< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

44/05/16

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: المکاسب المحرمة/ اللهو/ حکم اللهو

إشکالات في کلام الشیخ الأنصاري

الإشکال الأوّل

أمّا شذوذه و مخالفته المشهور فقد عرفت منعه جدّاً في صريح السرائر[1] بأنّ اللاعب بجميع الأشياء قبيح و اللاعب بها فاسق لا تقبل شهادته و صريح خبر تحف العقول: «... كُلِ‌ مَلْهُوٍّ بِه‌ ...»[2] و عموم تعليل المنع عن صيد اللهو بقوله(ع): «ما للمؤمن و الملاهي، إنّ المؤمن لفي شغل»[3] و ما عن المجلسيّ (رحمه الله) من نفي الخلاف عن حرمة مطلق اللهو.[4] بل و عن الأردبيليّ (رحمه الله) و غيره في شرح الإرشاد[5] نقل الإجماع عليه، بل قد استظهر المستند[6] الإجماع المحقّق عليه و أمّا السيرة فالكاشف منها غير موجود قطعاً خصوصاً في مقابل عموم الآيات و الروايات الرادعة لها و الموجود منها غير كاشف؛ لأنّها سيرة الجهّال و أهل الضلال المتجاهرة حتّى في ضروريّ الحرمة من أقسام اللهو و اللعب. و لو سلّمنا خروج ما خرج بالنصّ و السيرة؛ لكنّه لا يقدح في عموم حرمة البقيّة و أصل الكليّة. فإخراج النصّ و السيرة للهو المسابقة و الرياضة و ملاعبة الزوجة و الصبيان عن حرمة اللهو و اللعب و البطلان، لا يقضي بإخراج ملاهي الچائي و الوافور و العكار[7] و القليان، فضلاً عن الدفّ و الرقص في العرس و الختان؛ فإنّها من عمل الشيطان.[8]

إشکال في بعض هذا الکلام

أقول: المحقّق النراقيّ (رحمه الله) هو قائل بعدم حرمة مطلق اللهو حیث قال: «أمّا حرمة اللهو و اللعب فلعدم دليل على حرمة مطلقهما»[9] و ثانیاً ما جيء من الإجماع في مجمع الفائدة و الإجماع المحقّق في المستند و نفي الخلاف عن المجلسيّ (رحمه الله) فهو في مبحث الاشتغال بالملاهي و الاستعمال بآلات اللهو، لا مبحث اللهو.

الإشکال الثاني

قال المحقّق الشیرازيّ (رحمه الله): «لعلّ العبارة لا تخلو عن تشويش؛ فإنّ الظاهر خصوصاً بقرينة قوله: و كلّما يفيد فائدة آلات اللهو. إرادة ما يكون موجباً و مقتضياً لشدّة الفرح لا ما يكون مقتضى مسبّباً لها». [10]

و قال المحقّق الخوئيّ (رحمه الله): «إنّا لا نعرف وجهاً صحيحاً لما ذكره المصنّف (رحمه الله) من تقوية حرمة الفرح الشديد».[11]

أقول: لماذا نحكم بحرمة هذا؟ و ما هو السند العلمي؟ يعني هل هناك ملازمة و أنّه إذا لم يكن اللهو بعرضه العريض حراماً فما نشأ من البطر هو محرّم إذن! إنّه لا توجد ملازمة. و هذه مجرّد دعوى تحتاج إلى سند علم، فالإشكال عليه واضح. و المناسب علميّاً أن يقال: لو كانت لدينا رواية تامّة الدلالة و السند و كانت تقول (اللهو حرام) ففي مثل هذه الحالة ماذا نفعل؟ المفروض أنّ هذا الإطلاق بعرضه العريض لا يمكن أن نلتزم به بالضرورة و إلّا يلزم أن تحرم الكثير من أعمالنا التي تنشأ من دون داعٍ عقلائي و هذا لا يمكن أن يلتزم به فقيه، فالمرتبة العليا لا يمكن الالتزام بها. و أمّا المرتبة المتوسّطة فليس لها تعيّن حتّى نقول إنّه بعد تعذّر المرتبة الأولى العالية ننتقل إلى المرتبة الثانية المتوسطة. و ما هي المرتبة الثانية المتوسطة ؟ هي التي يمكن تحديدها لا أنّك تحدّدها كيفما اتّفق فإنّ هذا باطل. و إنّما الكلام هي أنّها حيث تكون قابلةً لأن تكون هي المرادة بالنصّ و يحتمل إطلاق النصّ عليها لوضوحها و لكن لا توجد عندنا هذه المرتبة. إذن مادام ليس عندنا هذه المرتبة المتوسّطة فالمتعيّن المصير إلى القدر المتيقّن و هو عبارة عن الغناء (مثلاً) بدرجته العالية الذي يكون مطرباً و يلهي عن الله- عزّ وجلّ- و يوجب الانقطاع إلى الدنيا. و هذا شيء وجيه و هو كلام قائم على أساس علمي. إذن اتّضح أنّه لا يمكن المصير إلى ما ذكره الشيخ الأعظم (رحمه الله).

الإشکال الثالث (و لو جعل مطلق الحركات التي لا يتعلّق بها غرض عقلائي)

فيه نحو من الإجمال؛ فإنّ تحصيل مقتضيات القوى الشهوانيّة مطلوب عند العقلاء مرغوب لديهم، فكيف يعدّ حركات غير عقلائيّ عندهم‌. [12]

الإشکال الرابع (لو جعل مطلق الحركات التي لا يتعلّق بها غرض عقلائيّ مع انبعاثها عن القوى الشهويّة ...)

الجمع بين عدم تعلّق الغرض العقلائيّ و الانبعاث عن القوّة الشهويّة تدافع؛ لأنّ قضيّة الانبعاث عن الشهوة تعلّق الغرض العقلائيّ به ضرورة أنّ أعظم الأغراض عند العقلاء تحصيل ما تقتضيه شهواتهم و مع ذلك كيف يمكن عدم تعلّق غرض عقلائيّ بها‌. [13]

کلام المحقّق البروجرديّ في المقام

قال (رحمه الله): «حرمة بعض أقسام اللهو و إن كانت قطعيّةً؛ لكن لا يمكن الالتزام بحرمة جميع‌ أقسامه؛ إذ المحرّم من اللهو هو ما أوجب خروج الإنسان من حالته الطبيعيّة بحيث يوجد له حالة سكر لا يبقى معها للعقل حكومة و سلطنة؛ كالألحان الموسيقيّة التي تخرج من استمعها من الموازين العقليّة و تجعله مسلوب الاختيار في حركاته و سكناته، فيتحرّك و يترنّم على طبق نغماتها و إن كان من أعقل الناس و أمتنهم. و بالجملة المحرّم منه ما يوجب خروج الإنسان من المتانة و الوقار قهراً و يوجد له سكراً روحيّاً يزول معه حكومة العقل بالكلّيّة». [14]

کلام السیّد السبزواريّ في المقام

قال (رحمه الله): «اللهو حرام و له مراتب كثيرة جدّاً بعضها حرام و الجميع مرجوح، فيكون المتيقّن من تلك المراتب محرّماً و في غيره يرجع إلى البراءة و لكن المرجوحيّة مسلّمة في الجميع. و المتيقّن ما كان فيه تهييج القوى الشهوانيّة و استلذاذها؛ كالطرب بالآلات المعدّة له و ضرب الأوتار و الرقص و نحو ذلك ممّا تتلذّذ منه القوى الشهوانيّة و لم يرد ترخيص من الشرع على جوازه؛ كملاعبة الرجل مع أهله و المسابقة و نحوهما»، (إنتهی ملخّصاً). [15]

تنبیه

إنّ اللهو المحرّم قد يكون بآلة اللهو من غير صوت؛ كضرب الأوتار. و قد يكون بالصوت المجرّد و قد يكون بالصوت في آلة اللهو؛ كالنفخ في المزمار و القصب و قد يكون بالحركات المجرّدة؛ كالرقص و قد يكون بغيرها من موجبات اللهو. [16]

 


[1] السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي، ابن إدريس الحلي، ج2، ص124. اللعب بجميع الأشياء قبيح، فقد صار فاسقاً بلعبه، فكيف تقبل شهادته.
[2] .تحف العقول، ابن شعبة الحراني، ج1، ص333. )الحسن بن عليّ بن الحسین بن شعبة الحرّاني: إماميّ لم تثبت وثاقته. وَ رَوَاهُ الْمُرْتَضَى فِي رِسَالَةِ الْمُحْكَمِ وَ الْمُتَشَابِه‌ (عليّ بن الحسين المرتضى [إماميّ ثقة] في رسالة المحكم و المتشابه نقلاً من تفسير النعمانيّ [محمّد بن إبراهیم: إماميّ ثقة] عن أحمد بن سعيد بن عقدة [زیديّ جاروديّ ثقة] قال: حدّثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي [مهمل] عن إسماعيل بن مهران [إماميّ ثقة] عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة [البطائني: من رؤساء الواقفة ضعیف] عن أبيه [عليّ بن أبي حمزة البطائني: من رؤساء الواقفة؛ لکنّ الظاهر أخذ المشایخ عنه قبل وقفه و هو إماميّ ثقة] عن إسماعيل بن جابر [الکوفي: إماميّ ثقة] قال سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمّد الصادق‘ يقول عن آبائه (علیهم السلام) عن أمير المؤمنين(ع). (هذه الروایة مسندة و ضعیفة؛ لوجود أحمد بن یوسف بن یعقوب الجعفيّ في سندها و هو مهمل و لوجود حسن بن عليّ بن أبي حمزة البطائنيّ في سندها و هو ضعیف).
[3] .مستدرك الوسائل، المحدّث النوري، ج13، ص216. زَيْدٌ النَّرْسِيُّ [مختلف فیه و هو إماميّ ثقة ظاهراً] فِي أَصْلِهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(ع) أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثٍ فِيمَنْ طَلَبَ الصَّيْدَ لَاهِياً: «وَ أَنّ‌ الْمُؤْمِنَ‌ لَفِي‌ شُغْلٍ‌ عَنْ ذَلِكَ شَغَلَهُ طَلَبُ الْآخِرَةِ عَنِ الْمَلَاهِي» إِلَى أَنْ قَالَ(ع): «وَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ لَفِي شُغْلٍ مَا لَهُ وَ لِلْمَلَاهِي؛ فَإِنَّ الْمَلَاهِيَ تُورِثُ قَسَاوَةَ الْقَلْبِ وَ تُورِثُ النِّفَاقَ»..(هذه الروایة مرفوعة و ضعیفة)
[4] .مستند الشّيعة، النراقي، المولى احمد، ج18، ص159. : نفى المحدّث المجلسيّ (رحمة الله) في حقّ اليقين (ج2ص568) کتاب الخلاف فيها بين الشيعة.
[7] لعلّها تصحیف السیگار و هي السیجارة.
[8] . التعلیقة علی المکاسب، اللاری، عبدالحسین، ج1، ص206.
[10] . حاشیة المکاسب، الشیرازی، محمد تقی، ج1، ص136.
[12] . حاشیة المکاسب، الشیرازی، محمد تقی، ج1، ص136.
[13] .هداية الطالب الى اسرار المكاسب ط قديم، الشهيدي التبريزي، الميرزا فتاح، ج1، ص107.
[14] .البدر الزاهر في صلاة الجمعة والمسافر، المنتظري، الشيخ حسين علي، ج1، ص298.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo