< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

43/05/09

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الوقایة من الجرم/ الإعانة علی الإثم/ دلائل مرأی جواز الإعانة علی الإثم

 

کان الکلام في علم الفقه حول الدلائل التي أقامها المحقّق الخوئيّ علی أنّ الإعانة لیست بحرام.

الدلیل الرابع:

السیرة المستمرّة للمتشرّعة

یدلّ عمل المتشرّعة من عهد رسول الله (صلّی‌الله‌علیه‌وآله) علی أنّ الإعانة علی الإثم لیست بحرام.

المثال الأوّل:

یعامل جمیع المسلمین مع الکفّار بینما أنّه بهذه المعاملة تصل منافع إلی الکفّار و یعصي الکفّار بالإستعانة منها و حیث أنّ «الکفّار معاقبون علی الفروع کما أنّهم معاقبون علی الأصول»؛ فکلّ عمل یعمله الکفّار فأنتم فیه شرکاء، لکن لم یُفتِ أحد من الفقهاء أنّ علمکم هذا حرام. إلی هذا المثال أشار المحقّق الخوئيّ في کلماته حیث قال: «قيام السيرة القطعيّة على الجواز؛ ضرورة جواز المعاملة مع الكفّار و غير المبالين في أمر الدين من المسلمين ببيع الطعام منهم و لو كان متنجّساً كاللحم و إعارة الأواني إيّاهم للطبخ و غيره».[1]

المثال الثاني:

قال کافر لك أعطني قِدراً[2] أو إناءاً و أنت تعطیه الإناء و هو یطبخ فیها الطعام بینما أنّه إذا وضع یده علی الطعام تنجّس الطعام و بعدئذٍ هو یأکل الطعام النجس. أنت بهذا العمل أعتدت مقدّمة المعصیة و أعنت علی الإثم. إلی هذا المثال أشار أیضاً المحقّق الخوئيّ بهذه العبارة «مع أنّه إعانة على أكل الطعام المتنجّس بمباشرتهم إيّاه».

المثال الثالث:

تمکّن الزوجة للجماع بطلب زوجه إیّاه بینما أنّها عالمة بأنّ زوجها لم یغسّل و بعدئذٍ تصدر منه أعمال محرّمة؛ مثلاً: یمسّ بیده خطّ القرآن أو لم یصلّ؛ فالتمکین إعانة علی الإثم، لکنّ الفقهاء یحکمون بوجوب التمکین. إلیك نصّ عبارة المحقّق الخوئيّ الممثّل بهذا المثال أیضاً: «ووجوب تمكين الزوجة للزوج و إن علمت بعدم اغتساله عن الجنابة فيكون التمكين إعانةً على الإثم».

المثال الرابع:

إنّ التجارة مع ممالك الکفّار أو الذهاب إلى ممالك الظلم للزیارة، إعانة علی الظلم؛ لأنّ عليك أن تدفع ضریبةً[3] تقوّي الحاکم الظالم. هذا المثال من أظهر مصادیق الإعانة علی الإثم. أشار المحقّق الخوئيّ إلی هذا المثال في کلماته فإلیك نصّ عبارته: «و أيضاً قامت السيرة القطعيّة على جواز تجارة التاجر و مسير الحاجّ و الزوّار و إعطائهم الضريبة المعيّنة للظلمة، مع أنّه من أظهر مصاديق الإعانة على الإثم».

المثال الخامس:

أکریت الدوابّ و السُفن و السیّارات و الطیّارات للمسافرین بینما أنّ المکرین یعلمون إجمالاً أنّهم عصاة. کلّ هذه إعانة علی الإثم. قد أشار المحقّق الخوئيّ إلی هذا المثال بهذه العبارة «و أيضاً قضت الضرورة بجواز إجارة الدوابّ و السفن و السيّارات و الطيّارات من المسافرين مع العلم إجمالاً بأنّ فيهم من يقصد في ركوبه معصيةً».

المثال السادس:

إنّ جمیع مجالس بیان الأحکام و مجالس السرور و العزاء، مع أنّها تکون مستحبّةً، یمکن أن تکون مع معاصٍ، مثل: الغیبة و الاستهزاء و الکذب و النظر إلی الأجنبیّة. في المجالس الکبیرة تجلس أفراد بعضها في جنب بعض و ترتکب معاصیاً، هل هذا تعاون علی الإثم! إلی هذا المثال أشار أیضاً المحقّق الخوئيّ بهذه العبارة: «و أيضاً قامت السيرة القطعيّة على جواز عقد الأندية[4] و المجالس لتبليغ الأحكام و إقامة شعائر الأفراح والأحزان، بل على وجوبها في بعض الأحيان إذا توقّف عليها إحياء الدين وتعظيم الشعائر، مع العلم بوقوع بعض المعاصي فيها من الغيبة و الاستهزاء و الكذب و الافتراء و نظر كلّ من الرجال و النساء إلى من لا يجوز النظر إليه وغيرها من المعاصي».

إشکالات دلیل الثالث:

الإشکال الأوّل:

برأینا لا تکون الأمثلة التي ذکرها المحقّق الخوئيّ داخلةً في بحث الإعانة علی الإثم؛ إذ کثیر من الفقهاء- مثل الشیخ الأنصاريّ- یشترط القصد في تحقّق الإعانة علی الإثم؛ أي وجب أن یکون هناك قصد لمن یتّجر مع الکفّار في أن یساعد علی المعصیة بینما أنّ الأفراد تُفکّر غالباً في ربحهم؛ مثلاً: لم توجد دواءمّا في المملکة الإسلامیّة و هم یتهیّئونها من ممالك الکفّار و لو أنّهم یعلمون أنّ للکفّار منافع أیضاً؛ لکن جمیع التجارات یکون لأجل منفعة المسلمین.

المرأة التي تمکّن لزوجها و هي تعلم أنّ زوجها لا یغسّل، لکن تمکّن له لأجل أن لا یطلّقها أو أن تعمل بوظیفتها الشرعیّة و لم یکن لدیه قصد علی الإعانة. من أقام مراسم العزاء للحسین (علیه‌السلام)، لم یکن لدیه قصد في معصیة الناس و من أکری مرکباً لم یکن لدیه قصد علی إعانة الإثم، بل یسافر مع هذا المرکب المتدیّنون و غیرهم.

الإشکال الثاني:

بناءاً علی مبنی من یشترط القصد في تحقّق الإعانة فهذه الأمثلة تکون داخلةً في بحث الإعانة علی الإثم؛ لکن مبنی المحقّق الخوئيّ هو أن لا یلزم القصد في تحقّق الإعانة؛ من هنا نجیب إجابةً ثانیةً للدلیل الثالث و هي أنّه في جمیع الأمثلة لا تصدق الإعانة عرفاً. في التجارة و إن ینتفع الکفّار- بالدقّة العقلیة- منافع و توجب التجارة هذه أن یعصي هؤلاء الکفّار، لکنّ العرف لا یعتبره إعانةً علی الإثم.

الإشکال الثالث:

في مثال تمکین الزوجة، هذا التمکین واجب، لا أنّه إعانة علی الإثم. في وجوب التمکین لا تعتبر عدالة الزوج. وجب علی الزوجة التمکین لزوجها، سواء کان زوجه فاسقاً أم عادلاً و لو فرضنا أنّ هناك إعانةً علی الإثم، لاجتمع الأمر و النهي، لکنّ الأمر الواجب أهم. هکذا في المثال الآخر فإنّ مراسم تعظیم الشعائر واجبة أحیاناً و لو یمکن أن تأتي إمرأة سافرة[5] و تجلس في محضر الواعظ و الواعظ ینصحها، فهذا لیس بحرام، بل الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر واجب.

الإشکال الرابع:

المثال الآخر الذي مثلّه هو و عجب منه، مثال التجارة مع الحاکمین الظالمین أو إعطاء الضریبة للزیارة للحاکم الظالم. في هذه الموارد لا تکون الإعانة علی الإثم موجودةً، بل هي إعانة علی الظلم و المحقّق الخوئيّ قائل بحرمتها. لا تصدق الإعانة عرفاً في هذا المثال و إن کانت من أظهر مصادیق الظلم فلا یجوز لك أن تجیزها.

في المجموع، مع وجود الإشکالات الواردة علی کلام المحقّق الخوئيّ و مع وجود الآیات و الروایات و دلیل العقل و الإجماع و الاستدلالات المقبولة من الإمام الخمینيّ، لم یمکن الحکم بجواز الإعانة علی الإثم.


[2] أي: دیگ.
[3] أي: مالیات.
[4] أي: باشگاه یا محل اجتماع مردم.
[5] أي: بی حجاب.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo