< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محسن الفقیهی

42/04/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: مباحث الالفاظ/ الوضع/ الفاظ العبادات

و قال بعض الأصولیّین (رحمة الله): «الظاهر هو الوضع للأعم؛ لأنّ الصحّة إمّا قيد للموضوع له، أو يكون الوضع في حال الصحّة مع عدم لحاظ القيديّة. و على كلّ منهما إمّا أن يراد بها الصحّة الفعليّة من كلّ حيثيّة و جهة، أو الصحّة الاقتضائيّة الشاملة للفعليّة و غيرها.

و لا وجه لاحتمال القيديّة مطلقاً؛ لأنّه خلاف الأصل و الوجدان، كما لا وجه لاحتمال الوضع في حال الصحّة الفعليّة؛ لأنّ للصحّة مراتب متفاوتة جدّاً. و بناء نظام التكوين على التغيّر و التبدّل، فيكون الموضوع له أي مرتبة منها، فيتعيّن أن تكون الألفاظ موضوعةً للمعاني في حال الصحّة الاقتضائيّة الجامعة لجميع المراتب. و هي عبارة أخرى عن الأعم، فيكون النزاع لفظيّاً؛ إذ لا فرق بين الأعمّ و الصحّة الاقتضائيّة.

ثمّ إنّه نسب إلى المشهور أنّ ألفاظ العبادات موضوعة للمعاني الصحيحة؛ فإن كان مرادهم الصحّة الاقتضائيّة، فلا فرق بينها و بين الأعم. و إن كان مرادهم الصحّة الفعليّة من كلّ جهة، فلا دليل لهم». [1]

أقول: المراد من الصحّة هو ما یترتّب علیه الأثر. و لعلّ هذا هو مورد قبوله (رحمة الله)، فیکون النزاع لفظیّاً و الأمر سهل؛ فإنّ الأمور الاعتباریّة اعتبارها بید المعتبر.

قال بعض الأصولیّین (رحمة الله): «أمّا الحقّ في مسألة الصحيح و الأعمّ على ما تقتضيه دقّة النظر في أدلّة الطرفين فهو القول بالأعم؛ لأنّ أدلّة الصحيحيّ جميعاً قابلة للمناقشة، بخلاف أدلّة الأعمّي، فإنّ صحّة بعضها و تماميّته ليست قابلةً للإنكار». [2]

أقول: هذا ادّعاء صرف قد سبق الجواب عنه.

مراد القائلین بالقول الثاني

قال المحقّق القمّيّ (رحمة الله): «مراد من يقول: بأنّها أسامٍ للأعم‌[3] ، أنّها أسامٍ لنفس الماهيّة الصحيحة من حيث هي القابلة للصحّة الزائدة على هذه الحيثيّة و عدمها. و الحاصل أنّه يقول بأنّها اسم للصلاة بدون اشتراط اجتماعها للشرائط و لا مع الشرائط، فحينئذٍ تظهر الثمرة فيما لو حصل الشكّ في شرطيّة شي‌ء لصحّة الماهيّة. فعلی القول بالأعم- أعني وضعها لنفس الأجزاء المجتمعة مع قطع النظر عن الشرائط- فيحصل امتثال الأمر الوارد بالعبادة بمجرّد الإتيان بها و بما علم من شرائطها.

و ما يقال: إنّ الشكّ في الشرط يوجب الشكّ في المشروط، معناه الشكّ في تحقّق الشرط المعلوم الشرطيّة، لا الشكّ في أنّ لهذا الشي‌ء شرطاً يتوقّف صحّته عليه أم لا». [4]

أقول: إنّه سواء کانت هذه الألفاظ أسامٍ للأعمّ أو للصحیح، فإثبات شرطیّة شيء للواجب یحتاج إلی دلیل معتبر؛ فإذا لم‌یکن دلیل معتبر، فلا دلیل علی الشرطیّة و تجري البراءة و قبح العقاب بلا بیان. و هذا ثابت بلا فرق بین الصحیح و الأعمّ و القول بأنّه: «فعلی القول بالأعمّ- أعني وضعها لنفس الأجزاء المجتمعة مع قطع النظر عن الشرائط- فيحصل امتثال الأمر الوارد بالعبادة بمجرّد الإتيان بها و بما علم من شرائطها» علی وجود الدلیل المعتبر. و مع عدمه فالاحتیاط فیها خلاف الاحتیاط، مع أنّه بلا دلیل، فلا فرق بین القولین من هذا الحیث.

و قال السیّد المجاهد (رحمة الله): «إعلم أنّه إذا قلنا بالوضع للأعم، فنقول إنّها موضوعة لما يسمّى في عرف المتشرّعة بها فالصلاة (مثلاً) موضوعة لما يسمّونه صلاةً و لايمكن تشخيص هذا تفصيلاً إلّا بالرجوع إليهم و يكون حال هذه الألفاظ حال الألفاظ التي لميمكن تشخيص معانيها و تحديدها بوجه مضبوط و يجب إحالتها على العرف، كالارتماس و الدفعة و نحوهما». [5]

أدلّة القول الثاني

الدلیل الأوّل: التبادر [6] [7] [8] [9] [10] [11]

قال الشیخ المغنیة (رحمة الله): «... التبادر، حيث يسبق المعنى الأعمّ إلى الأفهام من قول القائل: رأيت فلاناً يصلّي أو يواظب على الصلاة أو يصلّي في أوّل الأوقات ... إلى غير ذلك».[12]

یلاحظ علیه: أنّ تبادر الأعمّ ادّعاء صرف؛ إذ المتبادر من قوله: «رأيت فلاناً يصلّي» أنّ فلاناً یصلّي صلاةً صحیحةً و لو من باب حمل فعل المسلم علی الصحّة، خصوصاً في مثال فلاناً یواظب علی الصلاة، أي: أنّه یواظب علی الصلاة الصحیحة و لا یواظب علی الصلاة الفاسدة أو الأعمّ منها. و هکذا في قوله: فلاناً يصلّي في أوّل الأوقات، أي: فلاناً یصلّي صلاةً صحیحةً في أوّل الأوقات و لو من باب حمل فعل المسلم علی الصحّة؛ فالمتبادر الصلاة الصحیحة و لو من باب حمل فعل المسلم علی الصحیح و لایلزم العلم بکون صلواتهم صحیحةً، بل یکفي عدم العلم بفسادها.

الإشکالات علی الدلیل الأوّل

الإشکال الأوّل

منع التبادر، بل الأمر فيه بالعكس؛ إذ ليس المتبادر إلّا الصحيحة حتّى أنّه اعترف به القائل بوضعها للأعم إلّا أنّه ادّعى كونه إطلاقيّاً. [13]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

الإشکال الثاني

إنّه لميعقل ذلك القول بوجه‌ حتّى يدّعى عليه التبادر. [14]

أقول: کلامه (رحمة الله) متین.

الإشکال الثالث

إنّه قد عرفت الإشكال في تصوير الجامع الذي لابدّ منه؛ فكيف يصحّ معه دعوى التبادر! [15]

أقول: لو قلنا بعدم تصویر الجامع، فلایصحّ تبادر الجامع أصلاً. و لکن لو قبلنا تصویر الجامع، فنقول لایتبادر الأعمّ أصلاً، خصوصاً في ما ورد في لسان النبيّ| أو الأئمّة^ من إرادتهم الصحیحة قطعاً.

قال المحقّق البروجرديّ (رحمة الله): «إنّ التبادر متفرّع على تصوير الجامع بين الأفراد أوّلاً و كون الجامع معروفاً لدى الأذهان ثانياً و قد عرفت ما فيه، إلّا أن يقال: إنّ الجامع و إن كان ممّا لايتصوّر بتمام حقيقته إلّا أنّه يمكن تصويره و لو بوجه من الوجوه». [16]

أقول: الأولی الجواب بعدم تبادر الأعمّ و لو کان الجامع متصوّراً، کما سبق.

قال بعض الأصولیّین (حفظه الله): «إنّه فرع تصوّر القدر الجامع و قد مرّ أنّه لا جامع للأعمّي، هذا- مضافاً إلى ما مرّ من أنّ الوجدان حاكم على أنّ المتبادر إنّما هو الصحيح من الألفاظ، لا الأعم». [17]

أقول: کلامه (حفظه الله) متین.


[3] القول بأنّها موضوعة بإزاء الأعمّ من الصحيحة و الفاسدة من غير مراعاة لاعتبار جميع الأجزاء و لا الشرائط، بل إنّما يعتبر ما يحصل معه التسمية في عرف المتشرّعة.
[8] . ضوابط الاصول، القزوینی، السید ابراهیم، ج1، ص26.
[10] . علم اصول الفقه فی ثوبه الجدید، المغنیة، الشیخ محمد جواد، ج1، ص37.
[12] . علم اصول الفقه فی ثوبه الجدید، المغنیة، الشیخ محمد جواد، ج1، ص37.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo