< قائمة الدروس

الحدیث الأستاذ محسن الفقیهی

45/06/13

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: جنود العقل و الجهل/ الرؤوف و الرحیم/

خلاصة الجلسة السابقة: قد تمّ البحث حول التوکّل علی الله- تعالی.

و یکون البحث الآن حول الرؤوف و الرحیم. من أوصاف الله- تعالی- وصفا الرؤوف و الرحیم الذَینِ أشیر إلیهما في الآیة الشریفة من قوله- تعالی: ﴿إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾[1] و قد جاء في رسول الله (صلّی‌الله‌علیه‌وآله) أیضاً قوله ﴿وَ كَانَ‌ بِالْمُؤْمِنِينَ‌ رَؤُوفاً رَحِيماً[2] . علینا أن نتلبّس بالصفات الإلهيّة من صفاته الجمالیّة؛ أي یجب علیك أن تکون في حیاتك رؤوفاً. علی الإنسان أن یسعی لأخذ هذه الصفات من أن یکون رؤوفاً رحیماً بزوجته و ولده و والدیه و جیرانه، بل جمیع الناس حتّی یروا فینا هذه الصفة بحیث إذا رآك الناس وجدوا في وجهك أنّك رجل رؤوف رحیم. هذه صفة مطلوبة للشارع المقدّس و علینا أن نتلبّس بها.

 

معنی الرؤوف و الرحیم

هل یکون الرؤوف و الرحیم بمعنی واحد أم هما متفاوتان معنیً؟

۱) الاحتمال الأوّل هو أنّهما بمعنی واحد و یکونان مؤکّدین بعضهما لبعض. و معنی رأفة الله و رحمته هو أنّه- تعالی- رؤوف و رحیم بعباده و لا یکون قسيّاً. من الوظائف العموميّة للإنسان أن یکون تعامله لجمیع الناس مع الرأفة و الرحمة.

۲) قد فرّق بعض بین معنی الرؤوف و الرحیم و قال: في الرحیم الرحمة و لکن قد تکون مع الخشونة و لکن في الرؤوف الرحمة خالصةً من دون الخشونة. قد تحقّقت رحمة شخص لك مع أذاه عليك؛ علی سبیل المثال إنّ الطبیب قد عمل العمليّة الجراحیّة و قطع إصبع المریض و یقول مع کمال المحبّة إن لم أقطع هذا الإصبع فستسري العفونة إلی جمیع بدنك و تقتلك و لکن إن قطعته فقد نجوت من الهلاك. هل یکون الطبیب القاطع إصبع المریض رؤوفاً أو رحیماً؟ قال البعض إنّ الطبیب هذا، یکون رحیماً و لیس رؤوفاً. قد تکون في الرحیم الخشونة؛ علی سبیل المثال قد یضرب ولده لتربیته مع أنّه رحیم و یحبّ ولده و لکن یراه قد ارتکب الخلاف و هو یجبره علی تأدیبه. هذا الشخص یکون رحیماً و لیس برؤوف. و لکن في الرؤوف تکون للشخص رأفة من دون أيّ خشونة.

 

۳) قال بعض: معنی الرؤوف هو الرحمة إلی المطیعین و معنی الرحیم هو الرحمة مع الجمیع. قد تکون المحبّة بالنسبة إلی المؤمنین فقط مثل قوله- تعالی: ﴿وَ كَانَ‌ بِالْمُؤْمِنِينَ‌ رَؤُوفاً رَحِيماً[3] و قد تکون المحبّة بالنسبة إلی جمیع الناس ﴿إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾[4] الرحیم؛ أي الرحمة الواسعة للناس کلّهم فإنّ رحمة الله شاملة للکافر و المشرك و الوثنيّ و تابعي الأدیان المختلفة و لکنّ الرؤوف یشمل المطیعین فقط.

نحن لا نقبل القول الثالث لأنّه- تعالی- قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ سواء فیه مطیعهم و غیرهم. نعم في ما یتعلّق بالرسول (صلّی الله علیه و آله) یمکن أن یکون المطلب صحیحاً؛ أي له رحمة عامّة تشمل المطیع و غیره و المسلم و غیره لأنّه کان رحمةً للعالمین کما قال- تعالی: ﴿وَ مَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِینَ﴾ و لکن للمؤمنین (أي المطیعین) رؤوف رحیم. فصفتا الرؤوف و الرحیم تکونان مرتبطتین بالله و لکن بالنسبة إلی رسول الله (صلّی الله علیه وآله) فهما للمؤمنین فقط.

۴)‌ قال العلاّمة الطباطبائيّ في المیزان: أن یحلّ الله المشاکل فهي لرأفته- تعالی- و أن یحبّ الناس کلّهم فهو من رحمته فالله- تعالی- رحیم بالناس جمیعاً سواء من له مشکل أم لا و لکن رؤوف بالنسبة إلی من له مشکلات جدّیّة.

 

قال الإمام الراحل (أعلی الله مقامه الشریف): جعل الله الرحمة في طبیعة الإنسان و الحیوان؛ علی سبیل المثال أنّ الدجاجة کیف تحفظ أولادها و تدافع عنها إذا حمل علیها حیوان و کلّ حیوان یحفظ نفسه و أولاده فعلیه أنّ صفة الرحیم و الرؤوف توجدان في طبیعة الأناسيّ و الحیوانات و لکلّها غیرة بالنسبة إلی من هو منسوب إلیها و تحفظن أولادهن. علی سبیل المثال إذا حملت الأمّ بولدها حفظت ولدها في کیفیّة نومها و جلوسها حتّی لا یتأذّی ولده. ثمّ بعد تسعة أشهر یولد ولده فترضعه سنتین و تحافظه و تواظبه. هذه الروحیّة من الرأفة و الرحمة- اللتین توجدان في الأناسيّ و الحیوانات- قد جعلها في وجودهم. قد أصیب الأنبیاء لهدایة الناس. لصفة الرحیم و الرؤوف بُعد ظاهريّ و بُعد معنوي. علی سبیل المثال إذا رأیت أحداً یُضرب ذهبت لتسعده، هذا الحسّ، الرأفة و الرحمة الظاهرتان. و لکن إذا رأیت أنّ الفضاء المجازيّ یدمّر أخلاق الأولاد فإذاً تغضب و تنزجر و تقول لمَ تزیغون الناس؟ قد جاءت الأنبیاء و الأئمّة المعصومون (علیهم السلام) و عُذّبوا و قتلوا حتّی یبصّروا و یعلّموا الناس فهذا بعد معنويّ لرأفة الإنسان و رحمته. فعلی الإنسان أن یکون في البعد الظاهريّ و المعنويّ رؤوفاً رحیماً. إنّ الغرب قد قبل البعد الظاهريّ للرؤوف و الرحیم و هذه الحقوق للبشر و الجعجعة و ادّعاء القیام أمام الظلم فهي البعد الظاهريّ لهذه الصفة. أي تکون عندنا المحبّة إلیکم، إنّ هذه الأناسيّ جائعون فاذهبوا إلیهم بالأجناس و الطعام حتّی لا یموتوا من الجوع فإنّ أولئك قد ظُلموا. هذا هو البعد الظاهريّ للرؤوف و الرحیم و لکن البعد الواقعيّ هو أن ندمّر الجهالة و الکفر و الأعمال غیر الأخلاقیّة بین الناس و نبارز معها فعلیه أنّکم الأعزّاء و المسلمین یجب علیکم الالتفات إلی البعدین للرؤوف و الرحیم من وجهة نظر الظاهر و من وجهة النظر المعنوي. إذا رأیتم الناس قد ذهبوا طریقاً خلاف الحقّ فعلکیم أن تهدوهم و تبصّروهم.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo