< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

44/04/26

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: المکاسب المحرمة/ اللهو/ حکم اللهو

 

وجهان لدلالة الروایة

الوجه الأوّل

قال الشیخ الأنصاريّ(رحمه الله):«عدّ في الكبائر الاشتغال بالملاهي التي تصدّ عن ذكر الله؛ كالغناء و ضرب الأوتار؛ فإنّ الملاهي جمع ملهي مصدراً أو ملهي وصفاً لا الملهاة آلة؛ لأنّه لا يناسب التمثيل». [1]

و قال بعض الفقهاء (رحمه الله): «إنّ من الوارد فيها الملاهي التي تصدّ عن ذكر اللّه (عزوجل) كالغناء و ضرب الأوتار و ذكر الغناء مثالاً للملاهي قرينة على أنّها جمع الملهى مصدر ميميّ أو الملهي وصف من باب الأفعال لا جمع الملهاة إسم الإله[2] ، فتكون ظاهرةً في حرمة اللهو و حملها على جمع إسم الآلة و تقييد الغناء بكونه مقارناً باستعمال تلك الآلات حتّى يصحّ مثالاً للجمع من إسم الآلة بلا قرينة غير ممكن». [3]

أقول: الملاهي جمع الملهی و هو إمّا مصدر، أي نفس العمل اللهوي و إمّا وصف و اسم فاعل أي الفرد اللاهي و قد عُدّت في کلّ من الصورتین من المعاصي الکبیرة.

الوجه الثاني

قال الإمام الخمینيّ (رحمه الله): «قوله (ع): «مكروهة» يراد بها التحريم أو تكون بالنصب و يكون المراد أنّها تصدّ عن ذكر اللّه كرهاً و استلزاماً بلا إرادة من الفاعل». [4]

إشکالات في الاستدلال بالروایة

الإشکال الأوّل

هي أولى بالتمسّك بها للجواز؛ فإنّ ظاهر تقييد الملاهي بالتي تصدّ عن ذكر اللّه هو الاحتراز و الظاهر أنّ المراد من الصدّ حصول حالة الاحتجاب للنفس من أثر تلك الملاهي؛ فإنّ لأنواع المعاصي آثاراً خاصّة، كما أشير إليه في صدر دعاء كميل[5] لا الاشتغال الفعليّ عن ذكره؛ فإنّ ذلك حاصل عند كلّ فعل و لو كان مباحا‌ً و المتيقّن من ثبوت هذا الأثر له هو ما دلّ الدليل عليه و هو اللعب بآلات الأغاني. [6]

الإشکال الثاني

يمكن أن يقال بأنّها[7] جمع الملهاة و التمثيل بالغناء إنّما لا يناسبه لو كان المراد منه التغنّي بغير الآلات المعدّة له؛ كالعود و المزمار و هو في حيّز إمكان المنع؛ بل يمكن جعل ظهور الملاهي في كونه جمع الملهاة قرينةً على التصرّف في الغناء و حمله على الغناء بما أعدّ له من الآلات، فتأمّل و لو سلّم عدم كونه جمع الملهاة، فيمكن القول بأنّها لا تدلّ على حرمة مطلق اللهو نظراً إلى تقييد الملاهي فيها بالصدّ عن ذكر اللّٰه و قد مرّ في الغناء استظهار أنّ المراد منه خصوص إطاعته بترك نواهيه و إتيان أوامره لا مطلق ذكره- تعالى- لساناً و قلباً؛ كي يشكل بالمكروه و المباح، فيكون المراد من الصدّ عنه معصيته- تعالى- بمخالفة أوامره و نواهيه، فيكون مفاده حرمة اللهو الخاصّ و هو اللهو الصادّ لا إشكال في حرمته و كون الوصف توضيحاً لبيان طبيعة اللهو خلاف الظاهر؛ لأنّ الأصل في الأوصاف هو الاحتراز. و من ذلك يظهر الحال في دلالة قوله(ع): كلّما ألهى عن ذكر اللّٰه، فهو الميسر و لا ملازمة بين عدم الترخيص في القصر لمن سافر في لهو و بين حرمة اللهو و قد عرفت في باب الغناء الإشكال في دلالة رواية الغناء في حديث الرضا(ع) و فيما بعدها على حرمة اللهو‌. [8]

الإشکال الثالث

لا يخفى عدم دلالتها مع الإجمال و الاحتمال في كلمة (الملاهى) إذ هي تدلّ على اللهو الصادّ عن ذكر اللّه- تعالى- حرام لا مطلق اللهو؛ إذ المباحات أيضاً تصدّ عن ذكره- تعالى- شأنه، فليس المقصود من الصدّ ما كان صادّاً للعبادة من حيث الضدّيّة؛ لأنّ المباح أيضاً صادّ عن ذكره، فيكون المراد أنّ من اشتغل باللهو كان راغباً عن العبادة و ما يوجب التقرّب، (إنتهی ملخّصاً). [9]

الإشکال الرابع

إنّ التمثيل بالغناء و ضرب الأوتار لإفادة سنخ ما يكون صادّاً عن ذكر اللّه- تعالى- فإنّ ضرب الأوتار و الغناء و نحوه توجب في النفس حالة غفلة عن اللّه- تعالى- و أحكامه و يكون الاشتغال بها موجباً للوقوع في المعاصي، كما‌ ورد في الغناء إنّه رقية الزنا [10] و في البربط: «مَن‌ ضَرَبَ فِي بَيْتِهِ بَرْبَطاً أَرْبَعِينَ صَبَاحاً سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِ شَيْطَاناً لَا يُبْقِي عُضْوًا مِنْهُ إِلَّا قَعَدَ عَلَيْهِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ، نَزَعَ مِنْهُ الْحَيَاءَ، فَلَمْ يُبَالِ بِمَا قَالَ وَ لَا مَا قِيلَ لَه‌»[11] و قال اللّه- تعالى: ﴿إِنَّمٰا يُرِيدُ الشَّيْطٰانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدٰاوَةَ وَ الْبَغْضٰاءَ فِي الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ وَ يَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللّٰهِ وَ عَنِ الصَّلٰاةِ﴾ [12] فلا دلالة فيها على حرمة مطلق اللهو. [13]

و قال بعض الفقهاء(حفظه الله): «يشكل الاستدلال بها لحرمة مطلق اللهو و إنّما تدلّ على حرمته في موارد خاصّة».[14]

الإشکال الخامس

يرد عليه، أوّلاً: أنّ هذه الرواية ضعيفة السند. [15]

و ثانياً: لا دلالة فيها على حرمة اللهو المطلق، بل الظاهر منها أنّ الحرام هو اللهو الذي يصدّ عن ذكر اللّه؛ كالغناء و ضرب الأوتار و نحوهما.

و ثالثاً: أنّ الظاهر من اللغة أنّ الملاهي إسم الآلات، فالأمر يدور بين رفع اليد عن‌ ظهوره و حملها على الفعل و بين رفع اليد عن ظهور الغناء و حمله على الغناء في آلة اللهو و لا وجه لترجيح أحدهما على الآخر، فتكون الرواية مجملةً. بل ربما يرجّح رفع اليد عن ظهور الغناء، كما يدلّ عليه عطف ضرب الأوتار على الغناء. ثمّ إنّ رواية الأعمش لم يذكر فيها إلّا عدّ الملاهي التي تصدّ عن ذكر اللّه من الكبائر. و أمّا زيادة كلمة الاشتغال قبل كلمة الملاهي، فهي من سهو قلم المصنّف(رحمه الله) و لو كانت النسخة كما ذكره لما كان له حمل الملاهي على نفس الفعل؛ فإنّ الاشتغال بالملاهي من أظهر مصاديق الغناء. [16]

 


[2] الصحیح: الآلة.
[5] اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَهْتِكُ الْعِصَمَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُنْزِلُ النِّقَمَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُغَيِّرُ النِّعَمِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَحْبِسُ الدُّعَاء.
[7] الملاهي.
[9] . تحلیل الکلام فی الاسلام، التبریزی، الراضی، ج1، ص112.
[10] .جامع الأخبار، الشعيري، محمد، ج1، ص154. قَالَ النبيّ (ص):«الْغِنَاءُ رُقْيَةُ الزِّنَا». (هذه الروایة مرفوعة و ضعیفة)
[11] .مستدرك الوسائل، المحدّث النوري، ج13، ص217. عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّد.‘. (هذه الروایه مرفوعة و ضعیفة)

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo