< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

44/10/16

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: المکاسب المحرمة/ حکم المدح و الذم باطلا/ حکم المدح و الذم الباطل تکلیفا

إشکالات في الاستدلال بالروایة

الإشکال الأوّل

قال الشیخ المامقانيّ (رحمه الله): «إنطباقه على العنوان الأوّل[1] ، فلا وجه له؛ سواء أريد به من ليس مستحقّاً لما قيل فيه من المدح أم أريد به من ليس مستحقّاً أصلاً؛ ضرورة عدم الملازمة بين تعظيم صاحب الدنيا و بين أن لا يكون فيه شي‌ء ممّا يوجب صدق المدح في مقابلته، فلا يلزم من كونه صاحب دنيا كونه لا يستحقّ ما قیل فيه من المدح لإمكان أن يكون فيه ما يوجب صدق المدح، كما أنّه لا يلزم أن يكون ممّن لا يستحقّ المدح أصلاً‌». [2]

الإشکال الثاني

إنّه يدلّ على حرمة تعظيم صاحب المال و إجلاله طمعاً في ماله، فهو بعيد عمّا نحن فيه. [3]

الإشکال الثالث

قال بعض الفقهاء (رحمه الله): «هو ضعيف سنداً و باطل مضموناً؛ لجواز تعظيم المزبور و عدم كونه موجباً لعقاب فضلاً عن العقاب الوارد فيه». [4]

الإشکال الرابع

المراد بقرينة كونه مجاوراً لقارون مدح الثريّ[5] الذي يكون ذا نخوة[6] في مقابل الحقّ و أين هو من مدح من لا يستحقّ المدح أو يستحقّ الذمّ و هو صفر اليد ليس له قدرة و لا مكنة؟ و ليس ذا نخوة في مقابل الحقّ. [7]

الإشکال الخامس

هو ضعيف بعدّة مجاهيل. مضافاً إلى أنّه لا ينبغي الشكّ في انصرافه إلى ما يستلزم شيئاً من العناوين المحرّمة؛ فإنّ الاقتراب من صاحب الدنيا و تعظيمه بما ليس فيه باطل و ما لا ينافي التوحيد و التوكّل على اللّه لا قائل بحرمته، بل أكثر مناسبات الناس حتّى كثير من المؤمنين من هذا الباب، فهم يعظّمون الأطبّاء أو التجّار أو صاحب الحرف؛ لحاجتهم إليهم و مجرّد ذلك ليس حراماً. [8]

الروایة الثانیة

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى بْنِ بَابَوَيْهِ الْقُمِّيُّ[9] الْفَقِيهُ نَزِيلُ الرَّيِّ مُصَنِّفُ هَذَا الْكِتَابِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَ أَرْضَاهُ- رُوِيَ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ وَاقِدٍ[10] عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ زَيْدٍ[11] عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ‘ عَنْ أَبِيهِ(ع) عَنْ آبَائِهِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ(ع) قَال: «‌... مَنْ‌ مَدَحَ‌ سُلْطَاناً جَائِراً أَوْ تَخَفَّفَ‌ وَ تَضَعْضَعَ[12] لَهُ طَمَعاً فِيهِ كَانَ قَرِينَهُ فِي النَّارِ... ». [13]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [14]

إشکالات في الاستدلال بالروایة

الإشکال الأوّل

أمّا بالنسبة إلى العنوان الأوّل[15] ، فعدم الانطباق أظهر؛ سواء أريد بمن لا يستحقّ المدح من لا يستحقّ خصوص المدح الذي قيل فيه أم أريد به من لا يستحقّ المدح أصلا‌ً. [16]

الإشکال الثاني

أمّا الحدیث المناهي، ففیه، أوّلاً: أنّه ضعيف السند. و ثانياً: أنّه دالّ على حرمة مدح السلطان الجائر و حرمة تعظيمه طمعاً في ماله أو تحصيلاً لرضاه. [17]

و قال بعض الفقهاء (رحمه الله): «مدلوله حرمة التواضع و التّخاذل للسلطان الجائر طمعاً فيه و إن كان مستحقّاً للمدح ببعض أعماله و لعلّ حرمته باعتبار كون التواضع له ترويجاً له و تشييداً[18] لسلطانه». [19]

الإشکال الثالث

قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «إنّ من الواضح كونه أخصّ من المدّعى أيضاً و داخلاً في إعانة الظالمين و التقرّب إليهم للدنيا و لا شكّ في حرمته، مضافاً إلى ضعفه بشعيب بن واقد، كما قيل». [20]

و قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «لا يدلّ إلّا على حرمة مدح الظالم الجائر طمعاً في ماله أو مقامه و هو أخصّ من المدّعى؛ إذ قد لا يكون الممدوح ظالماً أو يكون ظالماً و لا يكون ذا مال و قدرة». [21]

کلام المحقّق الإیروانيّ في روایات المسألة

قال (رحمه الله): «الظاهر عدم شمول عناوين الأخبار لمطلق العاصي، بل خصوص الظالم أو السلطان و المنهيّ عنه فيها هو مطلق التعظيم و لعلّ المدح من مصاديقه؛ ثمّ المستفاد منها أنّ الحرمة لوصف راجع إلى المعظّم- بالكسر- و هو ما كان المدح طمعاً. و أمّا ما كان تحبيباً لنفسه أو حبّاً له، فلا بأس به؛ نعم لا ينبغي الإشكال في الحرمة فيما إذا أوجب ذلك زيادة قوّتهم و شوكتهم و اتّساع سلطانهم‌«. [22]

الدلیل الثالث: أنّه قبیح عقلاً [23]

قال الشیخ الأنصاريّ (رحمه الله): «الوجه فيه[24] واضح من جهة قبحه عقلاً». [25]

و قال الشیخ المامقانيّ (رحمه الله): «ثمّ لا يخفى عليك جريان الاستدلال بالقبح العقلي. إنّ ذلك ممّا لا إشكال فيه»‌، (إنتهی ملخّصاً). [26]

کلام بعض الفقهاء ذیل کلام الشیخ الأنصاري

قال السیّد اللاريّ (رحمه الله): «هل قبحه العقليّ من باب الكذب المقتضي للقبح أم من باب الظلم الذي علّة تامّة للقبح؟ وجهان الأقرب الثاني؛ لاختصاص نصوص الباب بغير ذمّ الكذّاب و لأنّ ذمّ العادل بالفسق ظلم لشخص العادل المذموم و بالعكس ظلم لنوع العادل بالمفهوم، فهو على كلا تقديريّة ظلم معلوم أو مفهوم». [27]

و قال المیرزا الشیرازيّ (رحمه الله): « قوله(رحمه الله) (من جهة قبحه عقلاً‌) لكونه كذباً التزاماً أو حكماً و إغراءً على القبيح‌«. [28]

و قال الشهیديّ التبریزيّ (رحمه الله): «قوله (من جهة قبحه عقلاً) ‌أقول إمّا لكونه كذباً حقيقةً و إمّا لكونه ملازماً للكذب‌«، (إنتهی ملخّصاً). [29]

و قال النجفيّ التبریزيّ (رحمه الله): «قوله: من جهة قبحه عقلاً، فلا بدّ أن يوجّه بأنّه كذب التزاماً أو حكماً و إغراءً بالقبيح، فهل مدح من لا يستحقّ يعدّ من تلك العناوين عند العقل و حكمه يجرى فيما هو معلوم عنده؟ فتأمّل». [30]

إشکال في الدلیل الثالث

قال المحقّق الإیروانيّ (رحمه الله): «القبح العقليّ مختصّ بما إذا كان كاذباً أو أوجب ذلك زيادة قوّتهم و سلطانهم و كثرة ظلمهم، دون ما عدا ذلك‌». [31]

و قال المحقّق الخوئيّ (رحمه الله): «العقل فإنّه لا يحكم بقبح مدح من لا يستحقّ المدح بعنوانه الأوّلي ما لم ينطبق عليه عنوان آخر ممّا يستقلّ العقل بقبحها؛ كتقوية الظالم و إهانة المظلوم و نحوهما». [32]

و قال بعض الفقهاء (رحمه الله): «لم يحرز حكم العقل بالقبح على مجرّد المدح». [33]

و قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «ممنوع لو خلا من الأمور المذكورة و العناوين الطارئة المحرّمة و إن كان منافياً لكمال الإنسان و القيم الأخلاقيّة». [34]

قال المحقّق الإیروانيّ (رحمه الله): «القبح العقليّ مختصّ بما إذا كان كاذباً أو أوجب ذلك زيادة قوّتهم و سلطانهم و كثرة ظلمهم، دون ما عدا ذلك‌». [35]

 

 


[1] مدح من لا یستحقّ المدح.
[5] أي: ذو مال کثیر.
[6] أي: عجب، تکبّر.
[9] محمّد بن عليّ بن الحسین بن بابویه: إماميّ ثقة.
[10] البصريِ: مهمل.
[11] الحسین بن زید ذو الدمعة، الحسین بن زید، الحسین بن زید الهاشمي: مختلف فیه و هو إمامي، ثقة ظاهراً.
[12] أي: خضع، ذلّ.
[13] من لا يحضره الفقيه‌، الشيخ الصدوق‌، ج4، ص11.. (هذه الروایة مسندة و ضعیفة؛ لوجود شعیب بن واقد البصريّ في سندها و هو مهمل)
[15] مدح من لا یستحقّ المدح.
[18] أي: الرفعة.
[24] کونه حراماً.
[27] التعلیقة علی المکاسب، اللاری، عبدالحسین، ج1، ص210.
[28] حاشیة المکاسب، المیرزای شیرازی، محمد تقی، ج1، ص136.
[30] تحلیل الکلام فی فقه الاسلام، التبریزی، الشیخ راضی، ج1، ص203.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo