< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

43/05/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الوقایة من الجرم/ الإعانة علی الإثم/ الإعانة علی الظلم

 

کان الکلام في علم الفقه حول الوقایة من الجرم و حرمة الإعانة علی الإثم و أستدلّ بآیة ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾[1] و بهذه المناسبة ذکرنا الروایات الواردة في هذا الباب التي تدلّ علی حرمة الإعانة علی الإثم، منها:

الروایة الخامسة: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ص فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً غَارِسَهَا[2] وَ حَارِسَهَا[3] وَ بَائِعَهَا وَ مُشْتَرِيَهَا وَ شَارِبَهَا وَ الْآكِلَ ثَمَنَهَا وَ عَاصِرَهَا[4] وَ حَامِلَهَا وَ الْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ وَ سَاقِيَهَا».[5]

أشکل علی هذه الروایة بأنّ سنده لیس معتبراً. قلنا في الجواب أنّ هذا الحکم إرشاد إلی حکم العقل. إذا کانت الروایة إرشاداً إلی حکم العقل، لا یلتفت إلی سندها و لو کان ضعیفاً. إن کان شيء مّا مبغوضاً للشارع، یحکم العقل بأنّ الإعانة علیه قبیح أیضاً.

الإشکال الثاني

الروایة مختصّة بالخمر بینما أنّ مدّعاکم حرمة الإعانة علی کلّ إثم.

جواب الإشکال

نجیب أوّلاً: لدینا دلیل علی حرمة الإعانة علی الإثم من منظر العقل و یحکم العقل بحرمة الإعانة علی کلّ إثم. ثانیاً: لیس لدینا روایة واحدة دالّة علی حرمة الإعانة علی الإثم بل لدینا روایات کثیرة تثبت حرمة الإعانة علی الإثم. من هنا یقول المحقّق البجنورديّ[6] و آیةالله الفاضل: تثبت من مجموع الروایات حرمة الإعانة علی الإثم. الإمام الخمینيّ و المحقّق النراقيّ (رحمهماالله) قد قالا أیضاً إنّ أخبار هذا الباب مستفیضة. إذا بلغت الروایات حدّ الاستفاضة، فلا حاجة إلی دراسة[7] أسانیدها.

الدلیل الثالث: العقل

إنّ الدلیل العقليّ هو الذي جعله الإمام الخمینيّ (رحمهالله) أوّل دلیل علی حرمة الإعانة علی الإثم و یقول: إطاعة الوالدین واجبة و إن یك شيءمّا مبغوضاً لهما، فلا یجوز لك أن تُعتد مقدّماته. إن أعتیدت مقدّماته، یقول الأب: «إنّك تعلم أنّ هذا مبغوض عندي، لماذا تعتد مقدّماته؟».

إنّ الآباء و الأمّهات حسّاسون تجاه تدخین أولادهم و عندما یضع ولد من أولادهم قلمه في فمه مثل اللفیفة[8] ، یحزن و یقول: «لا أحبّ أن توجد صورة التدخین» إذا کان شيءمّا مبغوضاً عند الله، فإن أعتد أحد تمهیده فهو مبغوض للمولی؛ مثلاً: لماذا تؤجر بیتك من شخص قد قصد أن یصنع الخمر فیه؟

یبدوا إلی النظر أنّ الدلیل العقليّ دلیل قويّ و لو أنّ البعض لم یعتن به، لکنّه برأینا أنّ دلیل العقل حاکم.

یقول الإمام الخمینيّ: إنّ من المقبول في تمام ممالك الدنیا أنّه إن ارتکب أحد جرماً فإنّ معینه یکون مجرماً أیضاً. السارق و القاتل مجرمان و من أعانهما فهو مجرم أیضاً. في الإسلام یدلّ علیه دلیل روائيّ، لکن في سائر الأدیان و الملل، فالعقل حاکم علی هذا القانون؛ فإذاً الروایات إرشاد إلی حکم العقل.

وردت أیضاً في هذا الباب روایات کثیرة التي بیّنّا بعضها؛ منها هذه الروایة المعروفة «الرَّاضِي بِفِعْلِ قَوْم كَالدَّاخِلِ فِيهِ مَعَهُمْ»[9] ؛ مثلاً: إن ظلموا و هو راضٍ بظلمهم فهو منهم. إن کان من رضی بفعل المعصیة بقلبه محسوباً من المجرمین فبطریق أولی یکون من أعتد مقدّمات المعصیة مجرماً.

إشکال

نحتاج في ثبوت الحرمة إلی نهي المولی و مبغوضُه لیس حراماً علینا؛ ففي ما لم یك هناك نهي من المولی، فلا حرمة فیه. یعتقد أمثال المحقّق الخوئيّ: نحن بحاجة إلی دلیل علی أنّ الشيء الفلانيّ حرام و أن یقول الشارع: (مثلاً) ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ﴾[10] ، فنحن حینئذٍ تابعون لأمر الله؛ لکن إذا قال العقل هذا الشيء مبغوض للمولی، فلسنا بتابعین له.

علی هذا الأساس فهناك اختلاف عظیم بین حوزة قم و حوزة نجف التي غالب أفرادها تکون من تلامذة المحقّق الخوئي. النجفیّون لا یقبلون حکم العقل و الفلسفة و یکونون تابعي الدلیل من الآیات و الروایات، لکن حوزة قم التي غالب أفرادها تلامذة الإمام الخمینيّ، تعتقد أنّه إن وجد حکم من العقل أو بناء العقلاء علی شيء فنحن نقبله، لا سیّما إذا کان هناك آیة أو روایة في جنب حکم العقل. من أجل ذلك لیس لدی حوزة النجف اعتقاد لا بحرمة مقدّمة الحرام و لا بوجوب مقدّمة الواجب.

الدلیل الرابع: الإجماع

أجمعت الفقهاء علی أنّ الإعانة علی الإثم حرام. المحقّق النراقيّ و المحقّق البجنورديّ و عدّة کثیرة من الفقهاء قد ادّعوا الإجماع علی ذلك. المراد من الإجماع هنا إجماع القدماء لا المعاصرین؛ إذ بعض المعاصرین- مثل المحقّق الخوئيّ- لا یعتقد بحرمة الإعانة علی الإثم و هو یعتقد بأنّ هذا الإجماع إجماع منقول و لیس بحجّة و سنبحث عن قوله في ما بعد مفصّلاً.

إشکال:

أنت خبیر بالخدشة في حجیّة الإجماع؛ إذ الإجماع مدرکيّ و مدرکه الآیة و الروایات المذکورة.

الحرمة الوضعیّة و التکلیفیّة

قد تکلّمنا في الجلسة السابقة حول نسبة الحرمة التکلیفیّة و الوضعیّة و سنوضّحها مرّةً أخری.

إن نهی الشارع عن عمل مثل أن یقول: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ﴾[11] . لنهي الشارع هذا، حکم وضعيّ و حکم تکلیفي. الحکم الوضعيّ هو أنّ معاملة الخمر باطل؛ أي إن باع أحد الخمر فلا یصیر مالکاً له. الحرمة التکلیفیّة هي أنّ لهذا البیع و الشراء عقاباً أیضاً. یکون السؤال الآن في وجود الملازمة بین الحرمة التکلیفیّة و الوضعیّة و عدمها، هل هي موجودة هنا؟ أي حیثما وجدت الحرمة التکلیفیّة فالحرمة الوضعیّة موجودة أیضاً و حیثما وجدت الحرمة الوضعیّة فهناك توجد أیضاً الحرمة التکلیفیّة. هل النسبة بینهما عموم و خصوص مطلق أو تکون من وجه؟ قلنا أمس أنّها عموم و خصوص مطلق، لکنّ الیوم صحّحناه و نقول: النسبة بینهما عموم و خصوص من وجه، بمعنی أنّه یمکن أن توجد في مورد الحرمة الوضعیّة بینما لا توجد فیه الحرمة التکلیفیّة؛ مثل: أن تعامل مع المجانین، هذه المعاملة باطلة و لها حرمة وضعیّة، لکن لیس لها حرمة تکلیفیّة و لا یعاقب الشخص علی المعاملة. أیضاً یمکن أن تکون المعاملة حراماً، لکنّه لیست بباطل؛ مثل البیع وقت النداء. قال الله- تعالی: ﴿إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِنْ يوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيعَ﴾[12] إن باع أحد سلعته حین صلاة الجمعة، فعل حراماً، لکن لم یتحقّق النقل و الانتقال.

إنّما وجه قولنا في الجلسة السابقة بأنّ النسبة تکون عموماً و خصوصاً مطلقاً هو أنّه في بعض الموارد التي ورد النهي بالخصوص من الشارع في شيء، یکون مقصود الشارع عدم فعل هذا الشيء و أنّه إن ارتکبته فلا یترتّب علیه أثر؛ مثلاً: إن ورد النهي في البیع مع المجنون أو غیر البالغ و أنت تبیع منهما، فإذن لا تمتلك الثمن و إن تتصرّف فیه، فقد ارتکبت عملاً حراماً؛ فینتهي إلی الحرمة مع واسطة واحدة.


[2] أي: کسی که درخت را می کارد.
[3] أي: باغبان.
[4] أي: کسی که آب انگور می گیرد.
[7] أي: بررسی.
[8] أي: سیگار.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo