؛ لعدم إمکان إرادة الصحيحة. و إلّا لزم الفساد المذكور. و حينئذٍ يرد عليه:

أوّلاً: النقض بما إذا حلف أن لايصلّي صلاةً واجبةً أو مندوبةً في الحمّام (مثلاً)؛ إذ من الواضح عدم شمول الواجب و المندوب للفاسد، بل فيما لو نذر أن لايصلّي صلاةً صحيحةً فيه، فإنّه إن قيل بصحّة صلاته فيه بعد ذلك و عدم انعقاد النذر، فهو ممّا لا وجه له، على أنّه جارٍ في نذر المطلق أيضاً؛ فلا مانع إذن من التزام القائل بوضعها للصحيحة بذلك. و إن قيل بعدم صحّتها، نظراً إلى انعقاد النذر، فكيف يتحقّق الحنث مع أنّ الواقع ليس من أفراد المحلوف على تركه!

و ثانياً: أنّ متعلّق الحلف في المقام ليس هو الأعمّ من الفاسدة، بل الصحيحة خاصّةً و ليس اللفظ مستعملاً إلّا في ذلك. و فرق بيّن بين الفساد الحاصل قبل النذر و الحاصل به؛ فلفظ الصلاة في المثال المفروض قد استعملت في الصحيحة الجامعة لجميع الأجزاء و الشرائط، إلّا أنّها لزمها الفساد بعد تعلّق النذر و انعقاده.

و نظير ذلك أنّه لو نذر ترك المكروهات في يوم معلوم أو حلف على ترك المباحات فيه فإنّه يحنث قطعاً بالإتيان بشي‌ء مكروه أو مباح قبل النذر و الحلف، مع أنّ المأتيّ به ليس من المكروه و المباح و لا تجوّز في لفظ المكروه و لا المباح المتعلّق للنذر و الحلف المفروضين، فكذا الحال في المقام. و من التأمّل في ذلك يتّضح حقيقة الحال في العبادات المتعلّقة للنهي».[3]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

الإشکال الثاني

قال الشیخ الأنصاري (رحمة الله): «الجواب عنه، أوّلاً: أنّ الفساد إنّما يقتضي عدم تعلّق الحلف به فيما إذا كان متعلّقه مع قطع النظر عن تعلّق الحلف به فاسداً؛ كما إذا كان المحلوف على تركه فعل الصلاة بدون الركوع (مثلاً). و أمّا الفساد الذي جاء بواسطة تعلّق الحلف بتركه فهو لايقتضي عدم تعلّق الحلف به، بل هو من آثار تعلّق الحلف به، فهو لاينافي تعلّقه به، بل يؤكّده.

و ثانياً: أنّ ذلك لايجدي نفعاً في إثبات المطلوب؛ إذ لايزيد على مجرّد الاستعمال بعد الغضّ عمّا ذكرنا، مع إمکان المعارضة بما لو صرّح الحالف بوصف الصحّة في متعلّق الحلف، فتدبّر».[4]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

المؤیّد الثالث

قال المحقّق القمّيّ (رحمة الله): «ممّا يؤيّده أيضاً أنّه يلزم على القول بكونها أسامي للصحيحة أن يفتّش عن أحوال المصلّي إذا أراد أن يعطيه شيئاً لأجل النذر إذا لميعلم مذهبه و صحّة صلاته في نفس الأمر؛ فإنّ حمل فعل المسلم على الصحّة لايكفي هنا؛ فإنّ غاية ذلك حمل فعل المسلم على الصحيح عنده و الصحّة قد تختلف باختلاف الآراء؛ فإذا رأى من نذر شيئاً للمصلّي رجلاً صالحاً يصلّي بجميع الأركان و الأجزاء و لكن لايدري أنّه هل صلّى بغسل غير الجنابة بلا وضوء أو مع الوضوء و هو يرى بطلان الصلاة به و ذلك الصالح قد يكون رأيه أو رأي مجتهده الصحّة و المفروض أنّ المعتبر في وفاء الناذر على تكليفه ملاحظة الصحيح عنده المطابق لنفس الأمر بظنّه. و كذلك ملاحظة غيره من الاختلافات في الأجزاء و سائر الشروط. و لا ريب أنّ الصحيح من العبادة ليس شيئاً واحداً حتّى يبنى عليه في المجهول الحال على حمل فعل المسلم على الصحّة. و لمنقف إلى الآن على من التزم هذه التفحّصات و التدقيقات و يعطون على من ظاهره الوفاء. و ليس ذلك إلّا لأجل كونها أسامي للأعم».[5]

الإشکال علی المؤیّد الثالث

قال الشیخ محمّد تقيّ الاصفهانيّ (رحمة الله): «فيه: المنع من الملازمة المذكورة؛ إذ يجوز البناء في ذلك على ظاهر الحال قطعاً و لو على القول بوضعها للصحيحة.

كيف! و لو لا ذلك، لوجب التفتيش بالنحو المذكور على القولين فيما لو نذر شيئاً لمن يصلّي صلاةً واجبةً أو مندوبةً؛ ضرورة عدم اتّصاف الفاسدة بشي‌ء منهما، مع أنّا لمنقف على من يدقّق في ذلك أيضاً و لا من يفصّل بين هذه الصورة و ما تقدّمها. و ليس ذلك إلّا من جهة الاكتفاء بظاهر فعل المسلم في الحكم بالصحّة، كما هو قضيّة الأصل المقرّر. فلو لمنقل بأصالة حمل فعل المسلم على الصحّة الواقعيّة، لميجز لنا أن نأخذ منهم شيئاً من اللحوم و الجلود، مع عدم علمنا بحقيقة الحال و هو خلاف الطريقة الجارية من لدن أعصار الأئمّة (علیهم السلام)».[6]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

التحقیق: أنّ استعمالات النبيّ (ص) أو الأئمّة (علیهم السلام) هذه الألفاظ المخترعة في العبادات قد تقترن بالقرائن الموجبة للحمل علی الصحیح، فلا بحث و لا نزاع. و هکذا ما یقترن بالقرائن الموجبة للحمل علی الأعم. و البحث و النزاع إنّما في ما صدر عنهم (علیهم السلام) و لا قرینة للحمل علی أحدهما.

و الحقّ أنّ ما صدر عنهم (علیهم السلام) في مقام الأمر أو شبهه بإتیان واجب أو جزء منه أو شرط منه، فلابدّ من حمل کلامهم (علیهم السلام) علی الصحیح قطعاً؛ لأنّ الشارع لایأمر إلّا بإتیان الصحیح، دون الفاسد الفاقد للأجزاء و الشروط. و المراد من الصحیح، أي: ما یترتّب علیه الأثر، کما سبق. و أمّا ما صدر عنهم (علیهم السلام) في مقام النهي عن إتیان العبادة أو أجزائها و شروطها في مکان خاصّ أو زمان خاصّ أو لباس خاصّ و أمثالها؛ فذلك کلّه تدلّ علی کون العبادة فاسدةً بالإتیان في ذلك المنهيّ عنه إمّا عمداً و سهواً و جهلاً أو عمداً فقط، لا سهواً أو لا جهلاً حسب ما یستفاد من الأدلّة. و أمّا الأدلّة التي استدلّ بها علی الصحیح أو الأعم، فمنها: ما یستدلّ باستعمالات الشارع في الصحیح أو الأعمّ و هذا لیس دلیلاً؛ لأنّ أکثرها مقرونة بالقرائن و خارجة عن محلّ النزاع، مع أنّ الاستعمال أعمّ من الحقیقة و المجاز.

و منها: ما استدلّ بالأوامر الواردة منهم في الفروع الفقهیّة المعلوم أنّ المراد منها الصحیح فقط أو الأعم. هذا و إن لایدلّ علی کون المسمّی ذلك، لکن یؤیّد کون مراد الشارع في مطلوباته هو الصحیح؛ فما ورد في لسان النبيّ (ص) أو الأئمّة (علیهم السلام) یحمل علی الصحیح عند الإطلاق. و أمّا عند المتشرّعة، فیستعمل کثیراً في الأعمّ مع وجود القرائن علی ذلك. و الظاهر أنّه عند الإطلاق یحمل علی الصحیح عندهم أیضاً؛ فعلی هذا لو ورد هذه الألفاظ في لسان المتشرّعة في النذر أو الوقف أو الوصیّة و أمثالها، فیحمل علی الصحیح، لکن مع حمل فعل المسلم علی الصحّة و کون ظاهر حال المسلم، کون أعماله صحیحاً و لایحتاج إلی التفتیش عن صحّة أعماله، کما في سوق المسلمین و أمثاله.

کلام الشیخ حسین الحلّيّ في المقام

قال (رحمة الله): «إنّ المتعيّن هو القول بالأعمّ و أنّه هو الصحيح من القولين دون القول بالصحيح، فلا حاجة في الاستدلال عليه‌ بالتبادر و نحوه؛ لما عرفت من عدم معقوليّة القول بالصحيح، فيتعيّن القول [بالأعم‌][7] . هذا لو كان في البين وضع أو استعمال في معنى جديد، أمّا على كون الموضوع له و المستعمل فيه هو الخشوع و الحضور و نحو ذلك، فلا ريب أنّه يسقط القولان معاً».[8]

أقول: قد سبق الجواب عنه مفصّلاً.

کلام بعض الأصولیّین في الجمع بین القولین

قال (رحمة الله): «الجمع بين القولين- و إن بعد عن كلماتهم- بأن يكون مراد من يقول بالوضع للصحيح، أي الاقتضائيّ منه و هو عبارة أخری عن الأعم. و مع بطلان الثمرة العمليّة الآتية يكون هذا الجمع متيناً؛ إذ الجمع مهما أمكن أولى من الطرح». [9]

ثمرة النزاع

قال بعض الأصولیّین (رحمة الله): «إنّ الظاهر عدم الثمرة العمليّة لهذا البحث».[10]

ما هي ثمرة النزاع[11] بين القولين الصحيح و الأعمّ في ألفاظ العبادات‌؟

الثمرة الأولی

يظهر الثمرة حينئذٍ[12] فيما لو نذر أحد أن يعطي شيئاً بمن رآه يصلّي، فرأى من صلّى و نقص طمأنينته في إحدى السجدتين (مثلاً) أو لميقرأ السورة في إحدى الركعتين، فبرء النذر بذلك لايستلزم كون تلك الصلاة مطلوبةً للشارع و مأموراً بها، فكونها مصداق الإسم معنىً و كونها مأموراً و مطلوباً يحصل به الامتثال معنى آخر؛ إذ لابدّ في الامتثال- مضافاً إلى صدق الإسم- كونها صحيحةً أيضاً و يتفاوت الأحكام بالنسبة إلى الأمرين‌[13] .[14]


[7] لايوجد في الأصل و إنّما أضفناه للمناسبة.
[8] .اصول الفقه، حلی، الشیخ حسین، ج1 ص154.
[11] المراد من الثمرة في المقام هي الثمرة الأصولیّة، لا الثمرة الفقهیّة.
[12] أي حين صدق الإسم عند الشارع و لم‌يكن مطلوباً له. و هذا في الحقيقة ليس ثمرة النزاع بين الصحيحيّ و الأعمّي، بل سيشير فيما بعد إلى ثمرته. الهامش.
[13] أي كونها مصداق الاسم و كونها مطلوباً يحصل به الامتثال. هذا و يظهر ثمرة النزاع بين الصحيحيّ و الأعمّيّ بملاحظة الأجزاء في مقابل ملاحظة الشرائط.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo