< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

44/08/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: المکاسب المحرمة/ حکم المدح و الذم باطلا/ حکم المدح و الذم الباطل تکلیفا

الروایة الثانیة

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى بْنِ بَابَوَيْهِ الْقُمِّيُّ[1] الْفَقِيهُ نَزِيلُ الرَّيِّ مُصَنِّفُ هَذَا الْكِتَابِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَ أَرْضَاهُ- رُوِيَ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ وَاقِدٍ[2] عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ زَيْدٍ[3] عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ- عَنْ آبَائِهِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ(ع) قَال: «‌... مَنْ‌ مَدَحَ‌ سُلْطَاناً جَائِراً أَوْ تَخَفَّفَ‌[4] وَ تَضَعْضَعَ[5] لَهُ طَمَعاً فِيهِ كَانَ قَرِينَهُ فِي النَّارِ... ». [6]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [7]

وجه الدلالة

قال الشهیديّ التبریزيّ (رحمه الله): «إنّ السلطان الجائر و إن كان‌ يستحقّ الذمّ إلّا أنّه يمكن أن يكون وجه حرمة مدحه لدنياه الشرك‌«، (إنتهی ملخّصاً). [8]

إشکالات في الاستدلال بالروایة

الإشکال الأوّل

إنّ مدح السلطان كما يتحقّق بإخفاء ظلمه أو تزيين ما فعله ظلماً حتّى يكون من قبيل مدح من يستحقّ الذمّ من الجهة التي مدح لأجلها، كذلك يتحقّق بمدحه بما فيه. و على هذا يكون بين الدليل و العنوان عموم من وجه بعد ملاحظة كون العنوان المذكور أعمّ من السلطان، فلا يخلو الاستدلال به عليه من وهن هذا بالنسبة إلى العنوان الثاني.[9]

الإشکال الثاني

أمّا حديث المناهي، ففیه، أوّلاً: أنّه ضعيف السند. و ثانياً: أنّه دالّ على حرمة مدح السلطان الجائر و حرمة تعظيمه طمعاً في ماله أو تحصيلاً لرضاه. [10]

و قال بعض الفقهاء (رحمه الله): «مدلوله حرمة التواضع و التخاذل للسلطان الجائر طمعاً فيه و إن كان مستحقّاً للمدح ببعض أعماله و لعلّ حرمته باعتبار كون التواضع له ترويجاً له و تشييداً[11] لسلطانه». [12]

الإشکال الثالث

قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «لا يدلّ إلّا على حرمة مدح الظالم الجائر طمعاً في ماله أو مقامه و هو أخصّ من المدّعى؛ إذ قد لا يكون الممدوح ظالماً أو يكون ظالماً و لا يكون ذا مال و قدرة». [13]

کلام المحقّق الإیروانيّ في روایات المسألة

قال(رحمه الله): «الظاهر عدم شمول عناوين الأخبار لمطلق العاصي، بل خصوص الظالم أو السلطان و المنهيّ عنه فيها هو مطلق التعظيم و لعلّ المدح من مصاديقه ثمّ المستفاد منها أنّ الحرمة لوصف راجع إلى المعظّم بالكسر و هو ما كان المدح طمعاً و أمّا ما كان تحبيباً لنفسه أو حبّاً له، فلا بأس به؛ نعم لا ينبغي الإشكال في الحرمة فيما إذا أوجب ذلك زيادة قوّتهم و شوكتهم و اتّساع سلطانهم‌«.[14]

أقول: إنّ في حرمة مدح من یستحقّ الذم روایات آخر؛ فمنها: قَالَ النبيّ(ص): «إِذَا مُدِحَ‌ الْفَاسِقُ‌ اهْتَزَّ لِذَلِكَ الْعَرْشُ وَ غَضِبَ الرَّبُّ».[15] و منها: عن عليّ(ع): «أَعْظَمُ اللُّؤْمِ حَمْدُ الْمَذْمُومِ‌».[16] و منها: عن عليّ(ع): «أَكْبَرُ الْأَوْزَارِ تَزْكِيَةُ الْأَشْرَارِ».[17] و منها: قَالَ الباقر(ع): «كَمْ مِنْ رَجُلٍ قَدْ لَقِيَ رَجُلاً فَقَالَ لَهُ كَبَّ‌ اللَّهُ‌ عَدُوَّكَ‌[18] وَ مَا لَهُ مِنْ عَدُوٍّ إِلَّا اللَّهُ». [19]

الدلیل الثالث: عدم الخلاف [20]

قال العلّامة الحلّيّ (رحمه الله): «یحرم ... مدح من يستحقّ الذمّ ... بلا خلاف في ذلك كلّه». [21]

الدلیل الرابع: أنّه قبیح عقلاً [22] [23]

قال الشیخ الأنصاريّ (رحمه الله): «الوجه فيه[24] واضح من جهة قبحه عقلاً». [25]

کلام بعض الفقهاء ذیل کلام الشیخ الأنصاری

قال السیّد اللاريّ (رحمه الله): «هل قبحه العقليّ من باب الكذب المقتضي للقبح أم من باب الظلم الذي علّة تامّة للقبح؟ وجهان الأقرب الثاني لاختصاص نصوص الباب بغير ذمّ الكذّاب و لأنّ ذمّ العادل بالفسق ظلم لشخص العادل المذموم و بالعكس ظلم لنوع العادل بالمفهوم، فهو على كلا تقديريّة ظلم معلوم أو مفهوم». [26]

و قال الشیخ المامقانيّ (رحمه الله): «لا يخفى عليك جريان الاستدلال بالقبح العقليّ و إنّ ذلك ممّا لا إشكال فيه»، (إنتهی ملخّصاً)‌.[27]

و قال المیرزا الشیرازيّ (رحمه الله): «قوله (رحمه الله) (من جهة قبحه عقلاً‌) لكونه كذباً التزاماً أو حكماً و إغراءً على القبيح‌». [28]

و قال الشهیديّ التبریزيّ (رحمه الله): «قوله (من جهة قبحه عقلاً) ‌أقول إمّا لكونه كذباً حقيقةً و إمّا لكونه ملازماً للكذب‌»، (إنتهی ملخّصاً). [29]

إشکال في الدلیل الرابع

قال المحقّق الإیروانيّ (رحمه الله): «القبح العقليّ مختصّ بما إذا كان كاذباً أو أوجب ذلك زيادة قوّتهم و سلطانهم و كثرة ظلمهم دون ما عدا ذلك‌». [30]

و قال المحقّق الخوئيّ (رحمه الله): «العقل فإنّه لا يحكم بقبح مدح من لا يستحقّ المدح بعنوانه الأوّلي ما لم ينطبق عليه عنوان آخر ممّا يستقلّ العقل بقبحها؛ كتقوية الظالم و إهانة المظلوم و نحوهما». [31]

و قال بعض الفقهاء (رحمه الله): «لم يحرز حكم العقل بالقبح على مجرّد المدح». [32]

کلام الشیخ النجفيّ في المقام

قال (رحمه الله): «[من المحرّم][33] مدح المذموم بما استحقّ الذمّ عليه على وجه يترتّب عليه فساد و إغراء بالجهل أمّا مدح المذموم بما فيه من الصفات الحسنة على وجه لا يكون غيبةً و نحوها، فلا بأس به و إن استحقّ الذمّ من جهة أخرى؛‌ فإنّ الذي ينبغي إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، فمن لم يكن فيه صفة للذمّ فليس له إلّا المدح، فذو الجهتين يستحقّ الأمرين و دعوى أنّ مستحقّ الذمّ يحرم مدحه ممنوعة بالسيرة القاطعة و غيرها فضلاً عن دعوى الإجماع عليها»، (إنتهی ملخّصاً مع التصرّف). [34]

 


[1] محمّد بن عليّ بن الحسین بن بابویه القمّي: إماميّ ثقة.
[2] البصريِ: مهمل.
[3] الحسین بن زید ذو الدمعة، الحسین بن زید، الحسین بن زید الهاشمي: مختلف فیه و هو إمامي، ثقة ظاهراً.
[4] أي: المدح.
[5] أي: خضع، ذلّ.
[6] من لا يحضره الفقيه‌، الشيخ الصدوق‌، ج4، ص11.. (هذه الروایة مسندة و ضعیفة؛ لوجود شعیب بن واقد البصريّ في سندها و هو مهمل)
[11] أي: الرفعة.
[18] كبّ فلاناً: صرعه و قلبه على رأسه.
[19] تحف العقول، ابن شعبة الحراني، ج1، ص294.. (هذه الروایة مرفوعة و ضعیفة)
[24] کونه حراماً.
[26] التعلیقة علی المکاسب، اللاری، عبدالحسین، ج1، ص210.
[28] حاشیة المکاسب، الشیرازی، محمد تقی، ج1، 136.
[33] الزیادة منّا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo