< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

44/04/19

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: المکاسب المحرمة/ اللهو/ حکم اللهو

 

إشکالات في هذا الاستظهار

الإشکال الأوّل

لا يخفى عدم دلالة عبارته[1] على حرمة اللهو من حيث هو؛ فإنّ قوله (رحمه الله): «اللهو و البطر» الظاهر أنّه متعلّق بطلب الصيد، فلا دلالة فيه إلّا على حرمة طلب الصيد المقيّد بكونه على وجه اللهو. و من الظاهر أنّه لا يقتضي حرمة اللهو المفارق للسفر، كما لا يقتضي حرمة السفر المفارق اللهو، كما هو ظاهر؛ نعم لو جعل قوله للهو تعليلاً للحكم بكون السفر للصيد معصيةً، صحّ الاستفادة المزبورة؛ لكنّه غير مراد جزماً؛ إذ لا معنى لكون مطلق السفر معصيةً للهويّة و تعلّقه بكلّ من الأمرين على سبيل تنازع العاملين في معمول واحد ممّا لا شاهد له و لا دليل عليه في العبارة.

قال المحقّق الإیروانيّ (رحمه الله): «ليس في شي‌ء ممّا نقله من العبائر دلالة على حرمة اللهو بقول مطلق عدا عبارة المعتبر و إنّما غاية مداليلها حرمة الصيد لهواً و اللعب لهواً و كون ذلك بمناط اللهو غير ثابت، ثمّ على تقدير الدلالة أيّ جدوى[2] فيها بعد عدم حصول الإجماع على ذلك و لعلّ غرض المصنّف (رحمه الله) من نقلها إبطال ما ادّعي من الإجماع على عدم الحرمة». [3]

و قال النجفيّ التبریزيّ (رحمه الله): «ليس فيه دلالة على حرمة اللهو من حيث هو إلّا على حرمة طلب الصيد مع كونه مقيّداً بكونه على وجه اللهو و ما هو اللهو سلّمنا، فلا يدلّ على حرمة اللهو الخالي عن السفر كما لا يقتضي حرمة السفر الخالي عن اللهو. و الحاصل أنّ الاستظهار من كلمات الأعلام لا يقرّب المعنى من الحرمة». [4]

الإشکال الثاني (حيث علّلوا لزوم الإتمام في سفر الصيد بكونه محرّماً من حيث اللهو)

قال الشهیديّ التبریزيّ (رحمه الله): «لم يعلّله به إلّا في المعتبر». [5]

الإشکال الثالث (حيث علّلوا لزوم الإتمام في سفر الصيد بكونه محرّماً من حيث اللهو)

قال بعض الفقهاء (رحمه الله): «هذا الوجه غير تام؛ لعدم الملازمة بين وجوب التمام و حرمة السفر. و قد تقدّم الكلام في ذلك سابقاً و قلنا أنّه يظهر من بعض الأصحاب أنّ السفر للصيد تنزّهاً و بطراً من أفراد السفر للمعصية و لكنّه غير صحيح». [6]

الإشکال الرابع

استظهاره من جملة و عدّ من أمثلتها من طلب الصيد للهو و البطر[7] محلّ إشكال؛ إذ ليس فيه دلالة على حرمة اللهو من حيث هو إلّا على حرمة طلب الصيد مع كونه مقيّداً بكونه على وجه اللهو و ما هو اللهو سلّمنا، فلا يدلّ على حرمة اللهو الخالي عن السفر، كما لا يقتضي حرمة السفر الخالي عن اللهو. [8]

أقول: محذوره المهمّ هو أنّ هؤلاء الفقهاء- رضوان ‌الله ‌علیهم- الذین استشهدوا بهذه الروایات في باب صلاة المسافر، ذکروا مسألة وجوب الإتمام لحرمة السفر منفرداً و ذکروا مسألة وجوب الإتمام في السیر اللهويّ منفرداً. هاتان مسألتان منفردتان بحذافیرهما[9] . یحافظ علی الصوم و وجب تمام الصلاة في السفر اللهويّ لا لحرمة السفر، بل لوجود النصّ الخاص. و لو کان من جهة العصیان في السفر، لذکروها في باب سفر المعصية. إنّ قولهم «من موارد تمام الصلاة و حفظ الصوم هو سفر المعصية» و بعد تمام المسألة شرعوا في الفرع الآخر و هو أنّ من سفر للصید لهواً و لعباً فصلاته تامّة و صومه محفوظ، فهو تفکیك في المسألتین. و هذا التفکیك الفقهيّ یشعر بأنّ سرّ إتمام الصلاة في سفر الصید اللهوي، لیس حرمته، بل هو للدلیل الخاصّ في المسألة؛ فالإتمام و الحفظ لیسا دلیلین علی الحرمة.

و لو سلّمنا دلالتهما علیه، فقد حرّم الدلیل لهواً خاصّاً. العمل الذي یرتکبه الصيّاد هو إزهاق دم الصید بطراً[10] و أشراً[11] و نحوهما. أيّ دلالة و استلزام علی أنّ «کلّ لهو محرّم» بینما أنّ کلام بعض الفقهاء هو أنّ اللهو محرّم بالقول المطلق! طلب الصید لا یکون دلیلاً علی حرمته حتّی أنّ من اصطاد صار فاسقاً؛ فلا تکون شهادته مقبولةً في المحاکم! هل یمکن القول بأنّ شهادة الصیّاد مردودة في المحاکم بمجرّد کونه صائداً؟ نعم یجب علیه إتمام الصلاة و الصیام، لکن مجرّد صیده لا یکون من المعاصي. لا تکون ملازمة بین وجوب الإتمام و حرمة السفر. و لو کان الصید اللهويّ محرّماً، لما جعله الشارع قبال سفر المعصية، بل وجب أن یقول إن کان سفره معصيةً وجب علیه الإتمام و إن سفر تنزّهاً و لهواً قاصداً للصید، وجب علیه الإتمام، مضافاً إلی أنّه ذکر أوّلاً الصید اللهوي ثمّ ذکر السفر. لا یکون من ذکر الخاصّ بعد العامّ حتّی نقول قد بیّن لأهمّيّة المسألة. فعلیه یظهر أنّ الصید اللهويّ لا یکون من المعاصي؛ إذ التفصیل و التقابل قاطعا الشرکة.

دلیلان علی القول الأوّل

الدلیل الأوّل: روایات التي یمکن الاستدلال بها علی حرمة مطلق اللهو

فمنها: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ[12] عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ[13] بْنِ عَبَّاسِ بْنِ عَامِرٍ[14] [15] عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ[16] عَنْ زُرَارَةَ[17] عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ(ع) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَمَّنْ يَخْرُجُ مِنْ أَهْلِهِ بِالصُّقُورِ[18] وَ الْبُزَاةِ[19] وَ الْكِلَابِ يَتَنَزَّهُ[20] اللَّيْلَةَ وَ اللَّيْلَتَيْنِ وَ الثَّلَاثَةَ هَلْ يُقَصِّرُ مِنْ صَلَاتِهِ أَمْ لَا يُقَصِّرُ؟ قَالَ(ع): «إِنَّمَا خَرَجَ‌ فِي‌ لَهْوٍ لَا يُقَصِّرُ ...». [21]

ذکرها بعض الفقهاء. [22]

أقول: عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى[23] عَن‌ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ[24] عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ[25] عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ‌[26] عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ[27] قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ(ع) عَنِ الرَّجُلِ يَخْرُجُ إِلَى الصَّيْدِ أَيَقْصُرُ أَوْ يُتِمُّ؟ قَالَ(ع): «يُتِمُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَسِيرِ حَقٍّ». [28]

قد وردت کیفیّة الاستدلال بهذه الطائفة من الروایات في الروایات نفسها و هو أنّه إذا سفر للصید تفرّجاً و لهواً، فعلیه إتمام الصلاة، بینما أنّ الصید لا یکون حراماً في نفسه و لا خصوصيّة فیه، بل الذي صار علّةً لوجوب إتمام الصلاة هو الصید اللهويّ المحرّم و بتبعه یجب إتمام الصلاة. و الحاصل أنّ المستفاد من هذه الروایات هو أنّ مطلق العمل اللهويّ حرام و لو لم یکن بالآلات و الأدوات اللهويّة.

 


[1] .المبسوط في فقه الإمامية، الشيخ الطوسي، ج1، ص136.. عبارة الشیخ الطوسيّ (رحمه الله) في المبسوط في فقه الإماميّة
[2] أي: الفائدة.
[4] . تحلیل الکلام فی فقه الاسلام، النجفی، الشیخ راضی، ج1، ص196.
[7] في عبارة الشیخ الطوسيّ (رحمه الله).
[8] . تحلیل الکلام فی فقه الاسلام، النجفی، الشیخ راضی، ج1، ص196.
[9] أي: به‌طور کلّی.
[10] أي: طغیان.
[11] أي: نشاط.
[12] إماميّ ثقة.
[13] الحسن بن عليّ بن عبد الله بن المغیرة: إماميّ ثقة.
[14] القصباني: إماميّ ثقة.
[15] الصحیح: الحسن بن عليّ عن عبّاس بن عامر.
[16] . الأحمر: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع.
[17] زرارة بن أعین: الشیباني: إماميّ ثقة من أصحاب الإجماع‌.
[18] أي: جمع الصَقْر: الطائر الذي يُصادّ به‌ (باز، پرنده‌ای که با آن شکار می‌کنند).
[19] أي: واحد البازي و هو ضرب من الصقور (شاهین).
[20] يتنزّه إذا خَرَجَ إلى نُزْهَة (برای گردش و تفریح خارج شد).
[21] .تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج3، ص218. (هذه الروایة مسندة و صحیحة).
[23] العطّار: إماميّ ثقة.
[24] أحمد بن محمّد بن عیسی الأشعري: إماميّ ثقة.
[25] الحسن بن عليّ بن فضّال التیمي: فطحيّ رجع عند موته، ثقة، من أصحاب الإجماع علی قول.
[26] عبد الله بن بکیر بن أعین: فطحيّ ثقة، من أصحاب الإجماع.
[27] عبید بن زرارة بن أعین: إماميّ ثقة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo