< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

45/04/06

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: المکاسب المحرمة/ معونة الظالمین/ حکم معونة الظالمین تکلیفا

و منها: إبْنُ أَبِي عُمَيْرٍ[1] عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ[2] قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ(ع): «لَا تُعِنْهُمْ عَلَى بِنَاءِ مَسْجِدٍ». [3]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [4]

إشکالان في الاستدلال بالروایة

الإشکال الأوّل

إنّ المنع عن إعانتهم على بناء المسجد لهم نحو من تعظيم شوكتهم، فيكون كمسجد الضرار الذي ذكره اللّه في الكتاب و تبعد الرواية عمّا نحن بصدده. [5]

و قال بعض الفقهاء(رحمه الله): «الظاهر أنّ المراد هو النهي عن إعانتهم على بناء المسجد لأجل كونه إزدياداً في شوكتهم و عظمتهم و هذا الأمر من المستثنى في هذا المقام». [6]

و قال بعض الفقهاء(حفظه الله): «يحتمل أن يكون النهي لأجل أنّ إعانتهم في بناء المسجد تكون سبباً لتقويتهم». [7]

أقول: هناك احتمال معقول مقبول في مثل هذه النصوص و هو أنّ الإطلاق لا ینعقد لمثلها؛ فإنّ الظالم المؤسّس حکومةً أمام وليّه فهو و إن کان قد نوی بناء مسجد، لکنّه یبني مسجداً ضراراً و لیس الأمر أن یصنعه ابتغاء مرضاة الله_ تعالی. من صنع مسجداً و هو محارب إمام زمانه و وليّ دهره ساجناً له و أراد بقتله فظاهر أنّ عمله لیس عبادیّاً. و من الممکن أن یکون بعض النصوص الدالّة علی أن «لا تعنهم إلی بناء المسجد» وارد في هذه البیئة؛ لأنّها ناظرة إلی حکومة بني العبّاس و لیست ناظرةً إلی من ظلم أربع مرّات و عمل صالحاً أربع مرّات و صار مصداق «خلطوا عملاً صالحاً و آخر سيّئاً». و في مثل هذه الموارد إذا أقام أحد بتأمین المصالح لبناء مسجده فقد عصی.

بناءً علی هذا فلا تمکن استفادة الإطلاق من هذه النصوص و القول بأنّه حیث تحرم المعاونة للظلمة في بناء المسجد فلا یجوز أن یباع منهم خبز أو دواء، مضافاً إلی أنّه مع فرض إطلاق الروایات فهناك أدلّة معارضة لهذه النصوص، فتدبّر.

الإشکال الثاني

لا محيص عن حملها على الكراهة؛ للجزم بعدم حرمة ذلك. [8]

و قال بعض الفقها(حفظه الله): «يمكن حمل النهي على التنزيه و الكراهة». [9]

و منها: حَمْدَوَيْهِ[10] ، قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الرَّازِيُّ[11] ، قَالَ حَدَّثَنِي‌ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ[12] ، قَالَ حَدَّثَنِي صَفْوَانَ بْنُ مِهْرَانَ الْجَمَّالُ[13] ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّل(ع)[14] فَقَالَ لِي: «يَا صَفْوَانُ كُلُّ شَيْ‌ءٍ مِنْكَ حَسَنٌ جَمِيلٌ مَا خَلَا شَيْئاً وَاحِداً!» قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَيُّ شَيْ‌ءٍ؟ قَالَ: إِكْرَاؤُكَ جِمَالَكَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ يَعْنِي هَارُونَ» قُلْتُ: وَ اللَّهِ مَا أَكْرَيْتُهُ أَشَراً وَ لَا بَطَراً وَ لَا لِصَيْدٍ وَ لَا لِلَّهْوِ وَ لَكِنِّي أُكْرِيهِ لِهَذَا الطَّرِيقِ، يَعْنِي طَرِيقَ مَكَّةَ وَ لَا أَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِي وَ لَكِنْ أَنْصِبُ مَعَهُ غِلْمَانِي، فَقَالَ لِي: «يَا صَفْوَانُ أَ يَقَعُ كِرَاؤُكَ عَلَيْهِمْ؟» قُلْتُ: نَعَمْ جُعِلْتُ فِدَاكَ، قَالَ: فَقَالَ لِي: «أَ تُحِبُّ بَقَاءَهُمْ حَتَّى يَخْرُجَ[15] كِرَاؤُكَ؟» قُلْتُ نَعَمْ، قَالَ: «فَمَنْ أَحَبَّ بَقَاءَهُمْ فَهُوَ مِنْهُمْ وَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَانَ وَرَدَ النَّارَ»، قَالَ صَفْوَانُ فَذَهَبْتُ وَ بِعْتُ جِمَالِي عَنْ آخِرِهَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ إِلَى هَارُونَ، فَدَعَانِي فَقَالَ لِي: يَا صَفْوَانُ بَلَغَنِي أَنَّكَ بِعْتَ جِمَالَكَ قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: لِمَ قُلْتُ: أَنَا شَيْخٌ كَبِيرٌ وَ أَنَّ الْغِلْمَانَ لَا يَفُونَ بِالْأَعْمَالِ، فَقَالَ: هَيْهَاتَ أَيْهَاتَ إِنِّي لَأَعْلَمُ مَنْ أَشَارَ عَلَيْكَ بِهَذَا أَشَارَ عَلَيْكَ بِهَذَا مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ، قُلْتُ: مَا لِي وَ لِمُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ! فَقَالَ: دَعْ هَذَا عَنْكَ فَوَ اللَّهِ لَوْ لَا حُسْنُ صُحْبَتِكَ لَقَتَلْتُكَ. [16]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [17]

أقول: إنّ ورود النار لیس للمعاملة معهم فقط، بل للمعاملة التي تکون مع حبّ بقائهم، فلو کانت المعاملة معهم مع حبّ فنائهم و زوالهم و لو بعدم اعطاء کرائهم فلا إشکال، فنفس الإعانة في المباحات لا إشکال فیها، بل الإشکال في حبّ بقائهم و لو لحظةً. و لا یخفی أنّه لو کانت المعاملة معهم باطلةً مطلقاً، فلا یحتاج إلی التعلیل بحبّ البقاء و السؤال عن ذلك. و الحاصل أنّ الإعانة في غیر المحرّمات لو کانت مقرونةً بحبّ بقاء الظالمین، فمحرّمة. و هذا خارج عن البحث؛ فإنّ البحث في الإعانة في غیر المحرّمات مطلقاً و لیست الإعانة في غیر المحرّمات علّةً تامّةً للحرمة و لورود النار.


[1] محمّد بن أبي عمیر زیاد الأزدي: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع.
[2] البجلي: إماميّ ثقة.
[3] تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج6، ص338.. (هذه الروایة مسندة و صحیحة)
[10] حمدویه بن نصیر: إماميّ ثقة.
[11] مهمل.
[12] التیمي: فطحيّ رجع عنها عند موته ثقة، من أصحاب الإجماع علی قول.
[13] إماميّ ثقة.
[14] الإمام الکاظم(ع).
[15] خ: تخرج.
[16] إختيار معرفة الرجال المعروف بـ رجال الكشي، الشيخ الطوسي، ج1، ص441.. (هذه الروایة مسندة و ضعیفة؛ لوجود محمّد بن إسماعیل الرازيّ في سندها و هو مهمل)

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo