< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

45/05/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 

 

الموضوع: المکاسب المحرمة/ النجش/ حکم النجش تکلیفا

اشکال في دلالة الروایة

أقول: أمّا الرواية الأولى[1] : فسندها كما اتّضح أنّه على المبنى، فمن يبني على أنّ محمّد بن سنان لا مشكلة فيه و لو لأجل رواية الأعاظم عنه_ كما نميل نحن إلى ذلك_ فلا مشكلة في السند؛ إنّما المشكلة في الدلالة: لأنّ التعبير الوارد هو (ملعونون على لسان محمّد)، و قد تقدّم أكثر من مرّة أنّ اللعن قد يتوقّف في استفادة الحرمة منه، طبيعيّ يوجد بعض استفاد الحرمة و جرى على ذلك في سائر الموارد و لعلّ هذا المورد منها. هذا، مضافاً إلى أنّ اللعن لو قلنا بدلالته على التحريم فيختصّ باللعن الانشائيّ دون اللعن الإخباري فمرّةً يكون اللعن إنشائيّاً، كما لو فرض أنّ النبيّ(ص) (لعن الله النجش) فهو ينشئ اللعن و مرّةً يكون اللعن إخباريّاً، يعني ينقل عنه أنّه قد صدر منه اللعن؛ كما هو الحال في مقامنا؛ فإنّ الامام الصادق(ع) قال (ملعونون على لسان محمّد) فإذا صار اللعن إخباريّاً فيتوقّف بعض في دلالته على التحريم؛ لاحتمال أنّه حينما صدر فقد صدر و هو محفوف بقرائن تدلّ على التنزّه و يصدق آنذاك أنّهم ملعونون على لسان النبي، فهنا النقل من هذه الناحية لا يمكن استفادة التحريم منه؛ لأنّه يتلاءم مع الإثنين معاً، يتلاءم مع صدور اللعن من دون قرينة على التنزّه و يتلاءم أيضاً مع القرينة على التنزّه و لکن مع ذلك کلّه نستفاد التحریم؛ لتأیید النقل بالعقل؛ فإنّ الدلیل علی التحریم حکم العقل بالحرمة و النقل یؤیّده؛ فإنّ النجش من مصادیق الخدعة أو الإغراء بالجهل أو الکذب أو الإضرار بالغیر أو مدح ما یستحقّ الذمّ و أمثالها. و الدلیل علی التحریم هي الأدلّة علی هذه المحرّمات و أدلّة النجش بالخصوص مؤیّدة لهذه الأدلّة؛ فإنّ التأکید علی التحریم و اللعن للاهتمام بالمعاملات و أنّها مورد الابتلاء غالباً؛ فإنّ حرمة الکذب ثابتة و أکثر موارد النجش مبتلی بالکذب أو الخدعة أو الإغراء بالجهل و أمثالها و لا مورد للنجش خالیاً عنها و إنّا نفهم التحریم من اللعن و لو إخباریّاً في هذا المورد و إن لم نقل به في سائر الموارد.

و منها: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى بْنِ بَابَوَيْهِ الْقُمِّيُّ[2] رُوِيَ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ وَاقِدٍ[3] عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ زَيْدٍ[4] عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ آبَائِهِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ(ع) قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ(ص) ... وَ نَهَى أَنْ يَدْخُلَ‌ الرجل‌ فِي‌ سَوْمِ‌ أَخِيهِ‌ الْمُسْلِم»‌.[5]

إستدلّ بها بعض الفقهاء.[6]

أقول: هذا خارج عمّا نحن فیه و المعروف بین الفقهاء(رضی الله عنهم) أنّ الدخول بین بیع المسلم و شرائه مکروه و لکن بعضهم أفتی بالحرمة.

هل يشترط في حرمته التواطؤ

أقول: بناءً على حرمة النجش هل يشترط في حرمته التواطؤ بين الطرفين أم لا؟ ربما يقال باشتراط ذلك، يعني الحرمة ثابتة في حالة التواطؤ بين الطرفين. و الوجه في ذلك هو أنّ الرواية الأولى قالت (الناجش و المنجوش ملعونون على لسان محمّد) و من الواضح أنّ اللعن للبائع إذا لم يكن قد تواطأ مع ذلك الناجش، لا وجه له، فنفس إثبات اللعن في حقّه قرينة عرفيّة على أنّه هناك اتّفاق بينه و بين ذلك الطرف، أي البائع؛ فالحرمة تختصّ بحالة التواطؤ بين الطرفين.

لا يقال: هذا صحيح وارد في الرواية الأولى، بيد أنّ الرواية الثانية لم يرد فيها هذه القرينة، فنتمسّك حينئذٍ بإطلاقها و الرواية الثانية كانت تقول (لا تناجشوا و لا تدابروا) بناءً على تماميّة دلالتها، فهذه فيها إطلاق من هذه الناحية.

فإنّه يقال: إثبات اللعن في الرواية الأولى هو قرينة على الاختصاص، فتكون الرواية الأولى التي ذكرت اللعن بمثابة المخصّص أو المقيّد لإطلاق الرواية الثانية فبالتالي الحرمة تختصّ بحالة المواطاة، هكذا ذكر غير واحد من الأعلام.

إشکالات في الاستدلال بالروایتین

الإشکال الأوّل

قال السیّد الخوانساريّ(رحمه الله): «إستفادة الحرمة من الخبرين مشكلة؛ لذكر التدابر في الخبر الثاني[7] فمع وحدة السياق يشكل حمل النهي على الحرمة و الخبر الأوّل[8] لسانه موافق مع الأخبار الواردة في المكروهات»، (إنتهی ملخّصاً). [9]

أقول: کلامه(رحمه الله) صحیح لو أردنا إثبات الحرمة للنجش بالخصوص من دون صدق الکذب أو الخدعة أو الإضرار بالغیر أو الإغراء بالجهل أو مدح ما یستحقّ الذمّ و أمثالها. و الظاهر عدم المصداق له من دون صدق واحد منها؛ فإن فرض المصداق بدون العناوین المحرّمة، فیمکن القول بعدم الحرمة و إثبات الحرمة مشکل.

الإشکال الثاني

إنّ هذين النبويّين[10] ضعيفا السند و دعوى انجبارهما بالإجماع المنقول_ كما في المتن_ دعوى غير صحيحة، فإنّه إن كان حجّةً، وجب الأخذ به في نفسه و إلّا فإنّ ضمّ غير الحجّة إلى مثله لا يفيد الحجّيّة.[11]

دفع الإشکال الثاني

قال بعض الفقهاء(حفظه الله): «الأوّل و إن كان ضعيفاً أو مشكوكاً بمحمّد بن سنان و الثاني بشعيب بن واقد، إلّا أنّ عمل الأصحاب بهما يوجب انجبار إسنادهما و ذكر في الجواهر أنّهما مؤيّدان بالشهرة، بل الإجماع المحكي».[12]

أقول: کلامه(حفظه الله) متین.

إشکال في کلام السیّد الخوئي

أقول: لا يخفى أنّ المحقّق الخوئيّ(رحمه الله) هو لم يرتض سند الروايتين، فهو قد ضعّف الروايتين من حيث السند و قال إذا كان سند الروايتين ضعيفاً و المفروض أنّ أصل الاجماع المنقول_ من قبل جامع المقاصد و المنتهى_ لم تثبت حجّيّته و ضمّ غير الحجّة إلى غير الحجّة لا ينتج الحجّة؛ إذن الحرمة ليست ثابتةً عنده و الفتوى بالحرمة شيء غير ممكن و كان المناسب أن ينتقل إلى الاحتياط الوجوبيّ و لكنّه في المتن يظهر منه الفتوى بالحرمة، و هذا تهافت بين ما انتهى إليه من عدم تماميّة مدرك التحريم و بين ما هو المثبت في متن المنهاج. [13]

 


[1] الْوَاشِمَةُ وَ الْمُوتَشِمَةُ وَ النَّاجِشُ وَ الْمَنْجُوشُ‌ مَلْعُونُونَ‌ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ(ص).
[2] إماميّ ثقة.
[3] البصري: مهمل.
[4] ذو الدمعة، الهاشمي: مختلف فیه و هو إمامي، ثقة ظاهراً.
[5] من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج4، ص5. (هذه الرواية مسندة و ضعيفة؛ لوجود شعیب بن واقد في سندها و هو مهمل).
[7] رواية قاسم بن سلام.
[8] رواية عبد اللّه بن سنان‌.
[10] روایتا القاسم بن سلام و عبد الله بن سنان.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo