< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

44/04/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: المکاسب المحرمة/ علم الرمل و الجفر/ حکم علم الرمل و الجفر

تنبیه: في حکم علم الرمل و الجفر

قال الشیخ الأنصاريّ (رحمه الله): «تبیّن من ذلك[1] إنّ الإخبار عن الغائبات بمجرّد السؤال عنها من غير نظر في بعض ما صحّ اعتباره- كبعض الجفر و الرمل- محرّم. و لعلّه لذا[2] عدّ صاحب المفاتيح من المحرّمات المنصوصة الإخبار عن الغائبات على سبيل الجزم لغير نبيّ أو وصيّ نبي، سواء أكان بالتنجيم أم الكهانة أم القيافة أو غير ذلك[3] ». [4]

إشکال في کلام الشیخ الأنصاري

قال المحقّق الخوئيّ (رحمه الله): «إنّ المناط في جواز الإخبار عن الغائبات في مستقبل الزمان إنّما هو حصول الاطمئنان بوقوع المخبر به. و عليه فلا فرق بين الرمل و الجفر و غيرهما من موجبات الاطمئنان. ثمّ إنّ ظاهر عبارة المصنّف[5] هو اعتبار بعض أقسام الرمل و الجفر. و لكنّه عجيب منه (رحمه الله)! إذ لم يقم دليل على اعتبارهما في الشريعة المقدّسة؛ غاية الأمر أنّهما يفيدان الظنّ و هو لا يغني من الحقّ شيئاً». [6]

أقول: یجوز الإخبار عن الغائبات ما لم یدخل في العناوين المحرّمة، مثل الکهانة و السحر و الکذب و أمثالها.

و قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «الأقوى حرمة الإخبار بالغيب على سبيل الجزم من هذه الطرق جميعاً؛ سواء كان بالنسبة إلى الأمور المستقبلة أو الحال و كذلك كشف الغائبات من هذه الطرق، إلّا أن يكون من الطرق العاديّة أو علم إلهي. و الظاهر أنّ ما ذكرناه داخل في عنوان الكهانة لغةً و لا أقلّ من إلغاء الخصوصيّة. و إلّا فالذي يخبر عن المغيّبات التي لا يعلم أنّه من طريق الجنّ أو من علوم غريبة، جاز إتيانه مع أنّ ظاهر الأخبار حرمة إتيانه و لو لم يعلم منشأ علومهم». [7]

أقول: بعد حرمة الکهانة مطلقاً لا دلیل علی هذه التفصیلات؛ فإنّ العلم الإلهيّ مخصوص بالمعصومین و غیرهم لا دلیل علی قبول ادّعائهم في ذلك، بل لا یقبل قولهم و إن أمکن صحّة کلامهم و ادّعائهم، بل لا بدّ من سدّ الباب لهم لئلّا یوجب تشویش الأذهان و ضعف الاعتقاد.

کلام الشیخ النجفيّ في الجفر و الرمل

قال (رحمه الله): «نعم، قد يقال: لا بأس به بالعلوم النبويّة؛ كالجفر و نحوه ممّا يمنح الله- تعالى- به أوليائه وأحبّائه، مع أنّه لا ينبغي لمن منحه الله ذلك إبداؤه و إظهار آثاره عند سواد الناس و ضعفائهم الذين قد يدخلهم الشكّ في النبوّة و الإمامة من ذلك و نحوه باعتبار ظهور مثل ما يحكى لهم من المعجز على يد غيرهم، فيجد الشيطان باباً له عليهم من هذه الجهة. و لعلّه لذا كان الأولياء في غاية الحرص على عدم ظهور شي‌ء من الكرامات لهم». [8]

أقول: لا دلیل علی التفصیل بعد حرمة الکهانة مطلقاً.

کلام بعض الفقهاء في المسألة

قال (حفظه الله): «قد تلخّص ممّا ذكرنا أنّ الإخبار عن المغيّبات- سواء كان من طريق التنجيم أو الكهانة أو العرافة أو العلوم الغريبة- مشكل شرعاً. و يدلّ عليه ما عرفت من إمكان تنقيح المناط من مجموع روايات التنجيم و الكهانة و العرافة و القيافة و غيرها؛ مضافاً إلى دلالة بعض ما عرفت من النصوص الصحيحة عليه. هذا مضافاً إلى ما فيها من التخرّص على الغيب و اقتفاء[9] ما ليس به علم إذا كان الإخبار على سبيل الجزم، مع ما فيها من المفاسد الكثيرة و كشف الستور و إلقاء الخلاف بين الناس و أخذ البر‌ء[10] و إيجاد البغضاء؛ لأنّ كثيراً من أخباره كاذبة فاسدة و مظنّة للفساد، فأراد الشارع المقدّس سدّ هذا الباب التي تأتي منها مفاسد على المسلمين الأبرياء.

و أمّا ما يدّعى من العلوم الغريبة، فلم يثبت اعتبارها و كشفها عن الواقع و لو فرض إمكان كشف الغائبات بها و صحّتها، لم يثبت جوازها و جواز الرجوع إلى صاحبها، بل ثبت عدمه.

و أمّا الجفر أو الجامعة الذي كان عند المعصومين (علیهم السلام) فهو أمر وراء ذلك لا دخل لها به. نعم، يمكن لبعض العبّاد و الزهّاد و أرباب النفوس الزكيّة الاطّلاع على بعض الحقائق المكتومة و أسرار الغيب. و قد حكي في التاريخ في أحوال أصحاب الأئمّة (علیهم السلام) و علماء السلف ما لا يخفى على الخبير. و الظاهر أنّه لا يدخل تحت أدلّة الحرمة بعد أن كان بتعليم إلهي. و لكن جواز الإخبار بها موقوف على عدم ترتّب مفسدة عليه، كما هو ظاهر.

و كذلك لا مانع منه إذا حصل الاطّلاع عليه بالحسّ أو قرائن قريبة من الحس. فما يتراءى من بعض أهل الدين من الرجوع إلى بعض مدّعي العلوم الغريبة لكشف ضالّتهم أو السارق أو غير ذلك من المغيّبات و الأمور المستقبلة ممّا لا ينطبق على ضوابط المذهب. و حاصل الفتوى: إنّه لا تجوز الكهانة و لا يجوز الرجوع إلى الكاهن و كذا كلّ من يخبر عن المغيّبات، سواء كان من طريق الكهانة أو العلوم الغريبة أو ملاحظة خطوط الكفّ أو غير ذلك؛ نعم، لا مانع منه إذا كان بمقدّمات حدسيّة قريبة من الحسّ و نحوها أو ما إذا ألهم بقلب عبده المؤمن صاحب النفس الزكيّة. و أمّا الإخبار على نحو الاحتمال و الترديد، فلا مانع منه إذا لم تترتّب عليه مفسدة»، (إنتهی ملخّصاً). [11]

أقول، أوّلاً: لا بدّ من الفتوی بالحرمة بعد دلالة الروایات المطلقة و لا یحتاج إلی تنقیح المناط. و ثانیاً: قوله (حفظه الله) «یمکن لبعض العبّاد و الزهّاد» الإمکان لیس مجوّزاً للإخبار و جواز الرجوع و التصدیق؛ فإنّ کلّ من یخبر عن المغيّبات یقول بأنّي من العبّاد و الزهّاد لا بدّ من سدّ الباب لئلّا یخلط الحقّ مع الباطل و لا یوجب تشویق الأذهان و ضعف الاعتقادات. و ثالثاً: قوله (حفظه الله) «أو ما إذا ألهم بقلب عبده المؤمن صاحب النفس الزکيّة» ففیه: أنّ کلّ من یخبر عن المغيّبات یدّعي بأنّي من صاحب النفس الزکيّة، فلا بدّ من سدّ الباب لئلّا یوجب تشویش الأذهان و ضعف الاعتقادات؛ فإنّ النفس الزکيّة لا تدّعي ذلك و لا تقول بما یعلم الناس بأنّه صاحب النفس الزکيّة.

 


[1] الالتفات إلی الروایات.
[2] لأجل أنّ الإخبار عن الغائبات من أيّ سبب حصل، محرّم.‌.
[5] الشیخ الأنصاري.
[9] أي: دنبال کردن.
[10] السلامة من السقم.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo