< قائمة الدروس

درس حدیث استاد محسن فقیهی

45/05/08

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: جنود العقل و الجهل/ التوکّل/ آثار التوکّل و نتائجه

خلاصة الجلسة السابقة: کان البحث في التوکّل علی الله و آثاره و نتائجه و أنّه من صفات المؤمن لزوم توکّله علی الله- تعالی.

ثم إنّ مقابل التوکّل «الثقة بالنفس»؛ أي یعتمد الإنسان علی نفسه. قال الإمام الراحل (رحمة الله علیه): «کلّ المشاکل ینشأ من "أنا"» أنا فعلت کذا، أنا أکون هکذا و ... نعم أن یعلم الإنسان نفسه قادراً علی الفعل و أنّه یقدر فهو حسن و لکن یجب أن یکون هذا «متوکّلاً علی الله». أن یقول الإنسان دائماً «أنا فعلت هذا، أنا کنت هکذا» و ذکر أنانیّة و یظنّ أنّه فعل جمیع الأفعال فهو من أکبر الخطایا. یجب أن یقول: إنّ الله قد لطف بي و بحمد الله قد استطعت علی هذا الفعل، قد استطعت علی تدوین هذا الکتاب، إنّ الله قد لطف بي لأنّي قد استطعت أن أخطب بین الناس جیّداً فکلّ هذه من ألطاف الله- تعالی. إعلم هذه التوفیقات من الله؛ لأنّ کثیراً یذهبون و یدمّرون الأمر و لکن بحمد الله قد استطعت أن تفعل هذا الفعل جیّداً و هذا توفیق من الله و لطفه. نعم إنّك سعیتَ و تعبتَ و فعلتَ و لکن لطف الله في جنبك أیضاً.

إن ابتُلیتَ حین الخطابة بالرنح فقد تمّ فعلك، إن فقدتَ حفظك لحظةً، أخطأتَ في کلامك کلّه. إذا کانت شخصيّتك أعلی فالأخطار کثیرة جدّاً فإنّك إذا تکلّمت بکلمة خطأً فسیقولون إنّ هذا مرجع التقلید و قد أخطأ و لم یتمکّن من الکلام و فعل کذا و کذا. إن تر أنّ لك ماء وجه، إن تر أنّ لك توفیقاً (نعم هناك سعیك) فکلّ ذلك ألطاف من الله و الله هو الذي أحبّ إلیك. کثیر من الناس قد مشوا هذا الطریق و لکن لم یوفّقوا. وفّقت في الاقتصاد أو التجارة و ... قد لطف الله بك أن تقرأ دروسك بحمدالله فاشکرِ الله فإنّ هذا من نعم الله. کثیر لا یفقهون و کثیر یُردّون في الامتحان و لکن أنت بحمدلله تفوز فيه فاحمَدِ الله و لا تقول «أنا». علیك أن تسعی و لکنّ اللطف من قبل الله- تعالی. إن ابتلیت بالرنح تسقط علی الأرض و یکسر رجلك أو يدك و تتأخّر سنین متماديةً من جمیع الأشیاء. هذا لطف من الله أن تمشي و أنّ لدیك الزوجة و الأولاد و العیش الجیّد و کلّ الأشیاء مرتّبة الحمد لله، هي کلّها من ألطاف الله- تعالی.

قال أمیرالمؤمنین (علیه‌السلام): «إيّاكَ و الثِّقَةَ بنَفسِكَ؛ فإنَّ ذلكَ مِن أكبَرِ مَصائدِ الشَّيطانِ»[1] راقب نفسك و لا تتّکل علی نفسك کثیراً، علیك بالفعل و السعي و لکن لیکن توکلّك علی الله. من مصائد الشیطان أن یقول أنت قادر و هذه الشخصيّة و القیمة لك و أنت الذي بیدك جمیع الأمور. لماذا لیس عند غیرك ما کان عندك؟ فهذه کلّها لك.

فعلی هذا فکلّما تُرفع یجب أن یزداد تواضعك و کلّما یعلو مقامك یجب أن تستصغر نفسك؛ لأنّ هذه کلّها من الله. نعم سعیك و اجتهادك مؤثّر و لکن إذا لم یکن لطف الله فلا تقدر علی أيّ فعل فقد قال الله- تعالی- في القرآن المجید: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾[2] أن تکون لدیك صورة جمیلة فمن الذي أعطاکها؟ هذه العین الجمیلة و الحاجب الجمیل فمن الذي أعطاکهما؟ فقد أعطاه الله. کثیر لیس لدیهم هذا الجمال، من عین جمیلة و حاجب و شعر و سلامة و أخلاق و لسان و لا یقدرون علی التکلّم فمن الذي أعطاها إیّاك؟ کلّ هذه لطف من الله فعلینا في کلّ حال أن نکون من الشاکرین، «مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ» کلّ الخیر من الله و الله قد لطف بنا و علینا أن نلتفت إلی هذه الألطاف و نتواضع عند الله.

قال امیرالمؤمنین (علیه‌السلام) في خطبة 103 من نهج البلاغة: «إنَّ مِن أبغَضِ الرِّجالِ إلَى اللّه- تَعالى- لَعَبداً وَكَلَهُ اللّه ُإلى نَفسِهِ، جائِراً عَن قَصدِ السَّبيلِ، سائِراً بِغَيرِ دَليلٍ، إن دُعِيَ إلى حَرثِ الدُّنيا عَمِلَ و إن دُعِيَ إلى حَرثِ الآخِرَةِ كَسِلَ، كَأَنَّ ما عَمِلَ لَهُ واجِبٌ عَلَيهِ و كَأَنَّ ما وَنى فيهِ ساقِطٌ عَنهُ»[3] .

ویل لمن وکله الله إلی نفسه و لم یکن له محافظ و وکلته ملائکة الله حتّی یعمل ما یشاء، لا تبلغوا إلی ما انقطع اتّصالکم من الله. هذه الصلوات و العبادات و الصلوات باللیالي و البکاءات و الدعوات، تتّصلکم من الله. إن لم تکن هذه الأمور و انقطع اتّصالکم من الله فستأتي- لا فعل الله- المعصیة إثر المعصية و السوء بعد السوء و یبلغ الإنسان إلی حالة قد وُکل إلی نفسه. نعم قد یعصي أحد و لکن یطلب من الله المغفرة و یقول اللهمّ اغفر لي قد أخطأت و اتّبعت هوی نفسي. و لکن قد یصیر أحد جريئاً علی مولاه و ارتکب المعصیة إثر المعصیة فانقطع اتّصاله من الله حینئذٍ فزاغ عن الصراط المستقیم و لیس له هادٍ. إذا قیل له هاهنا فلوس و رئاسة، یحثّ خُطاه إلیهما و لکن إذا قیل هاهنا دعاء الکمیل أو الندبة أو الصلاة قال لیس لي حال الدعاء و الندبة و الصلاة و لکن یحضر أینما أطعموا الطعام. لدیه دفتر تذکُّرٍ فیه الأمکنة و أزمنة الطعام حتّی لا ینساها، لا بأس به و لکن لا ینبغي الغفلة من الله. قد یقفو أحد إثر الدنیا فقط و ینسی آخرته، إن نکن نقفو إثر الدنیا فعلینا أن نقفو أیضاً إثر الآخرة.

فالحاصل أنّ علینا أن نلتفت إلی أن لا ندمّر توکّلنا، علیکم بالتوکّل و لا تعتمدوا علی قوّتکم؛ بل یجب علیکم أن تعتمدوا علی الله و تتوکّلوا علیه و مع التوکّل یجب علیکم السعی و الاجتهاد. و اسعوا في طریق الحقّ و إن أوذیتم فیه فاصبروا و توکّلوا علی الله. المشاکل الآن کثیرة جدّاً و قد تتعبکم و تؤذیکم و یمکن أن یستهزؤوکم و لا یُعتنی بکم و ... فاصبروا حینئذٍ لله و أتوا بوظیفتکم الشرعيّة و قولوا: ﴿وَ مَا لَنَا أَلَّانَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَ قَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا[4] وَ لَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَا آذَيْتُمُونَا[5] وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾[6] .

فعلی هذا یجب علینا أن نتوکّل علی الله و نتحمّل الأذی، کما کان یتحمّلها رسول الله (صلّی‌الله‌علیه‌وآله‌وسلّم) في تبلیغ الدین مع ما کان یأتي من وظیفته الإلهيّة. علینا أیضاً أن نعمل بوظیفتنا الشرعيّة مع الصبر و تحمّل الأذی و التوکّل علی الله.

 


[4] أي: طرق السعادة.
[5] لا نرفع أیدینا عمّا أرسلنا إلیه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo