< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

44/04/17

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: المکاسب المحرمة/ اللهو/ تعریف اللهو

المسألة العشرون[1] : اللهو

أقول: حرمة کسب اللهو تکون بملاحظة حرمته التکلیفيّة؛ إذ اللهو في نفسه حرام و کلّ مال یؤخذ في قباله، فهو کسب محرّم؛ فعلیه ما لم تثبت حرمته التکلیفيّة لا تصل النوبة إلی الحرمة الوضعيّة، أي بطلان الکسب، بخلاف بعض المکاسب المحرّمة التي نهي عنها مستقیماً أي الکسب من حیث هو حکم وضعيّ تعلّق النهي به. لم یتوجّه النهي الوضعيّ إلی اللهو و أمثاله، بل النهي التکلیفيّ متوجّه إلیه فقط. و من حیث «إنّ الله- سبحانه و تعالی- إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه» فما حرّم في فضاء الشریعة فهو مسلوب المنفعة و أخذ المال قبال ما هو مسلوب المنفعة، أکل المال بالباطل؛ بناءً علی هذا ففي بحث اللهو یجب إثبات الحرمة التکليفيّة حتّی تصل النوبة إلی الحرمة الوضعيّة.

و فیها مباحث:

المبحث الأوّل: في تعریف اللهو

اللهو لغةً

اللهو ما شغلك من هوى أو طرب. لها يلهو و التهى‌ بإمرأة، فهي‌ لهوته‌. [2]

هو كلّ شي‌ء شغلك عن شي‌ء، فقد ألهاك‌. و لهوت‌ من اللهو و لهيت عن الشي‌ء. [3]

اللَّهْوُ اللَّعِب. يقال: لَهَوْتُ‌ بالشي‌ء أَلْهُو لَهْواً و تَلَهَّيْتُ‌ به إذا لعبت به و تشاغلت و غفلت به عن غيره. و أَلْهَاه‌ عن كذا؛ أي شغله. و لَهِيتُ‌ عن الشى‌ء- بالكسر- أَلْهَى‌- بالفتح‌ - لُهِيّاً إذا سلوت عنه و تركت ذكره و [إذا] غفلت عنه و اشتغلت.[4]

اللهو ما يشغل‌ الإنسان‌ عمّا يعنيه و يهمّه، يقال: لَهَوْتُ‌ بكذا و لهيت عن كذا: اشتغلت عنه‌ بِلَهْوٍ، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَهْو﴾[5] .[6]

قال النجفيّ التبریزيّ (رحمه الله): «إنّ اللهو؛ أي اللام و الهاء و الحرف المعتلّ أصلان صحيحان: أحدهما يدلّ على شغل عن شي‌ء بشي‌ء و الآخر على نبذ شي‌ء من اليد، كما في المقاييس[7] لابن فارس. و الظاهر رجوعه إلى الأوّل؛ لأنّ الثاني لغةً عبارة عن اللهوة، فصوت اللغة يتغيّر بإضافة بعض الحروف؛ كالتاء هنا و كذا بالحركة بالضمّ، كما هنا، فيقال: إنّها عبارة عمّا يطرحه الطاحن[8] في ثقبة[9] الرحى[10] بيده؛ نعم يعبّر عن كلّ ما به استمتاع باللهو و إطلاقه اللغويّ ليس بمحرّم». [11]

أقول: اللعب أي اللعب اللهويّ و اللهو، کلّ لعب یمکن ألّا یکون لهواً و کلّ لهو یمکن ألّا یکون لعباً. إذا منع الإنسان شيء عن الهدف و الفعل، یقال له المُلهي.

أقول: اللهو فعل یشغل الإنسان بنفسه اشتغالاً یمعنه عن الحقّ و ذکر الله، یقال لهوتُ عن کذا أي اشتغلتُ عنه، (قال في مجمع البحرین: قوله- تعالی: ﴿لاهِيَةً قُلُوبُهُم‌﴾[12] أي ساهیةً مشغولةً بالباطل عن الحق.

اللهو اصطلاحاً

أقول: الظاهر أنّ معنی اللهو اصطلاحاً هو المعنی اللغوي، لکن بقید زائد و هو الاشتغال بشيء یوجب نسیان ذکر الله و عبادته و أمور الخیر.

التعریف الأوّل

قال ابن کاشف الغطاء (رحمه الله): «اللهو الذي من شأنه أن ينسي ذكر الله[13] - تعالى- و عبادته و يلهي عن اكتساب الخير و الرزق؛ سواء كان بآلة أو بدونها؛ كالرقص و بعض أنواع الصفق[14] و اقتناء[15] بعض الطيور للعب بها و صيد اللهو و هذا هو المفهوم من ذمّ اللهو و اللعب في الكتاب و السنّة»، (إنتهی ملخّصاً). [16]

و قال السیّد السبزواريّ (رحمه الله): «هو عبارة عن الإلهاء و الاشتغال‌ عن اللّه- تعالى شأنه». [17]

التعریف الثاني

قال الشیخ الأنصاريّ (رحمه الله): «اللهو ما تلتذّ به النفس و ينبعث عن القوى الشهويّة[18] ». [19]

إشکال في التعریف الثاني

قال المیرزا الشیرازيّ (رحمه الله): «فيه نحو من الإجمال فإنّ تحصيل مقتضيات القوى الشهوانيّة مطلوب عند العقلاء مرغوب لديهم، فكيف يعدّ حركات غير عقلائيّ عندهم!». [20]

أقول: إنّه یظهر من کلام الشیخ الأنصاريّ (رحمه الله) أنّ اللهو المحرّم هو اللهو الذي تلتذّ به النفس و ينبعث عن القوى الشهويّة، لا مطلق اللهو.

أقول: إذا شغل الکسب الإنسان عن ذکر الله، یقال لهذا الشخص «تُلهيه تجارة» و إلّا فیقال هذا من الرجال التي ﴿لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ‌﴾[21] ، فعلی هذا کلّ شيء له وجه باطنيّ یقال له اللعب و له وجه ظاهريّ یمنع الإنسان من ذکر الله و یشتغل بأمر حتّی یغفل عن ذکر الله فیقال له اللهو. هذا معنی إجماليّ للهو.

التعریف الثالث

قال المحقّق الإیروانيّ (رحمه الله): «المراد هنا حالة الالتهاء عن اللّه، لا مجرّد الانصراف الفعليّ للنفس عن اللّه- تعالى- و إلّا وجب أن يكون الشخص ذاكر اللّه- تعالى- دائماً و هذه الحالة لا نعلم حصولها إلّا فيما دلّ الدليل عليه و هو اللعب بآلات الأغاني، فلعلّ لهذه الآلات جاذبة تجذب النفس إليها، فتكون مولعاً[22] بها و بذلك تحتجب عن الإقبال إلى اللّه- تعالی - فلهذا حرّمها الشارع». [23]

التعریف الرابع

قال النجفيّ التبریزيّ (رحمه الله): «إنّ كلّ شي‌ء شغلك عن شي‌ء فهو لهو، قد يكون الشاغل من الهوى؛ أي الميل و إرادة النفس إلى ما تستلذّ به محموداً كان أو غيره و لكن غلّب استعماله في غير المحمود، فإذا قيل فلان اتّبع الهوى يراد منه ذمّه. و قد يكون الشاغل هو الطرب؛ أي الاهتزاز و التحرّك فرحاً أو حزناً و الارتياح للسرور و تستعمل الهوى في الشي‌ء الذي يتلذّذ الإنسان به، فيلهيه». [24]

التعریف الخامس

قال السیّد السبزواريّ (رحمه الله): «إنّ اللهو تلهي النفس و اشتغالها باللذائذ الشهوانيّة و تكون نفس هذه اللذّة هي الغاية؛ سواء حصلت حركة خارجيّة؛ كالأغاني و أنحاء الموسيقيّ أو لم تحصل حركة خارجيّة عرفيّة؛ كاستماعها مثلاً». [25]

التعریف السادس

قال بعض الفقهاء (رحمه الله): «اللهو ما يشغل الإنسان عمّا يعنيه و يهمّه يقال: لهوت بكذا و عن كذا؛ اشتغلت عنه بلهو و له أصناف و أسباب».[26]

 


[1] من النوع الرابع الذي يحرم الاكتساب به، لكونه عملاً محرّماً في نفسه.
[8] أي: آردکننده.
[9] أي: منفذ و سوراخ.
[10] أي: آسیاب.
[11] . تحلیل الکلام فی فقه الاسلام، التبریزی، الشیخ راضی، ج1، ص195.
[14] أي: نواختن.
[15] أي: حفظ.
[18] .كتاب المكاسب، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج4، ص246. ليس المراد من القوى الشهويّة هنا الغرائز الجنسيّة، بل المراد منها غرائز أخرى؛ كحبّ الاستعلاء و الشهرة و الانتقام و الطمع و الخيلاء و غيرها من الصفات المذمومة، فإنّ هذه و أمثالها يتردّد في حرمتها. و أمّا الغرائز الجنسيّة فلا تردّد في حرمتها لو كانت مرادةً، فإنّ إعمال هذه الغرائز غير المشروعة لا شبهة في حرمتها، فالتعبير عن الحركات التي لا يتعلّق بها غرض عقلائيّ بالقوى الشهويّة مجاز؛ إذ ربما تطلق القوّة الشهويّة على مثل هذه الحركات فيقال: شهوة الاستعلاء، شهوة الشهرة، شهوة الرئاسة.
[20] . حاشیة المکاسب، الشیرازی، محمد تقی، ج1، ص136.
[22] أي: الحریص.
[24] . تحلیل الکلام فی فقه الاسلام، التبریزی، الشیخ راضی، ج1، ص205.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo