< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

44/10/17

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: المکاسب المحرمة/ حکم المدح و الذم باطلا/ حکم المدح و الذم الباطل تکلیفا

کلام المحقّق الخوئيّ و النجفيّ التبریزيّ في الإشکال في الأدلّة

على الجملة أنّ الوجوه التي ذكرها المصنّف[1] (رحمه الله) لا تدلّ على حرمة مدح من لا يستحقّ المدح في نفسه؛ فإنّ النسبة بينه و بين العناوين المحرّمة المذكورة هي العموم من وجه و عليه، فلا وجه لجعل العنوان المذكور من المكاسب المحرّمة، كما صنعه العلّامة و تبعه غيره. [2]

و قال النجفيّ التبریزيّ (رحمه الله): «المستند فى ذلك بحياله غير ظاهر؛ لأنّ العناوين التي استدلّ بها على الحرمة من الكذب و الظلم و تعظيم صاحب الدنيا و مدح السلطان الجائر كلّها بحيالها مورد نهي و حرمة، فإذا لم يكن مدح من لا يستحقّ مصداقاً لها، فما الوجه فى الحرمة، فتأمّل». [3]

القول الثانی: التفصیل بین أن یکون مدح من لا يستحقّ المدح خبریّةً، فهو کذب و حرام إلّا إذا قامت قرينة على إرادة المبالغة أو إنشائیّةً، فهو جائز ما لم ینطبق علیه عنوان محرّم [4]

أقول: لا فرق بین الخبر و الإنشاء في المقام؛ إذ الإنشاء هنا ملازم للإخبار غالباً أو دائماً.

قال المحقّق الخوئيّ (رحمه الله): «إنّ مدح من لا يستحقّ المدح قد يكون بالجملة الخبريّة. و قد يكون بالجملة الإنشائيّة؛ أمّا الأوّل فهو كذب محرّم إلّا إذا قامت قرينة على إرادة المبالغة. و أمّا الثاني فلا محذور فيه ما لم ينطبق عليه شي‌ء من العناوين المحرّمة المذكورة[5] أو كان المدح لمن وجبت البراءة منه؛ كالمبدء[6] في الدين». [7]

القول الثالث: الحرمة إن كان منضمّاً بالكذب أو انطبق علیه عنوان محرّم من تقوية الظالم أو تضعيف المظلوم أو غير ذلك [8] [9] [10] [11]

أقول: هو الحق؛ للدلیل العقليّ السابق بشروطه السابقة.

قال بعض الفقهاء (رحمه الله): «لو انطبق على مدح من لا يستحقّ مدحاً عنوان محرّم؛ كعنوان الكذب، كما إذا سرد له أشعاراً تتضمّن مدائح على خلاف الواقع، كان محرّماً و أخذ المال بها أكلاً له بالباطل. و كذا فيما انطبق عليه عنوان ترويج الباطل و نحوه». [12]

و قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «إنّ مجرّد مدح من لا يستحقّ المدح لا يكون عنواناً من العناوين المحرّمة إلّا أن يرجع إلى الكذب أو ترويج الباطل أو عناوين محرّمة أخرى و إن كان مرجوحاً على كلّ حال». [13]

و قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «مدح من لا يستحقّ المدح إن كان منضمّاً بالكذب أو تنطبق عليه أحد العناوين المحرّمة من تقوية الظالم أو تضعيف المظلوم أو غير ذلك، فلا إشكال في حرمته، أمّا غير ذلك فلا دليل على حرمته»، (إنتهی ملخّصاً). [14]

و قال بعض الفقهاء (رحمه الله): «مدح من لا يستحقّ المدح إن كان بنحو الخبر الكاذب حرم مطلقاً و إن كان بوجه آخر؛ كالبيان المبنيّ على المبالغة و التخييل و المدح بنحو الإنشاء لا الإخبار، فلا بأس به إلّا أن يترتّب عليه محرّم آخر؛ كترويج الباطل‌ و التشجيع عليه». [15]

تحقیق الکلام من بعض الفقهاء

إنّ المدح- كالذمّ- على قسمين: قسم منه بالإخبار و الثاني بالإنشاء:

و الأوّل: قد يكون كذباً كما هو الغالب، كما إذا قال في مقام مدحه: إنّ علمه كذا و تقواه و عبادته و شجاعته كذا و لم يكن فيه شي‌ء من ذلك. و أخرى يكون صدقاً، كأن يذكره ببعض الأوصاف الحسنة من غير تعرّض لما فيه من القبائح التي هي أكثر بمرّات بحيث لا يكون في المجموع مدحاً لمن يستحقّ و لو من حيث‌ اكتفائه بما فيه من المحاسن القليلة و ترك ما هو أكثر من القبائح الكثيرة. و الثاني: كأن يدعو الكواكب السماويّة و الجبال بالخضوع له و الملائكة بخدمته و غير ذلك ممّا لا يليق به أصلاً أو يتمنّى له الحياة إلى أبد الآباد أو يرجو له دوام العزّ و الشرف و غير ذلك من الأباطيل و الخيالات. أمّا الأوّل، فلا شكّ في حرمته؛ لكونه كذباً و لعلّه خارج عن محطّ كلامهم و لذا لم يستدلّ له شيخنا الأعظم (رحمه الله) بأدلّة حرمة الكذب مع أنّها أظهر من جميع ما استند إليه في المسألة. و ينبغي أن يكون كذلك؛ لأنّ الظاهر أنّ عنوان البحث «المدح بما أنّه مدح» لا بما أنّه كذب. فتبقى الصورتان الأخيرتان هما المقصود الأصليّ بالكلام، فنقول و منه سبحانه نستمدّ التوفيق و الهداية: إنّه قد يترتّب عليهما عناوين محرّمة أخرى؛ كترويج الباطل و إعانة الظالم و نشر الفساد و شيوع الفاحشة و تقوية المبدع في الدين و تضعيف أهل الحقّ و الصلاح و غير ذلك من العناوين المحرّمة. و ينبغي أن يكون هذا خارجاً عن محلّ البحث أيضاً؛ فإنّ العناوين الطارئة التي نسبتها مع ما هو محلّ الكلام عموم من وجه غالباً لا أثر له فيما نحن بصدده، بل قلّما يكون عنوان محلّل خالياً منها. [16]

تذنیب: في النهي عن مدح من يستحقّ المدح و الأمر بمدح من يستحقّ الذم

صرّح بعض الفقهاء بحرمة النهي عن مدح من يستحقّ المدح و الأمر بمدح من يستحق الذم [17] [18] [19]

قال إبن إدریس الحلّيّ (رحمه الله): «یحرم ... النهي عن مدح من يستحق المدح و الأمر بمدح من يستحق الذمّ أو بشي‌ء من القبائح». [20]

قال العلّامة الحلّيّ (رحمه الله): «يحرم ... مدح من يستحقّ الذم و بالعكس و الأمر بشي‌ء من ذلك». [21]


[1] الشیخ الأنصاريّ (رحمه الله).
[3] تحلیل الکلام فی فقه الاسلام، التبریزی، الشیخ راضی، ج1، ص202.
[5] تقوية الظالم و إهانة المظلوم و نحوهما.
[6] الصحیح: کالمبدع.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo