< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

44/04/05

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: المکاسب المحرمة/ العرّاف/ حکم العرّاف

 

الإشکال الثالث

قال المحقّق الخوئيّ (رحمه الله): «فيه، أوّلاً: أنّ الرواية بقرينة السؤال ظاهرة في الإخبار عن الأمور الماضية من السرقة و الضالّة و نحوها. و لا إشكال في جواز الإخبار عن الأمور الماضية إذا كان المخبر جازماً بوقوعها. و إنّما الكلام في الإخبار على سبيل الجزم على الحوادث الآتية، فمورد الرواية أجنبيّ عن محلّ الكلام.

و ثانياً: لا دلالة في الرواية على انحصار المخبر عن الأمور المغيّبة بالكاهن و الساحر و الكذّاب، بل الظاهر منها أنّ الإخبار المحرّم منحصر بإخبار هذه الطوائف الثلاث. فالإمام(ع) بيّن ضابطة حرمة الإخبار عن الغائبات. و نظيره ما إذا سئل أحد عن حرمة شرب العصير التمري؟ فأجاب بأنّ الحرام من المشروبات إنّما هو الخمر و النبيذ و العصير العنبيّ إذا غلى؛ فإنّ هذا الجواب لا يدلّ على حصر جميع المشروبات بالمحرّم و إنّما يدلّ على حصر المشروبات المحرّمة بالأمور المذكورة. و إذن فلا دلالة في الرواية على حرمة مطلق الإخبار عن الأمور المستقبلة و لو من غير الكاهن و الساحر و الكذّاب.

و ثالثاً: أنّ غاية ما تدلّ عليه الرواية أنّ تصديق المخبر في إخباره حرام؛ لأنّه غير حجّة. و أمّا حرمة إخبار المخبر، فلا تدلّ الرواية على حرمته، كما هو الحال في إخبار الفاسق و غيره فيما لا يكون قوله حجّةً». [1]

دفع إشکالات المحقّق الخوئي

الإشكالات مندفعة عنه، أمّا الأوّل فبأنّه إذا حرّم الإخبار عن الأمور المغيّبة الماضية، فعن المستقبلة بطريق أولى و أمّا الثاني فلأنّه لو لم يكن المخبر عن الغائبات محصوراً في واحد من الثلاث، كان الجواب قاصراً، كما هو ظاهر. أمّا الثالث فيعلم من الملازمة العرفيّة في هذه الموارد و لا سيّما مع ملاحظة عنوان الساحر و الكاهن و الكذّاب. [2]

أقول: کلامه (حفظه الله) متین، مع أنّه قلنا سابقاً بشمول الکهانة للإخبار عن الأمور المغيّبة الماضية أیضاً.

أقول، أوّلاً: صحيح إنّ السؤال كان عن أمر قد مشى إلّا أنّ الامام(ع) أراد أن يقدّم قاعدةً عامّةً للسائل و أن جدّي قال: «من مشى إلى ساحر أو كاهن أو كذّاب فقد كفر بما أنزل الله» فالسؤال صحيح أنّه عن حصّة خاصّة و لكنّ الجواب عام.

و ثانیاً: إنّ الإمام(ع) حينما ذكر الأمور الثلاثة و ذكر حديث جدّه(ص) لا بدّ و أنّه يريد أن يجيب السائل بحيث يعرف السائل الجواب؛ أمّا أنّه يذكر له حديثاً لا يستفيد منه الجواب، فهذا ليس مناسباً، فإذا كان هذا واضحاً، فنقول: إذا كان المقصود هو الاحتمال الأوّل- يعني الإمام يريد أن يبيّن أنّ كلّ إخبار غيبيّ هو لا يخلو من أحد الثلاثة- فهنا يستفيد السائل من جواب الإمام(ع) أنّ كلّ إخبار غيبيّ حتماً هو أحد هذه الأمور الثلاثة و حيث إنّ كلّ هذه الأمور الثلاثة محرّمة، فكلّ إخبار غيبيّ سوف يصير محرّماً. و أمّا إذا كان الإمام(ع) يريد أن يبيّن له أنّ المحرّم من الإخبار الغيبيّ هو الثلاثة الساحر و الكاهن و الكذّاب فقط، فهنا يبقى السائل من دون جواب لسؤاله و لا يعرف الجواب؛ لأنّ الإمام(ع) قال الإخبارات الغيبيّة المحرّمة ثلاثة، فهذا الشخص الذي نذهب إليه لتشخيص المسروق (مثلاً) هل هو داخل حتماً تحت الساحر أو الكاهن أو الكذّاب؟ هذا غير معلوم، فلم يستفد السائل شيئاً، فإذن الإمام(ع) لم يفد السائل شيئاً و يبقى جواب الإمام ناقصاً و غير نافع للسائل، فيتعيّن بهذه القرينة التي ذكرتها أنّ مقصود الإمام حتماً أنه يبيّن له أنّ كلّ إخبار غيبيّ هو لا يخلو من الثلاثة و حيث إنّ كلّ الثلاثة محرّم فكلّ إخبار غيبيّ هو حرام، فهنا سوف يستفيد السائل.

و ثالثاً: إنّ ما أفاده شيء وجيه؛ يعني حرمة التصديق لا تلازم حرمة الإخبار و لكن أحياناً شدّة اللهجة يستفاد منها آنذاك الحرمة، فإنّ الرواية هكذا قالت «من مشى إلى ساحر أو كاهن أو كذّاب فقد كفر بما أنزل الله» و هذه لغة شديدة جدّاً، فيتبيّن أنّ نفس إخبار الساحر فيه حرمة و شدّة و إلّا إذا كان مثل إخبار الفاسق فهل يصحّ أن يعبّر و يقال: من مشى إلى فاسق يصدّقه في خبره فقد كفر بما أنزل الله! إنّ هذا غير مقبول، بل أقصى ما تقول: لا يكفيك أو لا يجزئك أو أنّه حرام، لا أنّه تقول: فقد كفر، فتعبير: فقد كفر يفهم منه عرفاً أنّ نفس الساحر أو الكاهن إخباره هو بنفسه محرّم و أنت تؤيّد المحرّم و الذي يؤيّد المحرّم يستحقّ هذه اللهجة الشديدة إذا كان المحرّم شديد الحرمة؛ فيستحقّ الماشي حينئذٍ هذه اللهجة الشديدة.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo