< قائمة الدروس

الحدیث الأستاذ محسن الفقیهی

44/03/15

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: جنود العقل و الجهل/ الإیمان/ العدل و الظلم

خلاصة الجلسة السابقة: کان بحثنا في العام الماضي حول الخوف و الرجاء و بحث عامنا هذا حول العدل و الظلم اللذین ذکرا في روایات کثیرة. من المسائل المهمّة التي یجب أن نلتفت إلیها هي مسألة العدل و الظلم.

معنی العدل:

لیس العدل بمعنی التساوي بل هو بمعنی «إعطاءُ کلّ شيءٍ حقَّه»؛ أي أن یوضع کلّ شيء و کلّ أحد موضعه. إن عرفنا العدالة و صغری القضیّة- هذا عدل- جیّداً فواضحة جّداً کبراها و هي: «کلُّ عدلٍ یجبُ الإتیان به» و نتیجتها و هي: «فهذا یجبُ الإتیانُ به»؛ إذ العدالة من المستقلّات العقلیّة و لا یحتاج في إثبات حسنها إلی الدین و المذهب؛ لأنّ عقل کلّ إنسان یدرك أنّ «العدل حسنٌ و الظلم قبیحٌ».

العدل قسمان: 1) العدل الإلهي، ۲) العدل الإنساني.

۱- العدل الإلهي:

قد قرأنا في علم الکلام أنّه یبحث عن العدل الإلهيّ في مواضع متعدّدة: ۱)‌ العدل الإلهيّ في التکوینیّات، ۲) العدل الإلهيّ في التشریعیّات، ۳)‌ العدل الإلهيّ في مقام المحاسبة.

۱)‌ العدالة الإلهيّة في التکوین هي أنّ الله- تعالی- خلق الموجودات في کمال العدالة. قد ذکر و شرّح المرحوم الشهید المطهّريّ هذه المسألة في کتابه المسمّی ب«العدل الإلهي».

۲)‌ العدل الإلهيّ في التشریع: أي إنّ الله- تعالی- قد بیّن الأحکام و التکالیف للإنسان تماماً مع العدالة. تقول آیة ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾[1] : إنّ الله- تعالی- قد أمرنا علی قدر وسعنا و لم یأمرنا فوق طاقتنا و تقول آیة ﴿مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾[2] : إنّ الله- تعالی- لم یجعل علیك في مقام التکلیف مشقّةً و لیس في الدین حرج و لا مشقّة؛ مثلاً إذا کانت في الوضوء و الغسل مشقّة، فقد جعل لهما بدل و هو التیمّم أو جعلت بدل الصوم کفارة. هذه عدالة في التشریع.

۳) العدل الإلهيّ في المحاسبة: تقول الآیة: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ﴾[3] هذه عدالة في المحاسبة.

توجد أیضاً آیات أخر في مورد العدالة الإلهيّة نحو: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾[4] و ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾[5] و آیات کثیرة أخر.

العدل الإنساني:

العدل الإنسانيّ الذي یکون موضع بحثنا قسمان: ۱) العدالة الفرديّة، ۲) العدالة الاجتماعيّة

۱) العدالة الفردیّة: معناها هو أنّي أعمل بما أفهم عن نفسي و إلّا (مثلاً) إذا کان هناك طعام یضرّني فأکلته أو أعلم أنّي إذا سمعت إلی شيء، أدّی إلی الضرر عليّ أو إذا نظرت إلی ما أعلم أنّه یضرّني في دنیاي أو آخرتي فإنّي ظالم لنفسي. ﴿وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾[6] أمّا هذا فهو محتاج إلی الفهم، إن إنسان عرف الله و قدرته و علمه و حکمته و صفاته فإنّه یعمل بعد أن وجد أوامر الله نافعةً له و إن لم یعمل فقد ظلم نفسه. فعلی هذا فالعدالة الفرديّة هو ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾[7] فماذا یلزم فعله حتّی یصیر المرء عاقلاً؟ تُسمع الجعجعة و الأقوال المختلفة من الأوروبا و الأمریکا و الفضاء المجازيّ و غیرها التي تذکر مطالب و الإسلام أیضاً یذکر مطالب، فإنّ الکلّ یرونها و یسمعونها و یجب أن یختاروا أحسنها لا باتباع الهوی بل بالتعقّل و التفکّر. من کان هکذا فهو أعقل الناس. فإنّ المجتهد أیضاً یری الآیات و الروایات و الأقوال و دلائل العلماء و یختار أحسنها. فعلی کلّ إنسان وظیفة و هي أن یری الکلمات و السلائق المختلفة مع دلائلها و یسمعها و یختار أحسنها مع إدراکه و فهمه. هذا عدل فردي.

فإنّا إذا نقول «اعبدوا الله» فمعناه «اعرفوا الله» و عندما تعرفون الله تشعرون بالوظیفة. الله الذي لطف بنا و أحبّ إلینا و أعطانا الرزق و السلامة، الله الذي أعطانا الحیاة و الزوجة الصالحة و الولد الصالح بينما حُرّم بعض من هذه النعم، يجب أن نكون شاكرين لهذه النعم و نعبد الله و نفعل أوامره و إذا لم نفعل هذه الأفعال، فقد ظلمنا أنفسنا؛ مثلاً: یحبّ إلیك أبوك و یعطیك بیتاً و یوصل إلیك رزقك و یساعدك في أفعالك و مشکلاتك و تعدّ لك والدتك طعامك فإن ساء خلقك معهما فهل هو مروّة و مطابق للعقل؟ إن عصیت و خالفت أوامرهما و لم تعتن بهما فقد ظلمتهما. هذا في حالة أنّ الله قد حفظ منذ بدایة حیاتك إلی الآن، نفسك و مالك و ماء وجهك و أعطاك هذه النعم کلّها فیجب علیك أنت أن تشعر أنّه یجب علیك فعل تکالیفك و وظائفك بأيّة طریقة تصل إلی عقلك.

يمکن لکلّ أحد أن یکون له أيّ دين أو مذهب و لكن إذا كان الدين الذي يختاره، مبنيّاً على﴿يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ و یری جمیع الأنظار و الدلائل و یختار أحسنها فقد أدّى وظیفته الشرعيّة. لعلّ شخصاًمّا یختار ديناً و الآخر ديناً آخر. على كلّ حال فهذا قانون الله- تعالى: ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾[8] هذه وظیفتنا تجاه الله و هي أن نعمل بالعدالة الإنسانيّة و الفرديّة. بالطبع هنا مشاكل مثل التعصّبات التي في غير محلّها و هي تمنع أحياناً من القيام بوظیفة اختيار القول الأحسن؛ مثلاً: یقول: والدي كان لدیه المذهب الفلانيّ و يجب أن يكون لي مثل مذهبه أو أسلافي لديهم الدین الفلانيّ و يجب أن يكون لديّ نفس هذا الدین. هذه تعصّبات جاهلیّة، دين والديّ لا علاقة له بي. لأکن أنا ممّن یستمعون القول و یتّبعون أحسنه.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo