< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

44/03/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: المکاسب المحرمة/ الکهانة/ تعریف الکهانة

تفسیر الکهانة في روایة الاحتجاج

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ[1] عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع): فَمِنْ أَيْنَ أَصْلُ الْكِهَانَةِ وَ مِنْ أَيْنَ يُخْبَرُ النَّاسُ بِمَا يَحْدُثُ: قَالَ (ع): «إِنَّ الْكِهَانَةَ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي كُلِّ حِينِ ﴿فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ﴾[2] [3] كَانَ الْكَاهِنُ بِمَنْزِلَةِ الْحَاكِمِ يَحْتَكِمُونَ إِلَيْهِ فِيمَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْأُمُورِ بَيْنَهُمْ فَيُخْبِرُهُمْ عَنْ أَشْيَاءَ تَحْدُثُ وَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ شَتَّى فِرَاسَةِ الْعَيْنِ وَ ذَكَاءِ الْقَلْبِ وَ وَسْوَسَةِ النَّفْسِ وَ فِتْنَةِ الرُّوحِ[4] [5] مَعَ قَذْفٍ فِي قَلْبِهِ؛ لِأَنَّ مَا يَحْدُثُ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْحَوَادِثِ الظَّاهِرَةِ فَذَلِكَ يَعْلَمُ الشَّيْطَانُ وَ يُؤَدِّيهِ إِلَى الْكَاهِنِ وَ يُخْبِرُهُ بِمَا يَحْدُثُ فِي الْمَنَازِلِ وَ الْأَطْرَافِ. وَ أَمَّا أَخْبَارُ السَّمَاءِ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ كَانَتْ تَقْعُدُ مَقَاعِدَ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ إِذْ ذَاكَ وَ هِيَ لَا تَحْجُبُ وَ لَا تُرْجَمُ بِالنُّجُومِ وَ إِنَّمَا مُنِعَتْ مِنِ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ لِئَلَّا يَقَعَ فِي الْأَرْضِ سَبَبٌ تُشَاكِلُ الْوَحْيَ مِنْ خَبَرِ السَّمَاءِ فَيَلْبَسُ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ مَا جَاءَهُمْ عَنِ اللَّهِ لِإِثْبَاتِ الْحُجَّةِ وَ نَفْيِ الشُّبْهَةِ وَ كَانَ الشَّيْطَانُ يَسْتَرِقُ الْكَلِمَةَ الْوَاحِدَةَ مِنْ خَبَرِ السَّمَاءِ بِمَا يَحْدُثُ مِنَ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ فَيَخْتَطِفُهَا ثُمَّ يَهْبِطُ بِهَا إِلَى الْأَرْضِ فَيَقْذِفُهَا إِلَى الْكَاهِنِ؛ فَإِذَا قَدْ زَادَ كَلِمَاتٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيَخْلِطُ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ فَمَا أَصَابَ الْكَاهِنُ مِنْ خَبَرٍ مِمَّا كَانَ يُخْبِرُ بِهِ فَهُوَ مَا أَدَّاهُ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ لِمَا سَمِعَهُ وَ مَا أَخْطَأَ فِيهِ فَهُوَ مِنْ بَاطِلِ مَا زَادَ فِيهِ، فَمُنْذُ مُنِعَتِ الشَّيَاطِينُ عَنِ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ انْقَطَعَتِ الْكِهَانَةُ وَ الْيَوْمَ إِنَّمَا تُؤَدِّي الشَّيَاطِينُ إِلَى كُهَّانِهَا أَخْبَاراً لِلنَّاسِ بِمَا يَتَحَدَّثُونَ بِهِ وَ مَا يُحَدِّثُونَهُ وَ الشَّيَاطِينُ تُؤَدِّي إِلَى الشَّيَاطِينِ مَا يَحْدُثُ فِي الْبُعْدِ مِنَ الْحَوَادِثِ مِنْ سَارِقٍ سَرَقَ وَ مِنْ قَاتِلٍ قَتَلَ وَ مِنْ غَائِبٍ غَابَ وَ هُمْ بِمَنْزِلَةِ النَّاسِ أَيْضاً صَدُوقٌ وَ كَذُوب ...». [6]

ذکرها الشیخ الأنصاريّ (رحمه الله). [7]

قال الشیخ الأنصاريّ (رحمه الله): «قوله (ع): «مَعَ قَذْفٍ فِي قَلْبِهِ» يمكن أن يكون قيداً للأخير و هو فطنة الروح[8] ، فتكون الكهانة بغير قذف الشياطين؛ كما هو ظاهر ما تقدّم من النهاية. [9] و يحتمل‌ أن يكون قيداً لجميع الوجوه المذكورة، فيكون المراد تركّب أخبار الكاهن ممّا يقذفه الشيطان و ما يحدث في نفسه لتلك الوجوه و غيرها، كما يدلّ عليه قوله (ع) بعد ذلك «زَادَ كَلِمَاتٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيَخْلِطُ الْحَقَ‌ بِالْبَاطِلِ‌». و كيف كان، ففي قوله (ع): «انْقَطَعَتِ الْكِهَانَةُ» دلالة ما عن المغرب من أنّ الكهانة في العرب كانت قبل المبعث و قبل منع الشيطان عن استراق السمع[10] ». [11]

أقول: یستفاد من قوله (ع) صدوق و کذوب أنّ الکاهن قد یدّعي الارتباط بالجنّ و نحوه و هو کاذب في ذلك، فیشمل الزعم و الادّعاء؛ مثلاً: یفهم من فطانة نفسه و الحرکات و السکنات، لکن یقول إنّي مخبر عن الغیب و هذا داخل في الکهانة. و أمّا لو قال بأنّي أفهم ذلك بالتجربة و الفهم العقلائيّ فلا یعدّ من الکهانة و لا یحرم، کما قد اتّفق للإمام الخمينیّ (رحمه الله) الإخبار عن المستقبل بذکاء نفسه و فهمه القوي. و هکذا من سائر الأفراد.

تذنیبات

التذنیب الأوّل: هل تختصّ الکهانة بالإخبار عن المستقبل أو یعمّ الماضي؟

قال الشیخ النجفيّ (رحمه الله): «هي تعاطي الأخبار عن الكائنات في مستقبل الزمان». [12]

أقول: الظاهر أنّها أعم، کما یظهر من القاموس حیث قال: قضی بالغیب. و أمّا تقیید بعضهم بمستقبل الزمان لأنّ احتیاج أکثر الناس إلی مستقبل الزمان، لا الماضي. و أمّا روایة الاحتجاج فلیس فیها ما یخالف العموم، حیث إنّ المراد من قوله (ع) ما یحدث في الأرض من الحوادث لیست الحوادث الآتیة، بل تشمل الحوادث السابقة و الآتیة.

و قال سبط کاشف الغطاء (رحمه الله): «الكاهن من يخبر عن الكائنات في الزمن المستقبل؛ أمّا الإخبار عن الكائنات في الزمن الماضي أو الزمن الحال، فهل يدخل في الكهانة أو لا؟ لا استبعد الثاني، كما يقتضيه التأمّل في كلام أهل اللغة و كلام الحكماء». [13]

و قال النجفيّ التبریزيّ (رحمه الله): «إنّ الكهانة أخصّ من السحر و العرّاف، حيث إنّها عبارة بلسان الخبر عن الإخبار بالمستقبل؛ كما في رواية الاحتجاج بالقذف في قلبه و ليس في اللغة ما يبيّن خصوصيّاتها؛ فما عن مفردات الراغب من أنّها إخبار بالقضايا الماضية في غاية الضعف.[14] تأمّل؛ فإنّ مناط الحرمة موجود في الأخبار الماضية، حيث إنّها إخبار بالغيب، فيشمله إطلاق قوله (ص): «... مَنْ‌ مَشَى‌ إِلَى‌ سَاحِرٍ أَوْ كَاهِنٍ أَوْ كَذَّابٍ يُصَدِّقُهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ»، (إنتهی ملخّصاً)[15] . [16]

و قال بعض الفقهاء (رحمه الله): «فيه إشكال ناشٍ من اختلاف أهل اللغة، فظاهر المحكيّ عن النهاية هو الأوّل[17] [18] ، كما أنّ صريح ما في المصباح في مادّة (ع ر ف) بعد ذكر أنّ العرّاف مثقّل بمعنى المنجّم و الكاهن من قوله و قيل العرّاف يخبر عن الماضي و الكاهن عن الماضي و المستقبل هو العموم.[19] و يؤيّده إطلاق المحكيّ عن أكثر الفقهاء في تعريف الكاهن أنّه من كان له رأيّ من الجنّ يأتيه الأخبار. و يدلّ على الأوّل مواضع من رواية الاحتجاج الآتي نقلها في المتن، سيّما قوله: تؤدّي إلى الشياطين بما يحدث في البعد. و مع ذلك لا حاجة لنا إلى الرجوع إلى اللغة، مع أنّه يمكن أن يقال بعدم مقاومة ما في المصباح للنهاية، فتأمّل. و لو شكّ، فالأصل العمليّ في الحكم- و هو البراءة- يوافق الأوّل في العمل». [20]

أقول: لا دلیل علی الاختصاص، إذ ذکر قوله یحدث في البعد إثبات شيء لا ینفي ما عداه، کما في صدر الروایة قال (ع) ما یحدث في الأرض من الحوادث الظاهر في الأعم.

و قال بعض الفقهاء (حفظه الله): «هي الإخبار عمّا يكون في المستقبل بزعم أنّه يخبره عنها بعض الجان». [21]

أقول: لا دلیل علی الاختصاص.

التذنیب الثاني: هل یختصّ الکهانة بالإخبار بواسطة قذف الشیطان أو یعم؟

أقول: قد سبق أنّ المستفاد من کلمات اللغويّين (القضاء بالغیب) هو کون الکاهن یدّعي الارتباط بالغیب من الجنّ و غیره و منه صدوق و کذوب؛ فإن کان المراد من قذف الشیطان هذا الإدّعاء فهو حسن؛ لأنّ الإخبار من المستقبل بالفهم القويّ و الذکاء لیس من الکهانة، کما سبق. و في الروایات لیست ما ینافي ذلك؛ فتأمّل.

ثمّ لا یخفی أنّ ما في بعض الروایات من «و الیوم إنّما تؤدّي الشیاطین إلی کهّانها أخباراً للناس» و قوله (ع) «فمنذ منعت الشیاطین من استراق السمع انقطعت الکهانة» بیان الواقع في الخارج و لذا قال صدوق و کذوب، فإنّ مدّعي الکهانة قد یدّعي غیر ما هو الواقع، فإنّ الکهانة الواقعيّة غیر الکهانة المدّعاة غالباً. و لذا تحرم الکهانة في الخارج في زماننا هذا من إدّعاء ذلك الارتباط بلا حقيقة. و بهذا یظهر ما في کلماتهم في المقام.

فیه قولان:

القول الأوّل: العموم

قال الموسويّ القزوینيّ (رحمه الله): «ممّا يرشد إلى صحّة ما قلناه- من عدم كون الأخذ من الشيطان معتبراً في مفهوم الكهانة و ماهيّتها- أنّ الروايات الناهية عن الكهانة إماميّة و المفروض انقطاع استراق السمع في أزمنة صدورها؛ فلو كان ذلك معتبراً في مفهومها، لزم خروج هذه الروايات و النهي الوارد فيها بلا مورد و اللازم باطل جزماً. و الرواية المذكورة، كما تدلّ على عدم اعتبار هذه الخصوصيّة في الكهانة، فكذلك تدلّ على عدم اعتبار خصوصيّات أخر أيضاً فيها؛ مثل كون الخبر المتلقّی من الشيطان (مثلاً) من أخبار السماء و مثل كونه إخباراً عمّا يقع في المستقبل، لا عمّا وقع في الماضي و مثل كونه على بتّ و جزم، كما يظهر جميع ذلك بالتأمّل في رواية الاحتجاج و نهج البلاغة. و على هذا، فما نسب إلى المشهور أو الأكثر أو إلى جماعة من أصحابنا من اعتبار الأخذ من الشيطان فيها ليس على ما ينبغي». [22]

یلاحظ علیه: بما ذکرناه.

القول الثاني: الإخبار بواسطة قذف الشیطان

قال الشهیديّ التبریزيّ (رحمه الله): «الظاهر هو الأوّل[23] وفاقاً لما حكي عن الأكثر في تعريف الكاهن؛ لأنّهم مع كونهم في مقام التحديد قد حصروه بمن كان له رأيّ من الجن. و يدلّ عليه أيضاً رواية الاحتجاج؛ فإنّ الظاهر أنّ قوله (ع): «... مَعَ‌ قَذْفٍ‌ فِي‌ قَلْبِه‌ ...» المراد منه بلحاظ التعليل قذف الشيطان فيه قيد لجميع الوجوه المذكورة للأخبار. و ذلك لأنّ الظاهر أنّ قوله (ع): «... لِأَنَ‌ مَا يَحْدُثُ‌ فِي‌ الْأَرْضِ‌ مِنَ‌ الْحَوَادِثِ‌ ...» تعليل لمنشئيّة الوجوه المذكورة للإخبار بالأشياء الحادثة. و لا يصحّ ذلك إلّا بكونه قيداً للجميع. هذا مع أنّ الأمر الحادث الذي يخبره الكاهن لا يخلو إمّا أن يكون أرضيّاً أو سماويّاً و الإمام (ع) جعل الإخبار بكلّ منهما مستنداً إلى القذف، فلو كان له منشأ آخر، لذكره. هذا، مضافاً إلى قوله (ع) في ذيل الرواية: «... فَإِذَا قَدْ زَادَ كَلِمَاتٍ‌ مِنْ‌ عِنْدِهِ‌...» فتأمّل. و لا ينافي الاختصاص ما في النهاية بملاحظة جعل الإخبار المستند إلى صرف كلام السائل و فعله و حاله فرداً من الكهنة؛ لأنّ قوله: «هذا يخصّونه باسم العرّاف» ظاهر في عدم إطلاق الكاهن عليه، فهو قرينة على أنّ المراد من الكهانة في المقسم ليس تمام ما وضع له؛ بل صرف الإخبار عن الغائب في المستقبل». [24]

یلاحظ علیه: بما ذکرناه.

 


[1] مولی بنی هاشم: إماميّ ثقة.
[2] یعنی در دوران انقطاع و بریده‌شدن سلسلۀ رسولان میان حضرت عیسی (ع) و حضرت محمّد (ص).
[5] . عوالم العلوم و المعارف و الاحوال من الآیات و الاخبار و الاقوال، البحرانی، عبدالله، ج1، ص538 : فطنة الروح. فطانت و زیرکی روح با آنچه شیطان در دل اندازد. و اگر فتنة الروح خوانده شود به معنای جادوی روح هم آمده است.
[6] .الإحتجاج، الطبرسي، أبو منصور، ج2، ص339.. (هذه الروایة مرفوعة و ضعیفة)
[8] في المصدر: فتنة الروح.
[16] . تحلیل الکلام فی فقه الاسلام، التبریزی، الشیخ راضی، ج1، ص194.
[17] الإخبار عن المستقبل.
[23] قذف الشیطان.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo