< قائمة الدروس

الحدیث الأستاذ محسن الفقیهی

44/03/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: جنود العقل و الجهل/ الإیمان/ العدل و الظلم

خلاصة الجلسة السابقة: کان بحثنا في موضوع العدل و هو من أهمّ المسائل الأخلاقیّة. قلنا في الجلسة السابقة أیضاً إنّه یبحث عن العدل في موضعین: العدل الإلهيّ و العدل الإنساني. و موضوع بحثنا هنا العدل الإنساني. یجب علی الإنسان في مقام إنسانیّته أن یکون عادلاً. العدل الإنساني، هو الحسن و القبح العقلیّان؛ «العدل حسنٌ و الظلم قبیحٌ».

قد جاءت في القرآن المجید کلمات نحو: ﴿أَ فَلا یَعْقِلُونَ﴾، ﴿أَ فَلا تَعْقِلُونَ﴾، ﴿وَ ذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ﴾، ﴿وَ ذِكْرى‌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾، ﴿وَ ما هِيَ إِلَّا ذِكْرى‌﴾[1] هذا القرآن تذکّر و جاءت صیغ مختلفة من العقل و هي تدلّ علی التعقّل و التفکّر. هذا بمعنی أنّه یجب الالتفات إلی العقل.

بعض من المتنوّرین الغربیّین الذین یرون أنّ الدین مقابل العقل، فلیعلموا أنّ الله- تعالی- جعل العقل ظهیراً للدین. إکمال الدین بالعقل و هو حجّة باطنیّة یکمّل الدین. إنّ هذه الآیات التي وردت في خصوص العقل أحکام إرشادیّة من الله- تعالی- و الحکم الإرشاديّ هو ما فهمه العقل و ذکّر الشارع المقدّس به؛ مثلاً: أنت أبو ولدك و تنصحه بأن استعمل عقلك، إنّ هذا الفعل ضارّ بك. أنت ترید بهذا الفعل أن ترشد ولدك إلی أن یسلك علی طبق إدراکه و فهمه و عقله. بناءً علی هذا فمن أهمّ الأشیاء للإنسان قبل التفاته إلی الله- تعالی- و رسوله| و الإمام× و قبل الأخذ بالدین، الالتفات إلی العقل. فإن أیّد عقلُه اللهَ- تعالی- فلیقبله و إن أیّد الرسولَ| فلیقبله و هکذا. فعلیه یجب أن یُستعمل العقل في الاعتقادات و المعارف الإسلامیّة.

هنا سؤال:

للعالم الغربيّ تقدّمات علمیّة و الصناعیّة فیظهر أنّ لهم عقولاً و قد استعملوها جیّداً؛ فلماذا تکون اعتقاداتهم و دیانتهم ضعیفةً؟

الجواب:

إنّ العقل أفضل مخلوق خُلق في هذا العالم و تصنَّف المخلوقات علی طبق عقولهم و أفضل المخلوقات من له عقل أعلی و أکثر. لکن هناك موانع تمنع من استعمال العقل و هي عبارة من:

۱) التعصّب:

من لهم تعصّب فهم لا یستطیعون استعمال عقولهم بشکل صحیح. من تحمّس و غضب فهو في حاله هذا نبذ عقله و لا یعتني إلی عقله، فلیست حینئذٍ أفعاله و أقواله ناشئةً من العقل بل ناشئةً من احساساته و لعلّه یصدر منه أيّ قول و فعل لا یلیق بشأنه. لأجل هذا قد وُصّي في الروایات بالسکوت عند الغضب ثمّ الارتکاس بعد لحظة بعد الرجوع إلی العقل. قد یُری في بعض الأوقات أنّ شخصیّةً ممتازةً، یتکلّم حین غضبه و لا یتوقّع منه هذا الکلام أو الاحتکاك الشنیع من الزوج بزوجته أو بالعکس من الموارد التي لا یعمل العقل صحیحاً عند الغضب. التحمّسات و الإحساسات و التعصّبات تظلّ علی العقل و لا یتمکّن الشخص حینئذٍ أن یستعمل عقله بشکل صحیح؛ مثلاً: یقولون: إنّ آباءنا کانوا هکذا فنحن نرید أن نکون هکذا. و أساء الاستکبار في استخدام احساسات الناس و یحرّکهم حتّی تُجعل عقولهم تحت شعاع احساساتهم و لا یستطیعوا حیئنذٍ اختباراً صحیحاً للمسائل و یفعلوا أعمالاً و حرکاتٍ علی الاحساسات. یجب علینا أن نلتفت إلی أنّه لا یقعْ کلامنا و عملنا و قلمنا و قدمنا متأثّرةً عن الاحساسات و التحمّسات.

 

۲) أهواء نفسانیّة:

الأهواء النفسانیّة تمنع من العقل. إذا حُرّکت شهوة الشابّ، لا یعمل عقله بشکل صحیح و إن ارتکب فعلاً قبیحاً فسیصیر موجباً للتجریح و الندامة. قد تکون الشهوة العلاقة بالأموال. إن کانت لدی شخص علاقة و شهوة کثیرة لمال الدنیا ففي مواقع تتّفق المسائل الماليّة و هو یرید أن یحصّل مالاً فلا یستطیع الرقابة علی نفسه فحینئذٍ یخلّط الحرام بالحلال و بالتالي یوجب هذا تجریحه في بعض الأحیان. و قد تکون لدی إنسان شهوة المقام و هو جاهز أن یلتجئ إلی التهمة و الکذب للوصول إلیه و یعد عداتٍ لا یستطیع العمل بها و في موارد یوجب القتل. کلّ هذه الأعمال فهي للوصول إلی هوی النفس و لیس واحد منها مطابقاً للعقل. إن جاوز هوی الإنسان حدّ الشرع فهو یوجب أن یدع الإنسان عقله و نبذه.

على الرغم من تقدّم الغرب كثيراً، لکننّا نری أنّه يوجِد الحرب و الجنایة و القتل في كلّ مكان من الأرض. أينما كان هناك حرب و قتل، نرى آثار أقدام أمريكا و أوروبا ظاهرةً هناك. من أجل بيع أسلحتهم الحربيّة من الدول، يحرّضون الطرفين على الحرب. من أجل الوصول إلی منافعهم المادّيّة و أهواءهم النفسانیّة، یضعون عقولهم تحت أقدامهم مع أنّ أهل العالم كلّهم يعلمون أنّ الحرب سيّء و مدمّر و یؤدّي إلى سفك دماء الأبرياء على الأرض. هم معاشر الغربیّین أنفسهم يعترفون و يقولون أنّ الأصل لنا منافعنا. قد تكون هذه المنافع، المقام و في بعض الأحیان النقد و الثروة و في بعضها الشهوة. يشوقّون النساء على الفساد للشذوذ الجنسيّ لأنفسهم.

ما يجب أن يحكم في العالم هو العقل. كثير من الناس لديهم عقل و لكن لا یلتفتون إلی عقولهم و لا یفعلون أعمالهم طبقاً لعقولهم لأجل احساساتهم و تحمّساتهم و تعصّباتهم أو لأجل أهواءهم النفسانیّة الغالبة علی عقولهم. لذلك نرى وفقاً لاعتراف الغربيّين أنفسهم، أنّ الفساد قد أحاط الاجتماع الغربي.

یقول الإمام الکاظم× فیما روی: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا رَفَعَهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ قَالَ لِي أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ ×: يَا هِشَامُ إِنَّ اللَّهَ- تَبَارَكَ وَ تَعَالَى- بَشَّرَ أَهْلَ الْعَقْلِ وَ الْفَهْمِ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ‌ ﴿فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ‌ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ‌ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ‌ وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ‌[2] [3] .

إذا كنت تريد أن تصبح مجتهداً، فإنّ الطريق للقيام بذلك هو الدراسة حول الأقوال و الأدلّة المختلفة و اختيار أفضلها. إذا أراد أحد أن يكون متديّناً، فالطريق هو رؤية العقائد و الدلائل المختلفة و اختيار الأفضل منها. هکذا في فنّ السیاسة و الحکومة يجب بیان الآراء المختلفة حول أيّة قضيّة و اختيار أفضلها من بين تلك الآراء. إذا قمت بهذه الحركة العلميّة، فستكون ممّن قیل فیهم ﴿أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ‌﴾ و إلّا فإنّ أفعالك ستكون ضدّ العقل. يقول العقل إنّه يجب تحدّث بعضکم مع بعض و الحصول على الحقيقة من بین المحادثات؛ کما قال- عزّ من قائل: ﴿يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ‌ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ‌ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ‌ وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ‌﴾[4] .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo