< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

44/05/01

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: المکاسب المحرمة/ اللهو/ حکم اللهو

الإشکال السادس

إنّ الاستدلال إنّما يتمّ لو كانت الملاهي جمع اللهو بالمعنى المصدريّ و يناسبه قوله(ع): «کالْغِنَاءِ» و أمّا إذا كان جمعاً للملهاة «إسم الآلة» فيدلّ على حرمة اللعب بآلات الأغاني و يناسبه قوله(ع): «وَ ضَرْبِ الْأَوْتَار» و على ذلك يمكن توجيه التمثيل بالغناء مع أنّه ليس من الآلات بأنّ المراد الغناء بالآلات المعدّة له؛ كالعود و المزمار و بما أنّه لا وجه لتقديم أحد الظهورين على الآخر يسقط الحديث عن الاستدلال به. أضف إلى ذلك أنّه لا يدلّ على حرمة اللهو مطلقاً، بل ما يصدّ عن ذكر اللّه و ليس المراد الصدّ الفعليّ و إلّا يلزم أن يكون الإنسان في كلّ حال ذاكراً للّه- تعالى- فتعيّن أن يكون المراد ما يوجب حالة الاحتجاب للنفس عن اللّه- تعالى- لأجل الاشتغال بتلك الملاهي؛ فإنّ للذنوب و المعاصي آثاراً لا تنكر. قال سيّد الموحّدين أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع) في دعاء كميل: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَهْتِكُ الْعِصَمَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُنْزِلُ النِّقَمَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُغَيِّرُ النِّعَمِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَحْبِسُ الدُّعَاء». [1]

أقول: الملاهي جمع ملهاة و هي اسم الآلة و المراد أنّ الاشتغال بآلات اللهو حرام و هذا غیر حرمة مطلق اللهو و قلنا سابقاً من کان حرفته الاشتغال بآلات اللهو، فکسبه و فعله حرام إجماعاً. و من المعلوم الفرق بین اللهو بالآلات اللهويّة و بین مطلق الاشتغال باللهو و لو بدون الآلات اللهويّة التي تلهي عن ذکر الله.

و الشاهد علی أنّ الملاهي تکون من أسماء الآلة، هو أنّه قد ذکرت في ذیل هذه الروایة عدّة مصادیق من الملاهي التي تکون من آلات اللهو «كَالْغِنَاءِ وَ ضَرْبِ الْأَوْتَارِ»، مضافاً إلی أنّه ورد في الروایة 33 من نفس هذا الباب «الِاشْتِغَالُ بِالْمَلَاهِي» أي الاشتغال بآلات اللهو، فإنّ المراد من الملاهي هنا آلات اللهو قطعاً؛ إذ لم تعدّ الروایة مطلق الملاهي من المعاصي الکبیرة بل عدّت الاشتغال بالملاهي بواسطة الآلات منها. و هذه الروایة قرینة علی أنّ المراد من روایة أعمش آلات اللهو.

أقول: إنّ أغلب هذه الروايات ضعيف السند. ليس كلّ رقصٍ أو تصفيقٍ - أي كلّ لهوٍ - يدخل حتّى المرتبة المتوسّطة منه في الصدّ عن ذكر الله- عزّ وجل. إنّما المرتبة العالية و التي قلنا هي التي توجب الطرب بالدرجة العالية، فهذه تصدّ عن ذكر الله.

و منها: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبْدُوسٍ النَّيْسَابُورِيُّ الْعَطَّارُ[2] (رضی الله عنه) بِنَيْسَابُورَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَ خَمْسِينَ وَ ثَلَاثِمِائَةٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ النَّيْسَابُورِيُّ[3] عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ[4] ، قَالَ سَأَلَ الْمَأْمُونُ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى الرِّضَا(ع) أَنْ يَكْتُبَ لَهُ مَحْضَ الْإِسْلَامِ عَلَى سَبِيلِ الْإِيجَازِ وَ الِاخْتِصَارِ فَكَتَبَ(ع): «... الْإِيمَانُ‌ هُوَ أَدَاءُ الْأَمَانَة ... وَ اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ وَ هِي‌ قَتْلُ النَّفْس‌ ... و الِاشْتِغَالُ‌ بِالْمَلَاهِي‌ ...». [5]

إشکالات في الاستدلال بالروایة

الإشکال الأوّل

ليس فيها التمثيل بالغناء و ضرب الأوتار، فيحتمل الملاهي فيها الحمل على جميع الملهاة إليه. [6]

الإشکال الثاني

ظاهر الباء في قوله(ع): «الاشتغال بالملاهي» السببيّة و الاستعانة. و مقتضاه كون الملاهي جمع الملهاة إسم الآلة و لا قرينة هنا على الصرف عن هذا الظهور، كما كانت في الرواية السابقة. [7]

و قال الإمام الخمینيّ(رحمه الله): «إنّ الظاهر منها آلات اللهو لا مطلق الملهيّات إلى غير ذلك ممّا هي دونها في الدلالة». [8]

الإشکال الثالث

إنّ «الملاهي» جمع «الملهاة» و الرواية تدلّ على حرمة قسم خاصّ من اللهو و هو الاشتغال بآلات اللهو. [9]

الإشکال الرابع

إنّ ظاهر الملاهي بلا قرينة هو الجمع من إسم الآلة و الاشتغال بها عبارة عن اللهو بها و لا شبهة في حرمة استعمال تلك الآلات. و إنّما الكلام في المقام في حرمة مطلق اللهو. هذا مع أنّ في سند الرواية ضعف. [10]

و منها: [11] أَخْبَرَنَا ابْنُ الصَّلْتِ[12] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُقْدَةَ[13] قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَبُو الْحَسَنِ الْحُسَيْنِيُّ[14] قِرَاءَةً عَلَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى[15] ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ[16] ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُوسَى‘ عَنْ أَبِيهِ(ع) عَنْ جَدِّهِ(ع) عَنْ آبَائِهِ(علیهم السلام) عَنْ عَلِيٍّ(ع) قَالَ: «كُلُ‌ مَا أَلْهَى‌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، فَهُوَ مِنَ الْمَيْسِرِ». [17]

إشکالات في الاستدلال بالروایة

الإشکال الأوّل

[أمّا هذه الروایة ففیه][18] ما تقدّم في الثانية[19] ؛ فإنّ الإلهاء عن ذكر اللّه نظير الصدّ عن ذكر اللّه- تعالى. [20]

الإشکال الثاني

قال الإمام الخمینيّ(رحمه الله): «فيه- مضافاً إلى بعد أن يراد بالكلّيّة جميع صنوف الملهيّات و إلحاقها بالميسر حكماً؛ لأنّ الإلحاق الحكميّ بلسان الإلحاق الموضوعيّ غير مناسب للبلاغة و مجرّد اشتراكها في الإلهاء لا يصحّح الدعوى، فلا يبعد أن يكون المراد بالكلّيّة صنوف المقامرة‌، كما ورد: «... كُلُّ مَا قُومِرَ عَلَيْهِ فَهُوَ مَيْسِر»[21] أنّ المراد بالملهيّ عن ذكر‌ للّه ليس الغفلة عن التوجّه إليه- تعالى- بالضرورة. فلا يبعد أن يكون المراد به ما يوجب الغفلة عنه- تعالى- بحيث لا يبالي بالدخول في المعاصي، كما هو شأن المقامرات و استعمال الملاهي. أو كان المراد غفلةً خاصّةً تحتاج إلى البيان من قبل اللّه- تعالى». [22]

الإشکال الثالث

قال المحقّق الخوئيّ(رحمه الله): «فيه، أوّلاً: أنّ هذه الرواية ضعيفة السند. و ثانياً: أنّها محمولة على الكراهة؛ فإنّ كثيراً من الأمور يلهي عن ذكر اللّه و ليس بميسر و لا بحرام و إلّا لزم الالتزام بحرمة كثير من الأمور الدنيويّة؛ لقوله- تعالى: ﴿إِنَّمَا الْحَيٰاةُ الدُّنْيٰا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ﴾[23] بل قد أطلق اللهو على بعض الأمور المستحبّة في جملة من الروايات؛ كسباق الخيل و مفاكهة الإخوان و ملاعبة الرجل أهله و متعة النساء؛ فإنّها من الأشياء المندوبة في الشريعة و مع ذلك أطلق عليها اللهو. و توهّم أنّ الملاهي غير المحرّمة خارجة عن الحديث توهّم فاسد؛ فإنّه مستلزم لتخصيص الأكثر و هو مستهجن». [24]

 


[2] مختلف فیه و هو إماميّ ثقة ظاهراً.
[3] مختلف فیه و هو إماميّ ثقة ظاهراً.
[4] النیشابوري: إماميّ ثقة.
[5] .عيون أخبار الرضا(ع)‌، الشيخ الصدوق، ج2، ص121.. (هذه الروایة مسندة، صحیحة ظاهراً)
[6] . حاشیة المکاسب، الشیرازی، محمد تقی، ج1، ص134.
[11] الحسن بن محمّد بن الحسن الطوسيّ [إماميّ ثقة] عن أبيه [محمّد بن الحسن بن عليّ: إماميّ ثقة]. ‌.
[12] أحمد بن محمّد بن هارون بن الصلت: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة ظاهراً.
[13] أحمد بن محمّد بن سعيد ابن عقدة: زيديّ جاروديّ ثقة.
[14] مهمل.
[15] مهمل.
[16] عبد الله بن عليّ بن الحسین بن یزید: مهمل.
[17] .الأمالي - ط دار الثقافة، الشيخ الطوسي، ج1، ص336.. (هذه الروایة مسندة و ضعیفة؛ لوجود الرواة المهملین في سندها)
[18] الزیادة منّا.
[19] هي رویة الأعمش و استشکل علیه بهذا الکلام: «هي أولى بالتمسّك بها للجواز ...».

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo